سيظل دائما موجود بين سطور كلماتي .. ولم لا!؟ وهو أول من علمني أبجدية الكتابة الصحفية، عندما كنت في السنة الرابعة في كلية الأعلام، كنا ندرس مادة »صناعة الكتاب« وكان يدرسها لنا الدكتور عبد العزيز شرف رحمة الله عليه، و هو كاتب وشاعر وعاشق في محراب المعرفة، وكنت تلميذة بليدة في الشعر تفضل الرواية، وعاشقة للكلمة الحلوة في بلاط صاحبة الجلالة ، تلك الكلمة البسيطة التي تغوص في أعماق المعاني لتأتي في النهاية بجوهر الوجود، وكنت أجد ضالتي عند حروف كتاباته وأفكاره، ويشاء القدر أن يكون تدريبي في المرحلة النهائية في مجلة آخر ساعة التي يرأس تحريرها، وعندما طلب منا الدكتور شرف بحثا عن شخصية أدبية معروفة أو صحفي كبير له العديد من الكتب والكتابات كيف وضعوا أفكارهم في كتبهم أو بمعني أدق كيف صنعوا الكتاب، لم أحتر ولم أذهب بعيدا، فكان هو موضوع بحث تخرجي في كلية الاعلام، ويومها لم يكن لدي مصادر بحث متوفرة وكان هو مصدري الوحيد في الحصول علي المعلومات، ويحكي لي وأكتب وأسأل بسذاجة حديثة السن ويجيب هو بخبرة السنين وثقافة مئات الكتب إلي يقرأها كل يوم، أن الحوار معه أشبه بالرحلات الفكرية الممتعة التي تنشط الذهن وتحفز العقل، كان يسألني دوما علي أحوال الشباب والزملاء في الكلية كان يحب أن يعرف كيف يفكرون وبما يحلمون!؟ وعندما كانت تواجهني أي مشكلة كنت أجد حلها دائما لديه، لم يبخل بعطائه السخي ولا بحنانه الأبوي علي يوما، لقد أهداني كل كتبه أيام اعداد بحث التخرج وكان عددهم عند ذاك ثلاثون كتابا ما بين المقالات والأقوال المأثورة والقصص القصيرة والترجمات العالمية وقبل وفاته بثلاث سنوات اتصل تليفونيا ليخبرني بأنه سوف يرسل لي مجموعة جديدة من مؤلفاته، وكانت مفاجأة كبري عندما جاءني سائقه الخاص يحمل لي اكبر هدية في حياتي مائة كتاب من آخر أعمال أستاذي ومعلمي أنيس منصور، ليؤكد مقولة »من أنجب لم يمت« وأقول »من ترك كتابا لم يمت أيضا«، رحمة الله علي أستاذ أجيال بأكملها عاشت كلماته بين وجدانهم وعشقوا القراءة بسبب آرائه.