تجدد الاحتجاجات ضد نتنياهو في تل أبيب وأماكن أخرى.. وأهالي الأسرى يطالبونه بصفقة مع حماس    ياسر عبدالعزيز: الخوف هو السبب الرئيسي في إخفاق الإعلام الغربي مؤخرا    أول رد من نتنياهو على فيديو الجندي الإسرائيلي المُتمرد (فيديو)    أسر وقتل جنود إسرائيليين في كمين مركب بغزة وأبو عبيدة لعائلات الأسرى: ترقبوا ما سننشره    «المصريين الأحرار»: قرارات العدل الدولية خطوة في طريق طويل لتحقيق العدالة    هكذا احتفل إمام عاشور بدوري أبطال أفريقيا.. صور    مبابي يودع باريس سان جيرمان بحصد لقب كأس فرنسا 2024    أول تعليق من مدرب الترجي على خسارة نهائي إفريقيا    نتائج صفوف النقل عبر الموقع الإلكتروني ب«تعليم الجيزة» اليوم    4 ظواهر جوية تضرب البلاد خلال الأسبوع الجاري.. تحذير من الرياح المثيرة للأتربة    «كتاب ونقاد السينما» تكرم فيلم «رفعت عيني للسما» الفائز بمهرجان «كان» الاثنين    مصر في 24 ساعة| السيسي يُصارح المصريين بأزمة انقطاع الكهرباء.. والأهلي يتوج بالأميرة السمراء    الملا: نتحمل فرق تكلفة 70 مليار جنيه لإمداد وزارة الكهرباء بالغاز فقط    قطع المياه اليوم لمدة 6 ساعات عن بعض المناطق بالأقصر.. تعرف عليها    "نيوزويك": بوتين يدرس التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع أوكرانيا    وزير المالية: سبب أزمة الكهرباء عندنا دولار ومعندناش جنيه.. ولميس الحديدي «جديدة دي»    61 ألف جنيه شهريًا.. فرص عمل ل5 آلاف عامل بإحدى الدول الأوروبية (قدم الآن)    رئيس "زراعة الشيوخ": المشروعات التنموية في قطاع الزراعة تحقق الأمن الغذائي    مروان عطية: هدف رامي ربيعة «ريحنا».. وتفاجأت بنزول ديانج    رابطة النقاد الرياضيين تشيد بالتنظيم الجيد في نهائي دوري أبطال إفريقيا    «قول حاحا أنا متكيف بصراحة».. هتافات الأهلاوية بعد هزيمة الترجي التونسي    بيرسي تاو يُهادي جماهير الأهلي بعد التتويج بدوري أبطال أفريقيا (فيديو)    هل خطة قطع الكهرباء مؤقتة أم دائمة؟.. وزير المالية يُجيب    اليوم.. افتتاح دورة تدريبية لأعضاء لجان الفتوى بالأقصر وقنا وأسوان    صوّر ضحاياه عرايا.. أسرار "غرفة الموت" في شقة سفاح التجمع    وزير البترول: محطات توليد الكهرباء تستهلك 60% من غاز مصر    زاهي حواس: بناء الأهرامات كان المشروع القومي للمصريين القدماء.. واستغرق 28 عاما    فجر السعيد تنتقد شيماء سيف بعد التكميم: دمها صار ثقيل"    "ساكتين ليه".. الرئيس يوجه رسالة غضب ل 3 وزراء (فيديو)    آلام التهاب بطانة الرحم.. هل تتداخل مع ألام الدورة الشهرية؟    