يسأل مشارك قي أحد مواقع الإنترنت عن معني صفة ناشط سياسي. هل هي وظيفة؟ فيأتيه الجواب من مشارك آخر بأن الناشط السياسي شخص لا عمل له غير التظاهر لإثارة المشاكل والفوضي ويصرف عليه أبوه وأمه ويتكرر السؤال والجواب إما بالنص أو مع تحويرات بسيطة عشرات أو مئات المرات علي مواقع متعددة بما يدل علي ان هذا ليس حوارا بين افراد متشككين في معني المصطلح ولكنه عمل منظم يرعاه جهاز قادر بهدف تشويه سمعة وصورة النشطاء السياسيين, ولاسيما من كان لهم دور في ثورة25 يناير التي يسمونها في تلك المواقع بالمناسبة25 خساير! سنرجع إلي ذلك, ولكن سأفترض الآن أن البعض يسأل ببراءة وحسن نية عن معني الناشط السياسي, وسأتطوع من عندي بتقديم تعريف عملي, الناشط هو صاحب مبدأ يراه محققا للنفع والمصلحة العامة, ويسعي إلي نشر هذا المبدأ وتحقيقه عن طريق إقناع الآخرين بالوسائل السياسية التي تشمل الدعوة والتظاهر السلمي وعقد المؤتمرات الجماهيرية وغير ذلك من السبل, وهو مستعد لبذل التضحية من أجل المبدأ بما يشمل قبول التعرض للمطاردة والتشريد من العمل والاعتقال وقبول الاستشهاد حين يصبح فرضا. ولتقريب هذا الكلام من التطبيق العملي يكفي أن ننظر إلي الشباب الذين مثلوا رأس الحربة لثورة25يناير وقاطرتها الأساسية التي أقلت بعد ذلك الملايين. كانوا ناشطين سياسيين ينضوون في مجموعات منها كلنا خالد سعيد وحركة كفاية وحركة6 أبريل وغيرها. كلهم دفعوا أثمانا باهظة في ظل حكم مبارك وقضي الكثير منهم شهورا أو سنين في معتقلات الطاغية وسجونه, وهم الذين قاوموا بعد ذلك بأجساهم العارية وأجسادهن غزوات الأمن المركزي في أثناء الثورة, وهم الذين عطرت دماؤهم الزكية أرض التحرير وغيره من ساحات الثورة في مصر حين سقط منهم الشهداء والشهيدات والجرحي. والنشطاء السياسيون يفدون من كل فئات المجتمع ينتمون إلي كل الأعمار, وكل الطبقات الاجتماعية والعقائد السياسية والدينية, ولكنهم يظلون أقلية بالقياس إلي الصامتين, الذين درجنا مؤخرا علي تسميتهم حزب الكنبة, غير أنهم الأقلية الفاعلة التي تقود كل تغيير في أي مجتمع نحو التقدم. وسأعطي مثالا واقعيا ناشطة سياسية تعرفت عليها قبل عشر سنوات في مظاهرات حركة كفاية ضد نظام مبارك, وهي الدكتورة ليلي سويف الأستاذة بكلية العلوم بالجامعة. لم تكن شابة وقتها بل كانت أما لشابين هما علاء ومني. غير أنها في أثناء المظاهرات كانت تنافس الشباب في الهتاف الحماسي ضد مبارك ونجله وكانت تتصدي بشجاعة لهجمات جنود الشرطة الساعين لفض المظاهرة وتتحمل اعتداءاتهم الغليظة بالقول والفعل ويمتد نشاطها إلي الجامعة حيث تشارك مع زملائها في حركة9 مارس لمقاومة أذناب النظام السابق داخل الجامعة. ولا أعرف ان كانت قد تعرضت في مسيرتها النضالية للسجن أم لا ولكني أعرف أنها أنجبت ابنتها مني حين كان زوجها الناشط أحمد سيف الإسلام عبدالفتاح مسجونا. وأعرف أيضا أن ابنها علاء عبدالفتاح قد دخل السجن أيامها في عام 2006 تم