ممتاز القط سمع صوت كلاكس السيارة بوضوح داخل إحدي قاعات المحاكم الامريكية، اثناء جلسة اصدار الحكم باحدي القضايا الي الدرجة التي وضع فيها القاضي يديه علي اذنيه عدة مرات وعقب صدور الحكم طعن محامي المتهم بان القاضي كان يعاني من ضغوط خارجية اثرت عليه خلال سماعه للمرافعة، وقبل الطعن واعيدت المحاكمة من جديد. الي هذه الدرجة تكون القدسية التي يجب ان يتمتع بها القضاة لكي تأتي احكامهم عادلة ونابعة من ضمير لارقيب او سلطان عليه. فلاشك ان القضاء يمثل بالفعل سلطة يجب ان تكون هي الاعلي والاولي بين كل السلطات، لان الحكم في النهاية يكون لها وحدها. وسبق لي ان كتبت عن اجور القضاة في الدول المتقدمة والتي تصل الي حد تسليم شيكات بيضاء يقوم القضاة بكتابة الاجور التي يريدونها والتي يرون انها مناسبة لكي تحقق لهم العيش الكريم والآمن. وتمتد حماية الدول المتقدمة للقضاة الي توفير أرقي الخدمات الطبية لهم ولأسرهم وتخصيص مساكن ووحدات امنية خاصة لحمايتهم طوال عملهم بالقضاء وحتي بعد احالتهم للتقاعد..
في الدول المتقدمة يكون للقضاة مكاتب خاصة بالمحاكم زرت كثيرا منها وهالني ان بعضها كان افخم بكثير من مكتب الرئيس اوباما الذي دخلته مرتين. في الدول المتقدمة كلمة القضاء تضم قاموسا خاصا للمكانة والمهابة والاحترام والتقدير الذي لايدانيه احد غيرهم.. اما في مصرنا الحبيبة فكان الله تعالي وحده عونا للقضاة في كل الاجهزة القضائية، الذين يعانون ظروفا صعبة وقاهرة سواء في ابنية المحاكم أو مكاتبهم او اجورهم وحوافزهم او الظروف الصعبة التي يعملون فيها أو تلال القضايا التي تحال اليهم وتمارس كل الضغوط عليهم من أجل الانتهاء منها. في مصرنا الحبيبة ظهرت نغمة جديدة نخطئ جميعا لو تهاونا في التعامل معها والضرب بيد من حديد علي كل من تسول له نفسه الترويج لها. اقصد بذلك محاولات التشكيك في احكام القضاء والنيل من مكانة قضاة مصر الاجلاء الذين يمثلون بعدالتهم آخر حصن لم يتهاو ومازال صامدا امام جحافل الفوضي الهدامة التي تسعي لضرب ثورة شبابنا وشعبنا. في مصرنا الحبيبة اصبح الحديث عن القضاة والاحكام والقضايا المنظورة أمام المحاكم نوعا من الاحاديث الدارجة، التي يتحدث فيها كل من هب ودب دون ادراك لمدي خطورة ذلك في زعزعة ثقة الناس، ووجود مناخ مسموم يملؤه الريبة وسوء الظن. نخطئ كثيرا لو اعتقدنا ان الدفاع عن قضاء مصر ورجالاته الشرفاء هو مهمة القضاة فقط. لان الحقيقة تؤكد ان هذه الحرب الشرسة التي تحاول النيل من حصن العدالة تستهدف كل ابناء مصر وخاصة في تلك المرحلة الحرجة والدقيقة التي نجتازها والتي قد تتوقف عليها صورة مصر في المستقبل. فحصن العدالة هو آخر الحصون التي ظلت صامدة امام تلك الحرب الشرسة للقضاء علي كل مؤسسات الدولة تحت دعاوي باطلة تتعلق باسقاط بقايا النظام السابق. واعتقد ان أحد اخطر معالم هذه الحرب الشرسة هو محاولة خلط وربط القضاء بالسياسة تأثرا وتأثيرا لانها تضرب في الصميم حياد القضاء ونزاهته. فمبدأ وحقيقة ان العدالة عمياء لاتفرق بين احد يتعرض الان لمحاولات شرسة تبدأ بالتشكيك في نزاهة رجاله من خلال الحديث المبتور عن تأخر الاحكام وحشد الرأي العام في اتجاهات محددة تمثل في حقيقتها ضغوطا غير مقبولة ومؤثمة، لانها تحاول النيل من حقيقة الحياد ورقابة الضمير الذي يمثل في حد ذاته اقسي واعنف انواع الرقابة الانسانية التي يمارسها القضاة علي انفسهم. احزنني كثيرا تلك الحملة الشرسة التي يتعرض لها النائب العام المستشار الجليل د. عبدالمجيد محمود الذي يؤكد كل يوم مدي وطنيته وانتمائه الاصيل لجيل من الرواد الذين يؤرخون لتاريخ العدالة في مصر، بما قدموه لها من عطاء وجهد وتجرد ونزاهة لايستطيع حتي الجاحد ان يشكك فيها. فخلال العام الماضي استطاع الرجل مع مجموعة منتقاة من رجالات القضاء في جهاز الكسب غير المشروع وغيره من الأجهزة القضائية ان يقدم للعدالة مئات القضايا التي تتعلق بالفساد بعد استكمال كل اركانها، رغم كل الظروف الصعبة والقاسية التي يعملون فيها وورود عشرات الآلاف من البلاغات التي لم يهمل بلاغ منها. لقد تم اختيار المستشار الجليل عبدالمجيد محمود نائبا عاما من خلال السلطات القضائية التي لاتعرف اختياراتها الهوي او الانحياز، وسط معايير كثيرة تمثل الكفاءة والنزاهة احد اركانها الاساسية.. واعرف عن يقين ان النائب العام قد قام بالتحقيق في مجموعة كبيرة من البلاغات التي تناولت العديد من قضايا الفساد قبل سقوط النظام السابق دون ان يساوره اي خوف او وجل من اي ضغوط وكان كل المسئولين يعرفون نزاهته وصرامته الشديدة ورفضه الكامل لمجرد حتي اي ايحاءات او اقتراب من خط احمر هو صميم عمله كله. إن محاولات الهجوم الرخيص التي يتعرض لها الرجل تأتي ضمن حملة منظمة تستهدف كل قضاة مصر الشرفاء، والذين تمثل هيبتهم احد اهم الضمانات للمتقاضين، وفي اطار حملات مسمومة بدأت من خلال التعرض لاحكام القضاء عبر الفضائيات ووسائل الاعلام. وللأسف الشديد انساق بعض نواب مجلس الشعب ليرددوا عبارات تمثل خللا جسيما في مبدأ الفصل بين السلطات وتمثل تدخلا غير مقبول في عمل القضاة من خلال الحديث عن بطء العدالة أو المحاكمات الهزلية. وهي اوصاف مخلة وغير مقبولة.. وهنا أتذكر مواقف المستشار الجليل احمد الزند رئيس نادي القضاة والذي نشارك قضاة مصر الفخر بمواقفه الوطنية ودفاعه عن زملائه من قضاة مصر والذي كانت كلماته رصاصات ضمير أراد بها إيقاظ الغافلين الذين يلوكون بألسنتهم التشكيك في آخر حصون دولة يمزقها اليوم حديث بعض الجهلاء.