أعراض الربو المبكرة عند الأطفال    مكملات غذائية تضر بصحتك أكثر من نفعها    بعد تصدره تريند جوجل.. أعمال ألفها هشام ماجد    فرحة لاعبى الأهلى بعد الفوز على الترجى والتتويج ببطولة أفريقيا    بوركينا فاسو تمدد فترة المجلس العسكري الانتقالي خمس سنوات    مستشار وزير الزراعة: الرئيس السيسى افتتح 8 أنشطة كبيرة كل نشاط بمثابة بطولة    رئيس جامعة طنطا يشارك في اجتماع المجلس الأعلى للجامعات    شكرًا للرئيس.. الإعلام حقلة "وصل" بين التنمية والمصريين    الأزهر للفتوى يوضح العبادات التي يستحب الإكثار منها في الأشهر الحرم    الأزهر للفتوى يوضح حُكم الأضحية وحِكمة تشريعها    محمود بسيوني: الرئيس يتعامل مع المواطن المصري بأنه شريك فى إدارة البلاد    رئيس «إسكان النواب»: حادث معدية أبوغالب نتيجة «إهمال جسيم» وتحتاج عقاب صارم    مصدر مطلع: عرض صفقة التبادل الجديد المقدم من رئيس الموساد يتضمن حلولا ممكنة    خلال زيارته لجنوب سيناء.. وفد «صحة النواب» يتفقد أول مستشفى خضراء صديقة للبيئة.. ويوصي بزيادة سيارات الإسعاف في وحدة طب أسرة وادى مندر    «الري»: إفريقيا تعاني من مخاطر المناخ وضعف البنية التحتية في قطاع المياه    لعنة المساخيط.. مصرع شخصين خلال التنقيب عن الآثار بقنا    نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2024 .. (الآن) على بوابة التعليم الأساسي    موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات.. ومواعيد الإجازات الرسمية المتبقية للعام 2024    المدن الجامعية بجامعة أسيوط تقدم الدعم النفسي للطلاب خلال الامتحانات    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي العلمي للمقالات العلمية    ضبط تشكيل عصابي تخصص في الاتجار بالمواد المخدرة فى المنوفية    جارديان: واشنطن ولندن تدعمان تل أبيب ضد العدل الدولية بعد تراجعهما حول رفح    توقيع برتوكول تعاون مشترك بين جامعتي طنطا ومدينة السادات    وزير الأوقاف: تكثيف الأنشطة الدعوية والتعامل بحسم مع مخالفة تعليمات خطبة الجمعة    علاج 1854 مواطنًا بالمجان ضمن قافلة طبية بالشرقية    مفاجآت جديدة في قضية «سفاح التجمع الخامس»: جثث الضحايا ال3 «مخنوقات» وآثار تعذيب    ضبط 14 طن قطن مجهول المصدر في محلجين بدون ترخيص بالقليوبية    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا نعامل الحمار بكل هذه العنصرية؟
نشر في اليوم السابع يوم 11 - 06 - 2010

كان الأستاذ بشير الصيفى يملك كاريزما خاصة جعلتنا نتعلق به نحن طلبة الصف الخامس الابتدائى بمدرسة "الوحدة" بكفر سعد البلد بدمياط، كما كان – متعه الله بالصحة والعافية وحياة هانئة بعد أن طلع مؤخراً على المعاش – يملك موهبة لافتة فى نحت عبارات مبتكرة من الشتائم وجمل جديدة فى اللوم والتقريع يوجهها لنا نحن الصغار باعتبارنا آخر العنقود فى الأمة المصرية التى لم يكن يطيق بلادتها وتخلفها وخنوعها، ومنها على سبيل المثال "ياأمة ضحكت من جهلها الأمم" وإن كنا قد عرفنا فيما بعد أنها مأخوذة عن المتنبى، لكن العبارة التى تحمل بصمته الخاصة كانت بلا شك "أنتم ياولاد ما شاء الله قدامكم 20 سنة على الأقل وتبقوا حمير".
ولم يكن يغيب عنا المعنى البليغ العميق هنا، فإذا كان الآخرون يشتمون الآخرين ب "حمار" فإننا فى منزلة أدنى من ذلك، وأمامنا سنوات طويلة حتى نرتقى إلى مرتبة الحمار!
