هل للمجلس العسكري وجهان: طيب، وشرير؟. هل يصح أن ترى المجلس من الوجه الطيب، كما يصح أن تراه أيضاً من الوجه الشرير؟. أسئلة شائكة، وتكشف عن حالة التباس صنعها المجلس أو نحن الذين صنعناها. خلال الثورة، وبعدها بعدة أشهر، كان الكل قابضاً على شعار " الشعب والجيش إيد واحدة ". ثم بدا أن الشعار يتعرض لنوع من التآكل، كما بدا أن فتقا حصل بين الجانبين، الشعب والجيش. لكن من هو الشعب؟، ومن هو الجيش؟، حتى يكون الكلام محدداً، وليس معمماً، وخادعاً، وعلى إطلاقه؟ . الشعب الذي ابتدع الشعار خلال أيام الثورة، هو الشعب المصري بكل فئاته وأطيافه. والجيش، هو الجيش الذي نزل للشوارع، والميادين، وعلى رأسها "التحرير" رمز الثورة، حيث لم يطلق رصاصة واحدة على المتظاهرين، وحمى الثورة، أو قل وقف على الحياد بين الثوار وبين النظام. موقفه كان جيداً، وإن كان دوره في الثورة ما زال ملتبساً، ومبهماً، وغامضاً حتى الآن، وهو الالتباس نفسه الذي يلازم مسيرة المجلس العسكري مع الثورة، والشعب، منذ أن أصبح الحاكم في 11 فبراير وحتى اليوم، حيث صار الآن لهذا المجلس وجهان : طيب وشرير، سواء عن حق أو وهم. كل مصري يمكن أن يراه من الوجه الذي يريده منهما، وبالتالي يمكن أن يستميت في الدفاع عنه، أو يهاجمه بعنف. الآن الشعب الذي كان خلال الثورة شعباً واحداً موحداً صار شعبين، أحدهما الكتلة الغالبة التي لا تتظاهر ولا تعتصم، وهي مع الجيش وتراه من الوجه الطيب، ولن أصف هذا الشعب بما هو مهين له من مثل أنه " حزب الكنبة " حيث أبطل هذا الوصف السخيف بعد وقوفه في طوابير أمام لجان الانتخابات، وهو لا يجلس على " الكنبة " كسلاً وسلبية، إنما لالتقاط الأنفاس بعد عناء العمل لأجل لقمة العيش. الشعب الآخر وهو ذلك الذي يتظاهر ويعتصم في التحرير والشوارع المحيطة به، هذا الشعب يعتبر نفسه حارس الثورة، لكنه صار الآن أقلية محدودة حتى بات بمواجهة الكتلة الغالبة من الشعب، كما بات يتهم بأنه السبب في وقف الحال، وتعطيل المصالح، والمصانع، قد يكون هذا الشعب مثالياً إلى الدرجة التي يضحي فيها براحته، وهناءة نفسه، مقابل البقاء في الميادين، والشوارع، والنوم في العراء، وتناول طعام ملوث، لأجل الحفاظ على الثورة، ومطالبها، ونقائها، لكن عليه أن يعترف أنه اختلط به كثير من مدعي الثورة، ومن الانتهازيين، والمتسلقين، والدمويين، والبلطجية، والمأجورين، والعملاء، ومن هنا صار النبع الثوري الصافي الرقراق مخلوطاً بكثير من الزبد. "الشعب والجيش إيد واحدة".. شعار كان في محله إلى ما بعد 11 فبراير بوقت ليس بالطويل. الآن.. الشعب - الذي في البيوت والأشغال – ومعه الجيش ما زالا يداً واحدة. والآن.. الشعب الذي في التحرير، والجيش ليسا يداً واحدة، بل هذا الشعب بات بمواجهة الجيش، وهذا أمر محزن. لم يبقَ المصريون كلهم يداً واحدة بعد الثورة، بل صاروا يدين، بل أيادٍ، إذا أدخلنا القوى والأحزاب السياسية في الحلبة، هناك مئات الأيادي الآن، كل واحدة منها تريد خطف مصر لمصلحتها. مثلما صار الشعب شعبين، أحدهما الأكثر عدداً، والآخر الأقل، وكلاهما صارا نقيضين. فإن الصورة الذهنية عن المجلس العسكري أصبحت ذات وجهين .