"الثائر الحق يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد" كلمات قالها الإمام الراحل محمد متولي الشعرواي وهو يتحدث عن ثورة المظلومين ضد فساد الحكام ورحب الإمام بثورة المظلومين ولكنه حرص علي تأكيد ضرورة أن يعقب الثورة هدوء لكي يتفرغ الناس للبناء وبكل تأكيد لو عاش الإمام حتي هذه اللحظة لما استطاع ان يقول هذه الكلمات في ظل وصول الخلاف في الرأي إلي مرحلة اصبحنا للأسف الشديد يخون فيها بعضنا البعض وأصبح البعض منا يصادر علي آراء البعض الآخر ونسينا جميعا أن الثورة قامت لإسقاط ديكتاتور كان يرفض أي رأي يخالفه ولكن للأسف تحول بعضنا إلي أشخاص لا يؤمنون إلا بأرائهم الشخصية. "عقيدتي" طرحت علي العلماء سؤالاً مفاده: كيف يثور المسلم؟ وكيف تكون ثورته علي حق؟ وكيف نستفيد من النجاح الباهر الذي حققته ثورة الشباب والتي دفع بعضهم أرواحهم ودمائهم ثمناً لها؟ مرحلة جديدة بداية يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية: لابد أن نعي ونحن مقبلون علي مرحلة جديدة في حياتنا أن الشباب لم ينتصروا في ثورتهم إلا بفضل وحدتهم ووحدة المجتمع من ورائهم وقبول كل منهم لرأي الآخرين دون أن يسفه منهم أو من آرائهم ولهذا انطلق صوت المصريين هادراً حتي سمعه العالم كله وتحاكي به وقد تحقق نصرهم بإذن الله تعالي من خلال وحدة الأمة جميعاً ومن خلال إيمانهم بالله واعتصامهم بحبله المتين ولابد أن نعي أن الفرقة اليوم وقيام بعضنا بالسخرية من آراء الآخرين أو بتخوين الآخرين لن يصب إلا في مصلحة الفوضي التي يراها أصحاب المصلحة في بقاء النظام السابق. ويشير د. واصل إلي نقطة في غاية الأهمية عندما يقول هناك اتهامات يوجهها اليوم البعض لإخوانهم بأنهم السبب في استمرار النظام السابق في حكمنا طوال هذه السنوات بهذا الشكل الدكتاتوري وأنا أقول لهؤلاء إن الوضع الذي عشنا فيه طوال عصر الرئيس السابق نتحمل مسئوليته جميعاً فلا يصح أن يدعي أحد بطولة اليوم ويتعالي علي إخوانهم فقد شارك بشكل أو بآخر في صنع ديكتاتورية النظام السابق ولهذا فاللوم يقع علي جميع المصريين وعلي مدعي البطولة ان يتوقفون عن النيل من إخوانهم ولنفيق جميعاً للعمل ثم العمل كي ننهض بهذا البلد ونعيد له أمنه وأمانه. وينهي الدكتور فريد واصل حديثه قائلاً: إن بلادنا عانت طويلاً من فئة استبدت بالسلطة ولم تسمح لرأي يخالف رأيها بالظهور ولهذا لا يصح ان يحدث شبابنا رحمة الله عليهم وهم يحاولون تخليصنا من هذا النظام الديكتاتوري لتظهر اليوم علي الساحة قلة يحاولون فرض رأيهم بالقوة الجبرية علي الآخرين أو يتهمون الآخرين باتهامات العمالة أو ما شابه فالواجب علينا اليوم بعد ان تخلصنا من هذا النظام أن نتكاتف ونعمل بكل جهدنا من أجل أن نذوق خيرات بلادنا بدلاً من أن نتناحر ويخون بعضنا بعضنا. فترة عدم إتزان من جانبه يقول الدكتور محمد كمال إمام رئيس قسم الشريعة الاسلامية بجامعة الاسكندرية ما يحدث في المجتمع الآن من كثرة الآراء وتعددها واختلافنا إنه طبيعي في مجتمع عاني لسنوات طويلة من سياسة تكميم الأفواه ومنع الحديث في أي شأن عام لهذا فمن الطبيعي أن تجد الكثير من الآراء المتعارضة وغير المتلاقته والكل يريد التغير في كل مكان وفي كل جهة باختصار فإن المجتمع المصري مثل أي مجتع يعاني من فترة ما بعد الثورات وهي فترة توصف بأنها تشهد نوعاً من عدم الاتزان لأن كل شخص يدلو بفكره يتخيل ان فكرته يجب أن تنفذ ولأن الوقت المتاح ضيق ولا يسمح بتنفيذ كل الافكار والمقترحات ليظن كل صاحب فكرة علي تنفيذ ان المجتمع يحارب الثورة وهذا أمر غير صحيح بالمرة كل ما هناك أن المجتمع يحتاج اليوم الفرصة كي يستمع لكل الأفكار وينفذ الايجابية منها بترتيب أهميتها. ويستطرد د. كمال إمام: من هذا المنطلق لابد أن نمنح المجتمع فرصة كي يستعيد توازنه ويسترد الاقتصاد عافيته وهذا