ورغم إعجابى الشخصى بمواطن البلاغة فى تلك الشتيمة، إلا أننى لم أفهم أبداً كيف يصبح منتهى الإهانة أن تصف شخصاً بأنه "حمار" أى لا تقول أنه سيىء أو غبى أو متخلف، أو ضيق الأفق، أو لص، بل أن تنعته باسم حيوان لم نر منه إلا كل خير، وكان يجب أن نكون نحن المصريين بالذات – أكثر تعاطفاً معه، لسبب بسيط، فحتى صفاته السلبية نشاركه فيها بقوة على المستوى القومى العام، يعنى بصراحة بلاش تيجى مننا إحنا!
وإن كنت ناسى أفكركّ
يتسم الحمار بعشق الروتين وكراهية الإبداع والخوف من التجديد لأن "اللى أعرفه أحسن م اللى معرفوش" – لاحظ أن الحمار حين يذهب به الفلاح عبر طريق طويل من البيت للحقل، ويكرر الحمار ذلك فيما بعد بمفرده، يظل يداوم على الطريق الطويل رغم أن الفلاح سلكه من قبل لظروف خاصة، ويتجنب أى طرق أخرى مهما كانت سهلة وواضحة ومختصرة! كما يكره الحمار الثورة ويتحمل إيذاء صاحبه إلى الأبد، ويفسر لذلك لابنه الجحش بأن خنوعه ليس إلا صبر، واستسلامه الأبدى لمصيره ليس إلى قضاء وقدر! نعم كل هذه عيوب موجودة فى الحمار ولا ينكرها هو نفسه، فالكمال لله، ومن منا يخلو من العيوب، لكن كان الأجدر بنا أن ننتبه إلى حقيقة بسيطة: هى أن نفس تلك العيوب أصبحت سمات عامة تميزنا كشعب وتخصنا كأمة!
لقد ارتكبنا العديد من الأخطاء والخطايا فى حق أمة الحمير، فهى شافت معنا الويل وسواد الليل منذ فجر التاريخ، فحضارة وادى النيل قامت على الزراعة ولم يكن يكفى النهر والبذور والأرض الخصبة، بل كان لابد من وسيلة نقل موثوقة ومضمونة، وتكفل هذا الحيوان الطيب الرقيق فى مشاعره بتلك "النقلة" الحضارية!
كان أسوأ ما احتفظت به ذاكرتى تحت بند "الإساءة للحمار" وأنا فى القرية مشهد لا يفارق خيالى حتى الآن، أطفال ومراهقون يعبرون الجسر سريعاً نحو الرجولة والشرعية الاجتماعية من خلال ضرب متوحش وحك بالعصى فى منطقة مقدمة ظهر الحمار بما ينتج عنه جرح صغير سرعان ما يتسع بمرور الأيام ويصبح ملاذاً آمناً للذباب الأزرق والأخضر الضخم، ويتألم هذ الكائن الأبكم دون أن يعرف كيف يبعد عن نفسه هذا الأذى! والحق أن هذا المشهد لم يكن سوى حالة فريدة ولا يمثل بأى حال من الأحوال ظاهرة عامة، فالحمار فى الريف المصرى يحظى باحترام – ولو لأسباب نفعية – والفطرة السليمة للفلاح تأبى إيذاءه أو سبه أو التهاون فى تغذيته أو تنظيفه!
لكن الموقف فى القاهرة مختلف!
رجال سمان، منتفخو الكروش، يظهرون فى الشوارع الجانبية للعاصمة وهم يسومون بالكرباج سوء العذاب بجحش صغير يجر عربة كارو كبيرة! رغم أن القاهرة تتميز عن عواصم أخرى فى الشرق الأوسط بوجود جمعية متخصصة هى "الجمعية المصرية للحمير"، لكن يبدو أن هذه الجمعية تعمل كديكور وما هى إلا نوع من البرستيج لزوم الريادة المصرية إياها!
لحسن الحظ أن الحضارة الفرعونية تملك حظاً وافراً من الكياسة والنبل والرقة، فوجدنا الحمار معززاً مكرماً على جداريات بعض المعابد الفرعونية، لكن الغريب أن التراث العربى دخل على الخط وساهم بما تيسر فى أوكازيون النيل من أمة الحمير، أحد الشعراء فى لحظة استظراف وتجلٍ بادر بالقول"
زياد لست أدرى من أبوه
ولكن الحمار أبو زياد.