أحدهما طيب، والآخر شرير. وكل فصيل من الشعبين يراه من الوجه الذي يتوافق مع الصورة التي صنعها له، فهو عند البعض – الأغلب الأعم - وجه ملائكي، وعند البعض الآخر- شريحة محدودة - غير ذلك تماماً. فهل المجلس تعمد خلق هذه الحالة حتى يضع الشعب بقسميه في حيرة من أمره، ولا يجعله موحداً تجاهه، أم أننا الذين نصنع الوجهين، أو نتوهمهما، ليفسر كل واحد مواقفه منه التفسير الذي يريحه سواء كان معه، أم ضده؟. مثلاً.. البعض يرى أن المجلس كان حسن النية في بدء المرحلة الانتقالية بالتعديلات الدستورية. والبعض الآخر يرى أنه فعل ذلك لمصلحة تيار سياسي بعينه، ليقسم الثورة والنخبة والمجتمع. البعض يعتبر المجلس مع الإسلاميين،وآخرون يرونه منحازاً لليبراليين. المجلس يغرق البلد في الفوضى، التفسير الآخر أنه بريء منها . " العسكري " يخطط للبقاء في السلطة. لا.. إنه يريد تسليمها لمن ينتخبهم الشعب. المندسون الذين يقذفون الطوب ويحرقون ويقتلون المتظاهرين لهم علاقة بالمجلس حيث يغطي عليهم. الرؤية الثانية أنهم أيادٍ خفية عميلة للداخل أو الخارج أو كلاهما. المجلس العسكري وراء ما حصل أمام ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء، والقصر العيني، وكل الحوادث المشابهة. لا.. إنه بريء، وهو ضحية. المجلس وراء حرق مبنى المجمع العلمي. لكن في الرؤية الأخرى أنه لا يمكن أن يتورط في أفعال كهذه، وأنها من فعل المتظاهرين أنفسهم، وأن " العسكري " ضحية من ينظر إليه من الوجه الشرير. عشرات الاستنتاجات ستظل تتوالد لتكرس في النهاية فكرة المجلس ذي الوجهين : الطيب والشرير، حسب تفسير كل شخص، معتمداً على موقفه منه، وتحليله لما يراه. هل المجلس منتبه إلى أن له وجهين الآن؟، وهل هو مع بقاء هذه الصورة المزدوجة الملتبسة؟، وهل هي راقت له حيث يستفيد منها في استمراره في إثارة البلبلة، واللغط، وعدم القطع بحقيقة ما يحدث في مصر؟. حتى لو كان الوجهان من صنع "الشعب خارج التحرير"، و" الشعب الذي في التحرير"، فإن المجلس مطالب بإلحاح وبشكل عاجل أن يتحدث بشكل واضح وقاطع ونهائي عما يحصل، ويجيب عن كل الأسئلة المعلقة، والاتهامات الموجهة له، والاستفسارات الحائرة، ولا يعفيه من المسؤولية ألا يكون لا يدري مثلنا ما يحدث في البلد الذي يحكمه، أو يكون فاقداً للقدرة على التحكم في الأوضاع، لأن المشكلة في الحالتين ستكون كارثة عميقة وخطيرة أكثر مما نتصور. لابد أن يكون للمجلس وجه واحد حتى لو كان الوجهان مجرد أوهام وخيالات. لابد أن يزيل كل الالتباسات حوله، فهو من يحكم، ومن يمتلك المعلومات، ومن نأمنه على مصر؟. [email protected]