لن يتحقق إلا بالعمل لأن تحسن أوضاع الدولة اقتصادياً سيقضي علي الجانب الآخر علي ما اصطلحنا بتسميته بالثورة المضادة التي يقودها من خسروا مكاسبهم التي كانوا يحققونها في ظل سطوة النظام السابق ولهذا فإذا نجحنا كمجتمع ثار علي الظلم والطغيان في استثمار ثورتنا من خلال العودة إلي أماكن الانتاج وبذل الجهد من أجل زيادة الانتاج فإن ذلك سيصب في النهاية في صالح الثورة وسنري أن الدولة ستكون قادرة حينذاك علي تنفيذ كل الأفكار التي طرحها أبناؤها المخلصون وبهذا نحقق قوله "وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان" ومصلحة الأمة تقتضي منا اليوم أن يفسح كل منا للآخر مكانا يتقبل فيه رأيه بسفه منه فإذا نجحنا في ان يحتوي كل منا آراء الآخرين وأن نعمل في ذات الوقت بكل جد وإخلاص فإننا سنبني أمة نضاهي بها العالم كله إن شاء الله. الثائر الحق أما الدكتور عبدالله بركات العميد الأسبق لكلية الدعوة الإسلامية فيقول: إن شباب مصر قاموا بعمل عظيم عندما ثاروا ونجحوا في الصمود في وجه الطغيان والفساد ونجحوا في تخليص المجتمع كله من نظام ديكتاتوري حكم البلاد بالحديد والنار ونحن الآن علي اعتاب مرحلة تاريخية جديدة من تاريخ مصر العظيمة مرحلة تتطلب منا جميعاً العمل ثم العمل وفي نفس الوقت الذي نعمل فيه لابد ألا نصمت في وجه أي فساد نراه حتي لا يتراكم الفساد لا يجب ان يمنعنا عن اتقان العمل والإنتاج فلابد أن نعطي فرصة للدولة كي تلتقط أنفاسها ولنتذكر جميعاً مقولة الإمام الراحل العظيم الشيخ محمد متولي الشعراوي حينما قال إن الثائر الحق يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد ولهذا فعلينا جميعاً أن نهدأ ولا يعني الهدوء ان نتوقف عن رصد الظلم ومواجهته أينما كان ولكن الهدوء يعني أن نسمع للرأي والرأي الآخر وأن نبذل قصاري جهدنا من أجل تحقيق غد مشرق لكل مصري يعيش علي أرض مصر. نهضة الأمة أما الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق فيقول: لابد علي من يكتفي اليوم بالكلام ولا يعمل أن يتذكر أن حماية ثورة هذا الشعب الطيب لن تتحقق إلا بالعمل أما الاكتفاء بالكلام ثم الكلام فهذا أمر لا يرضي الله تعالي عنه بل يساهم في ضياع الأهداف النبيلة التي قامت من أجلها الثورة والتي بذل فيها شباب مصر الأوفياء دمائهم وأرواحهم دفعوها عن طيب خاطر من أجل نهضة هذا الوطن وإعلاء شأنه وأنا شخصياً أعجبني للغاية الشاب المتميز وائل غنيم أحد قادة هذه الثورة المباركة فقد شارك في كل فعاليات الثورة بل انه تعرض للأذي من النظام السابق وبعد أن نجحت الثورة في إقصاء رموز هذا النظام طالب الجميع بالعودة إلي المصانع والمتاجر واستئناف العمل من أجل مصر وحتي عندما يشارك اليوم في وقفة أو مظاهرة فإنه وفور أن تنقضي يعود لعمله لم يفعل مثل كثيرون تفرغوا للتظاهر ولم يراعوا أهمية العمل في إنجاح الثورة. ويضيف الشيخ عاشور: إنني لا أعني بما قلته ان نتوقف عن التظاهر وعن الجدال في الحق ولكننا لابد أن نتظاهر ونعمل في ذات الوقت وكذلك لابد أن يقبل بعضنا بعضاً والله تعالي يقول "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" ولابد أن يدرك كل مصري أننا نحيا اليوم لحظات فارقة في حياة بلادنا لحظات تتطلب منا تنحية المطالب والأهواء الشخصية جانباً وتخلصنا من تطلعاتنا وطموحاتنا الشخصية من أجل تحقيق تطلعات وطموح شعب بأكمله وقد قرأت مؤخراً مقولة لكاتب ومفكر إسلامي كبير قال فيها أن الرسول صلي الله عليه وسلم طالب المسلمين بالثورة علي الحاكم الظالم ولكنه في نفس الوقت طالب بألا يثور المسلم لأي مشكلة طارئة حتي لا يعيش المجتمع في هرج ومرج وتعيش الأمة في الفتن والخلافات ولكن يحق للمسلم في هذه الحالة إنكار المنكر وقول كلمة الحق حيث يقول الرسول صلي الله عليه وسلم "خيركم المدافع عن عشيرته مالم يأثم".