يُحْكي أنَّ حمارا دخل مزرعة، وبدأ يأكل من زرعها الذي تعب صاحبها في زرعه.. تساءل صاحب المزرعة: كيف أُخرج الحمار؟؟، وشغله الأمر، وأسرع إلي بيته، وهمس إلي نفسه بأن القضية لا تحتمل التأخير، وقام بإحضار عصا طويلة ومطرقة ومسامير وقطعة كبيرة من الكرتون المقوي، وكتب عليها "ياحمار أخرج من مزرعتي"، وثبت الكرتون بالعصا الطويلة، وذهب إلي حيث الحمار يرعي في المزرعة، ووقف رافعًا اللوحة منذ الصباح الباكر، حتي غروب الشمس، ولكن الحمار لم يخرج. احتار صاحب المزرعة .." ربما لم يفهم الحمار ما كتبتُ علي اللوحة"، رجع إلي البيت، وفي الصباح التالي، صنع عددًا كبيرًا من اللوحات، ونادي أولاده وجيرانه، واستنفر أهل القرية، واصطفوا في طوابير، يحملون لوحات كثيرة مكتوبا عليها: "أخرج يا حمار من المزرعة، الموت للحمير، يا ويلك يا حمار من راعي الدار"، وتحلقوا حول الحقل الذي فيه الحمار، وبدأوا يهتفون: "اخرج يا حمار.. اخرج "، والحمار يأكل ولا يهتم بما يحدث حوله.. غربت شمس اليوم الثاني، وقد تعب الناس من الصراخ والهتاف وبحت أصواتهم.. ولما رأوا الحمار غير مبالٍ بهم، رجعوا إلي بيوتهم يفكرون في طريقة أخري. وفي صباح اليوم الثالث، جلس الرجل يبحث عن خطة جديدة لإخراج الحمار، فالزرع أوشك علي النهاية، وخرج بنموذج مجسم لحمار يشبه إلي حد بعيد الحمار الأصلي، وذهب إلي حيث الحمار يأكل، وأمام نظر الحمار، وحشود القرية، سكب البنزين علي النموذج وأحرقه، فكبّر الحشد، ونظر الحمار إلي حيث النار، ثم رجع يأكل بلا مبالاة.. يا له من حمار عنيد لا يفهم، وقالوا :أرسلوا وفدًا ليتفاوض معه.. وقال له الوفد: "صاحب المزرعة يريدك أن تخرج، وهو صاحب الحق، وعليك أن تخرج"، والحمار ينظر إليهم ثم يعود للأكل، لا يكترث بهم.. وبعد عدة محاولات، أرسل الرجل وسيطاً آخر، قال للحمار: "صاحب المزرعة مستعد للتنازل لك عن بعض من مساحته"، وظل الحمار يأكل ولا يرد، قال الرجل: "يتنازل عن الثلث"، والحمار لا يرد، قال الرجل: "يتنازل عن النصف"، والحمار لا يرد، قال الرجل: " حدد المساحة التي تريدها، ولا تتجاوزها".. رفع الحمار رأسه، وقد شبع من الأكل، ومشي قليلاً إلي طرف الحقل، وهو ينظر إلي الجمع! فرح الناس، لقد وافق الحمار أخيرا، أسرع صاحب المزرعة، وقسمها نصفين، وترك للحمار النصف الذي وقف فيه.. وفي صباح اليوم التالي، كانت المفاجأة، لقد ترك الحمار نصيبه، ودخل في نصيب صاحب المزرعة، وأخذ يأكل!!، عاد صاحب المزرعة مرة أخري إلي اللوحات والمناشدات، ويبدو أنه لا فائدة مع هذا الحمار، وبدأ الرجل يفكر في ترك المزرعة بكاملها للحمار، والذهاب إلي قرية أخري لتأسيس مزرعة جديدة، وأمام دهشة جميع الحاضرين، وفي مشهد من الحشد العظيم، الذي حضر ليشارك في المحاولات اليائسة لإخراج الحمار العنيد المتكبر المتسلط المؤذي.. وجاء غلام صغير، خرج من بين الصفوف، وتقدم نحو الحمار، وضربه بعصا صغيرة علي قفاه، فإذا به يركض خارج المزرعة. " يا الله" صاح الجميع.. وقالوا: لقد أصاب صغيرنا.. وأضافوا في صرخة واحدة: "هكذا يتفرعن الفرعون!".. ومثل الحمار، كمثل فلول النظام السابق.. أليس كذلك؟!