القبض عليه في مظاهرة احتجاجية للدفاع عن استقلال القضاء. ولابد أني كنت هناك فقد شاركت في كل الوقفات والمظاهرات الاحتجاجية لدعم القضاة في معركتهم النبيلة التي قادها القاضي الجليل زكريا عبدالفتاح رئيس نادي القضاة أيامها. غير أني قد أفلت سالما, أما علاء فلم يكن محظوظا مثلي وإذ تم اعتقاله وقضي في السجن45 يوما. ولكن علاء شارك بعد ذلك مع غيره من الناشطين في ثورة يناير وفي الدفاع عن ميدان التحرير يوم موقعة الجمل وبعده وتعرض مثلهم للموت. وهو اليوم مرة أخري في السجن, والتهم الموجهة إليه أكثر خطورة من التي أسندت إليه أيام أزمة نادي القضاة. فهي تهم تتعلق بسرقة سلاح عسكري والاعتداء علي جنود القوات المسلحة والتحريض علي العنف وغير ذلك من الأفعال الخطيرة التي يقال أنه ارتكبها في أثناء مظاهرة الأقباط الدامية أمام ماسبيرو. وأظن ان علاء هو أول من يعنيه التحقيق في هذه التهم ليثبت براءته منها. ولكنه يرفض- عن حق- أن يحاكم وهو المدني أمام القضاء العسكري, فهذا حق كفله الدستور قبل تعديله وبعد تعديله,أي أن يحاكم المتهم أمام قاضيه الطبيعي, وتري السلطة الحاكمة أنه بما أن هذه التهم تمس القوات المسلحة فمن الضروري محاكمة علاء أمام القضاء العسكري. ولكن بغض النظر عن هذا التفسير المتشدد للقانون فأنا أعتقد أيضا ان السلطة الحاكمة لن تخسر شيئا لو سمحت بمحاكمة علاء امام القضاء المدني مادام يهمها سرعة الفصل في القضية وجلاء الحقيقة, لا شك ان السلطة تثق هي أيضا في عدالة القضاء المدني المصري وأنه سيحاكم علاء علي التهم المسندة إليه بدقة ونزاهة لن تقل عن دقة ونزاهة القضاء العسكري. وقد دخلت الدكتورة ليلي سويف في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجا علي استمرار حبس ابنها وتقديمه للقضاء العسكري, وأعلنت أنها ستواصل هذا الإضراب إلي أن يتم الإفراج عن علاء الذي ينتظر الآن وهو في السجن مولد طفله الأول, وانا أدرك أن هذا الإضراب يمثل خطرا حقيقيا علي الدكتورة ليلي في مثل سنها وصحتها, ولكني لا أملك شيئا سوي أن أضم صوتي إلي صوتها في المطالبة بسرعة الإفراج عن علاء, أعتقد أن رصيده هو وزملائه من شباب الثورة لدي الوطن يسمح علي الأقل بالإفراج عنه بكفالة ومحاكمته بعد ذلك أمام قاضيه الطبيعي. لكم أتوق الآن إلي أن يظل المجلس العسكري علي سيرته الأولي التي ألف بها القلوب وجمعها من حوله! تلك المسيرة التي بدأت بالتحية العسكرية المهيبة لأرواح الشهداء وتبدت في روح السماحة التي أتاحت للمجلس أن يتراجع عن خطأ قائلا للثوار وللشعب رصيدنا لديكم يسمح كما تجلت في عبارات التقدير التي وجهها المشير طنطاوي في عيد ثورة يوليو حين قال: إن الشباب الذي صنع ثورة يناير نبت طيب من أرض مصر ينتمون لشعب عريق تبنوا مبادئ سامية وحين قال أيضا في كلمته أمام الجيش الثاني الميداني: الثوار أبناؤنا وإخواننا ونحن لا نمن علي شعبنا. نحن في أمس الحاجة اليوم إلي هذه الصور من التقارب الإنساني مع