أعتقد أن كل المصريين يشاركونني الرغبة في الاستماع إلي المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، لكي يروي لنا كل الحقائق المتعلقة بالتحديات التي واجهت مصر خلال المرحلة الماضية والحالية وكيف تعاملت القوات المسلحة معها ورؤيته لمستقبل بلادنا. أتمني أن أسمع وجهة نظره حول الجملة المهينة والبغيضة التي ترددت طوال الفترة الماضية، وهي »يسقط حكم العسكر«، والتي تمثل اتهاماً ظالماً، لابد أن يرد المشير عليه بكل الصراحة والوضوح اللذين عرف بهما. أعرف أن المشير طنطاوي ليس من هواة الظهور الإعلامي، وأدرك عن يقين أنه يعد الأيام والليالي الباقية علي انتخابات الرئاسة وتسليم السلطة بالكامل، وعودة المجلس العسكري لأداء دوره الأساسي كحام لأمن واستقرار الوطن. أتمني أن يخرج المشير طنطاوي لكي يتحدث إلي الناس، ويجيب عن كل الأسئلة والاستفسارات التي ظلت بلا إجابة طوال الفترة الماضية، والتي أعقبت تنحي الرئيس مبارك، وكان معظمها اتهامات روجت لها بعض القوي السياسية الداخلية والخارجية، في إطار المؤامرة الكبري التي تهدف لإسقاط مصر وإعادتها للوراء مرة أخري. أعرف أن هناك غصة في حلق المشير طنطاوي، وربما الإحساس بالظلم الشديد الذي تعرض وتعرضت له المؤسسة العسكرية. وهو ظلم سوف يكشف التاريخ مدي زيفه وبهتانه، لكن من حق المشير طنطاوي وكل جنود وقادة قواتنا المسلحة أن يفخروا بأن التاريخ سوف يسجل لهم بأحرف من نور، أنهم أول مؤسسة عسكرية علي مستوي العالم تقود بحنكة ومهارة الانتقال الديمقراطي للحكم، وهو الأمر الذي يتناقض في كثير من الأحيان مع طبيعة السلطة العسكرية علي المستوي العالمي. من حق المشير طنطاوي وكل رجاله أن يفخروا بصبر »أيوب« الذي تحلوا به منذ تسلم مسئولية السلطة مؤقتاً وحتي اليوم. »صبر أيوب« الذي أوقعنا جميعاً في حيرة، ونحن نتابع ونرصد عن قرب ردود أفعال المؤسسة العسكرية تجاه الانتهاكات الواضحة، التي لجأت لها بعض القوي السياسية ولاتزال، والتي تمادت في هجومها وافتراءاتها إلي حدود غير مسبوقة، والتي كانت تهدف إلي النيل من هيبة وقدسية تلك المؤسسة العريقة، وربما كانت تهدف في خبث ودهاء إلي دفع هذه المؤسسة إلي اتخاذ خطوات وإجراءات كان يمكن أن تجر البلاد إلي حالة من الصراع الذي قد يعصف بوجود الدولة، وإلي أمد بعيد. نعم، لقد كان المشير محمد حسين طنطاوي ونائبه الفريق عنان، وكل أعضاء المجلس الأعلي، أهلاً لحمل الأمانة، والتي ستكون خير خاتمة لمقاتلين حملوا دائماً أرواحهم فوق أكفهم طوال حياتهم، وهم يلبون نداء الوطن دفاعاً عن أرضه وترابه وسيادته. مقاتلون سجل التاريخ العسكري بطولاتهم في حرب أكتوبر، وشاءت الأقدار وحدها أن يدخلوا أيضاً في الامتحان الصعب والعسير لتولي مسئولية وطن، في لحظة حالكة كادت مصر فيها تلفظ أنفاسها الأخيرة. لقد أتاح لي عملي بالصحافة علي مدي 53 عاماً أن أعرف عن قرب طبيعة هؤلاء الرجال ومدي انضباطهم الشديد. أعرف حزم المشير والفريق عنان وصرامتهما التي يعرفها ويهابها كل رجالهما وجنودهما منذ بداية خدمتهما كمقاتلين. وكانت تلك المعرفة سبباً أساسياً في حيرتي الشديدة وأنا أراقب وأري ردود أفعالهما تجاه التجاوزات الكثيرة، التي حدثت في حقهما وحق قواتنا المسلحة. ولا أبالغ عندما أقول إنني رأيت أشخاصاً آخرين غير الذين أعرفهم، ولقد دفع »صبر أيوب« معظم المواطنين إلي حد مطالبة المجلس العسكري بأن يكون أكثر حزماً وصرامة في مواجهة حالات الانفلات والفهم القاصر والخاطئ للحرية والديمقراطية، التي تحولت إلي سهام تنخر في قلب مصر.
نعم كل أبناء مصر في حاجة اليوم إلي سماع المشير محمد حسين طنطاوي، لأننا جميعاً نشعر بمخاوف كثيرة علي مستقبل الوطن، والذي يتصدره اليوم كثير من الهواة في تناحر بغيض من أجل الوصول إلي كرسي السلطة. ولا أبالغ عندما أقول إن التاريخ سوف يكون حسابه عسيراً، عندما تجعلنا الديمقراطية والحرية نغمض عيوننا عن حقيقة التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط بنا، وقد يقودنا تيار الديمقراطية الزائف إلي سوء الاختيار رغماً عنا. إن المقولة البغيضة »لا لحكم العسكر« تعود في حقيقتها إلي عسكر كانت أولي تجاربهم هي الحكم عندما قامت ثورة 25، وليس هؤلاء الذين كانت كل تجاربهم في ساحات القتال دفاعاً عن عرض مصر وترابها وسيادتها، وحققوا لها أكبر نصر في التاريخ المعاصر للحروب، وقدموا كل التضحيات لحماية آمال شعبهم في الحرية والديمقراطية. مصر ليست في حاجة إلي الألوان الرمادية، ولا يمكن أن تنساق وراء شعارات فضفاضة قد تقودنا لكارثة. الانتخابات التنافسية ووجود عدة مرشحين وضوابط صارمة للنزاهة، هي وحدها الكفيلة باختيار رئيس لا يكون مجرد سد خانة في مكلمة الديمقراطية!! نريد رئيساً لا يبدأ مرة أخري من أول السطر.. رئيساً يلملم بقوة شتات وطن ندعو الله أن يحفظه لنا ولأحفادنا.