والتقط قدامى المؤرخين والنقاد – منهم الدميرى – خيط "الهيافة" هذا واعتبروا أن كنية الحمار "أبوزياد" و"أبوصابر" وحتى لا تزعل المدام، قالوا أن الحمارة تكن هى الأخرى ب "أم نافع" و"أم جحش" و"أم وهب" ومن المعروف أن أنثى الحمار تسمى "أتان" وكلها مسميات لا تعرف لها أصلاً أو فصلاً!
رجل يدعى "الفضل" سُئل عن تفضيله لركوب الحمير، وكان الأمر بدعة، فقال: إنها من أقل الدواب مؤنة "طعاماً" وأكثرها معونة وأخفضها مهوى وأقربها مرتقى، وهذا مديح على أى حال، قد لا يكون كافياً، لكنه أفضل من لاشىء، ولكن للأسف أعرابى سمع هذا الكلام فاعترض قائلاً: الحمار شنار، والعير عار، لا ترفأ به الدماء، ولا تمهر به النساء وصوته أنكر الأصوات!
المدهش أن من يستخدم العنف مع الحمير مخالفاً الفطرة الإنسانية وهَدى الدين الحنيف يُكافئ بالمال بل ويتم تعيينه وزيراً، حدث ذلك قبل قرون مديدة، ولكن يبدو أن الدرس المستفاد انتقل إلى "المحروسة" فى الألفية الثالثة ليصبح أحد معايير الكفاءة وتقييم أداء المسئولين مع شعب تؤمن الحكومة إيماناً راسخاً بأنه شعب "تفرقه عصا وتلمه طبلة"! والحكاية كما وردت فى كتاب "نزهة الأبصار فى أخبار ملوك الأمصار" هى أن أحد الملوك كان يتفقد ذات يوم الرعية فى الأسواق، فشاهد غلاماً يضرب حماراً بعنف، فقال ياغلام: أرفق به، فقال الغلام بكل وقاحة وعلى طريقة "ده شعب يخاف ميختشيش": أيها الملك فى الرفق به مضرة عليه! قال: كيف؟ قال: يطول طريقه ويشتد جوعه، وبالعنف به إحسان إليه، يخف حمله ويطول أكله، فأعجب الملك بكلام الغلام واعتبره حكيماً وأمر له بألف درهم، وزاد قائلاً: لولا أنك حديث السن لاستوزرتك "أى لعينتك وزيراً" فأقنعه الغلام بمعسول القول حتى عينه الملك، غريب الأطوار!
والحمار على أية حال ينتمى إلى العائلة الخيلية، رتبة فردية الحوافر، شعبة الثدييات، وتحمل أنثاه فى 11 شهراً، وتظل ترضع وليدها لمدة عام، وهى بالمناسبة فى انسجام طوال العام وجاهزة للتناسل فى أى وقت، ويمكن للجحش الوليد تناول غذاء الكبار "عشب وحبوب" بعد شهر من الولادة، ويعرف كثيرون أن تزاوج ذكر الحمار مع أنثى الحصان ينتج عنه "البغل" وهو كائن هجين، عقيم، لا يلد، لكن مالا يعرفه البعض هو أن هناك كائناً آخر هو "البغل الوحشى" وينتج عن تزاوج ذكر الحمار مع أنثى الحمار الوحشى.
وبالله عليكم، ما الذى يستحق الإهانة أو السباب فى كل ذلك، ما الذى يدعونا إلى اتخاذ هذا الموقف العدائى العنصرى تجاه أخ لنا فى الكائنات الحية، ولماذا إذا شعرنا بالذنب تجاه الحمار كفَّرنا عن ذنبنا بأغنية سعد الصغير "بحبك ياحمار" التى يغنيها على إيقاع هز وسط دينا، إن أى "حمار" يشاهد هذا الكليب، سيقول بل أفضَّل ألا يعتذر لى أحد، أو يحاول أن ينصفنى ولو بأثر رجعى!
* كاتب صحفى بالأهرام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.