هذا النبت الطيب فهؤلاء هم نفس الشباب الذي هتف الجيش والشعب إيد واحدة. هتف بها علاء مع زملائه حين رأوا الدبابات القادمة إلي ميدان التحرير في عز الثورة وضرب النار, فاطمأنوا إلي أنهاجاءت لحمايتهم وصعدوا علي ظهورها واثقين أنها ليست حربا عليهم كالحرب التي تشنها الشرطة ولكنها بشارة خير ونصر. لا يمكن لهؤلاء الشباب ولا لأي مصري أن يسعي للوقيعة بين الجيش والشعب, لكن أيدي الفتنة هي التي تبذر الشقاق تريد الوقيعة للجيش والشعب, معا لا قدر الله, وليست مجهولة أبدا هذه الأيدي, وقد أشرت إلي خطابها المبثوث في شبكة الإنترنت وأقنية معروفة في الإعلام الرسمي والخاص خطابها وحده يفضح هويتها, فهي تعادي الثورة علي خط مستقيم(25 خساير كما يصفونها) أما شباب الثورة فهم يحتفظون لهم بأكثر الأوصاف بذاءة مع اتهامهم بالعمالة لأمريكا وإسرائيل وإيران والسعودية وصربيا في وقت واحد, وتمتلئ شاشات الكمبيوتر بعشرات إن لم يكن مئات الأفلام القصيرة تحت عنوان الفضائح الأخلاقية لشباب وفتيات6 أبريل وهي واضحة الفبركة عن طريق المونتاج الذي يضيف إلي الصور ويحذف منها, عدا مئات التعليقات البذيئة الموحدة الأسلوب بما يوحي أنها موحدة المصدر, وأعداء الثورة الكارهون لشبابها معروفون بالطبع من أنصار النظام القديم ولكن يبدو أن جهاز الدعاية لهم موحد, ويفضح أسلوبه أن القائمين بالتنفيذ من بقايا جهاز مباحث أمن الدولة المنحل, سواء ممن مازالوا يعملون بصفة رسمية أو من الخارج لمواصلة هوايتهم القديمة في التشهير ضد الخصوم السياسيين وتخوينهم وتلويث سمعتهم, ولكن آثار هذه الهواية الشريرة أخطر اليوم, مما كانت في العهد البائد فهي تهدف إلي تفتيت التلاحم الوطني للثورة والدولة وهذه هي الوقيعة الحقيقية. ويبدو أن أعداء الثورة يحققون شيئا من النجاح في هذا المجال, ومن هنا نلاحظ ذلك العنف في التعامل مع شباب الثورة واللين المفرط في التعامل مع خصوم الثورة, فمنذ شهور تتوالي المحاكمات العسكرية لهؤلاء الشباب, فضلا عن الفضيحة التي أصبحت عالمية بإجراء كشف العذرية علي فتيات التحرير, هذا بينما يواصل أبناء وبنات مبارك نشاطهم وتظاهراتهم أمام كاميرات التليفزيون مطمئنين ومتباهين بحمل صور المخلوع دون أن يفكر أحد في الحكم في ملاحقتهم أو تجريس فتياتهم ناهيك عن القبض عليهم أو تحويلهم لمحاكمات عسكرية أو مدنية. وهذا التفاوت في المعاملة هو الذي يزرع الشك والتذمر والوقيعة, وقد آن لقيادة الحكم الحازمة أن تضع حدا لهذه الفتنة, فالمسألة أبعد بكثير من قضية المحاكمة العسكرية لعلاء عبدالفتاح ورفاقه, وإن كان من الضروري وقف المحاكمة العسكرية له ولغيره من المدنيين. القضية الحقيقية ان هناك خللا ملحوظا في التعامل مع نشطاء الشباب الذين يرجع لهم فضل كبير في التغيير الذي أسقط حكم الطغيان, وعلي سلطة الحكم أن تبادر إلي المصالحة معهم ومع الشعب القلق لبطء الخطي نحو المستقبل الديمقراطي الذي وعدتنا به. المزيد من مقالات بهاء طاهر