بتكلفة 9.5 مليون جنيه.. افتتاح الجامع الشرقي بقرية العامرة بمنوف    لموظفي الحكومة ..إجازة خاصة بأجر كامل فى 5 حالات    ننشر تفاصيل نجاح "مشروع رأس المال الدائم" في مدارس التعليم الفني بمصر    تحرك برلماني لإجبار أصحاب المخابز على خفض أسعار الخبز السياحي    وزير المالية: مصر تتحرك لبناء نظام قوي للتأمين الصحي الشامل    باستثمارات 800 مليون دولار..اقتصادية قناة السويس تشارك بمؤتمر التعاون بين مصر والصين    5.7 تريليون جنيه حجم توظيفات الحكومة فى الأوراق المالية    وزير خارجية إسبانيا يؤيد انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة ويدافع عن الاعتراف بها    بلينكن: مجموعة السبع ستتبنى حزمة عقوبات أخرى ضد إيران    CNN : إسرائيل ستحتاج لدعم من الحلفاء للدخول بحرب شاملة    فتح ممر إنساني نهاية إبريل.. إعلام عبري: عملية رفح محسومة والسؤال عن توقيتها    قبل مواجهة مازيمبي.. الرباط الصليبي يهدد أحلام الأهلي في الصفقة المنتظرة    استمرار غياب رونالدو.. جدول مواعيد مباريات اليوم الجمعة والقنوات الناقلة    مصطفي يونس: إخفاء الكرات ليست سببا في هزيمة الأهلي من الزمالك    روديجر: رسالة بيريز سبب انتقالي لريال مدريد    شخص يعتدي على آخر بالضرب حتى الموت بالدقهلية    إدارة الخارجة التعليمية تنهي استعداداتها لامتحانات نهاية العام الدراسي    القبض على مسلح أثناء التنقيب عن الآثار داخل عقار في الوايلي    الحكومة تنفي عودة العمل بنظام "أون لاين" للموظفين يوم الأحد من كل أسبوع    ضبط عاطل وراء سرقة مبلغ مالي من إحدى الصيدليات بالقليوبية    نشر خدمات مرورية بمدينة نصر ومحور شنزو آبي لتوصيل الصرف الصحي    بني سويف.. حملة تفتيش لمتابعة توافر السلع والالتزام بتخفيض الأسعار بالمطاعم والمخابز    هتوحشنا ياخال.. أحمد السقا ينعي الفنان صلاح السعدني    إيرادات السينما أمس.. شقو في المقدمة وأسود ملون يتذيل القائمة    المسرح وأهدافه ضمن نقاشات قصور الثقافة بالأقصر    إبراهيم السمان: تحمست لدور محسن فى مسلسل حق عرب بسبب السيناريو    خطيب الأوقاف يؤكد: الصدق صفة المتقين وطريق الفائزين.. والأيمانات الكاذبة للباعة لترويج السلعة تمحق البركة.. فيديو    لماذا خلق الله الخلق؟.. خطيب المسجد الحرام: ليس ليتعزز بهم من ذلة    فضل الصلاة على النبي يوم الجمعة.. أفصل الصيغ لها    حياه كريمه.. قافلة طبية مجانية بقرية صنعاء بالوادي الجديد    الصحة: فحص 432 ألف طفل حديث الولادة ضمن الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    ليفركوزن يخطط لمواصلة سلسلته الاستثنائية    رئيس جامعة القاهرة: تخصص الصيدلة وعلم الأدوية تقدم ل 64 عالميًا بالتصنيفات الدولية    ضبط عاطلين بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بالإسكندرية    بولندا تعلن إقلاع مقاتلات لتأمين مجالها الجوى خلال هجوم روسى على أوكرانيا    وزير الإسكان: صندوق الإسكان الاجتماعي نفذ أكثر من 900 حملة ضمن منظومة الضبطية القضائية    "الانتداب البريطاني انتهى".. رسائل نارية من محمود عاشور لبيريرا    بمشاركة وزير الشباب.. الجامعة البريطانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يطلقان أكبر ماراثون رياضي    توريد 799 طن قمح لصوامع وشون القليوبية وحصاد 15 ألف فدان    أعراض التهاب الجيوب الأنفية على العيون.. تعرف عليها    مصر تجدد قلقها تجاه التصعيد الإيراني الإسرائيلى وتحذر من عواقبه    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    "الزمالك مش أول مرة يكسب الأهلي".. إبراهيم سعيد يهاجم عمرو الجنايني    مخرج «العتاولة» عن مصطفي أبوسريع :«كوميديان مهم والناس بتغني المال الحلال من أول رمضان»    طلب إحاطة لوزير الصحة بشأن استمرار نقص أدوية الأمراض المزمنة ولبن الأطفال    وزير المالية يعرض بيان الموازنة العامة الجديدة لعام 2024 /2025 أمام «النواب» الإثنين المقبل    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 19 أبريل 2024.. «الدلو» يشعر بصحة جيدة وخسائر مادية تنتظر «السرطان»    «التوعوية بأهمية تقنيات الذكاء الاصطناعي لذوي الهمم».. أبرز توصيات مؤتمر "تربية قناة السويس"    حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة    خريطة إعلامية تعزز المهنية والمصداقية    «العشرية الإصلاحية» وثوابت الدولة المصرية    أخبار الأهلي : موقف مفاجئ من كولر مع موديست قبل مباراة الأهلي ومازيمبي    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    السفير نبيل فهمي: مصر ركيزة أساسية لأمريكا وأوروبا في ظل اشتعال الصراع بالمنطقة    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    نبيل فهمي يكشف كيف تتعامل مصر مع دول الجوار    فيتو أمريكي يُفسد قرارًا بمنح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيدة المسرح العربي‏:‏ أصبحت سميحة أيوب لأن المسرح كان منبرا للكلام الكبير‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 10 - 2011


حوار‏:‏ سهير حلمي
نذرت نفسها للمسرح لمدة نصف قرن‏..‏ تمتلك نبرة صوت آسرة ووجها مفرطا في تعبيراته وقسماته‏.. أداء تمثيلي يصل إلي مشارف العالمية بإنسانية مفرطة.. وهج من الصدق وهالة من الانفعال وتسامي بلغة الجسد وإيماءاتها تصل إلي حد الذروة رب إشارة أبلغ من العبارة شهرة وتقدير قلما يجتمعان, فالشهرة بضوضائها قد لا تتواكب مع التقدير القائم علي الوزن الفني وثقله ولكنها جمعت بين الحسنيين.. إنها سميحة أيوب سيدة المسرح العربي..العاشقة دوما لاجوائه وعبقه احبت رائحة خشبة المسرح, اخلت السبيل دوما أمام فنها حتي أصبحت حياتها الخاصة وكأنها دراما كامنة مثلتها علي مسرح الحياة.. أبرع من يرتدي ثياب الشخصيات الفنية ويكشف عن أغوارها السحيقة وتحول الأفكار الفلسفية إلي دراما من لحم ودم وتنفث فيها من سحرها في تنوع وزخم, فمن سوسو سكة السلامة إلي بريسكا أهل الكهف إلي اليكترا سارتر إلي رابعة العدوية.. صاحبة الموقف السياسي التي قفلت مسرحها في وجه اسحاق نافون ورفضت وراثة مهرجان القاهرة السينمائي بعد وفاة زوجها سعد الدين وهبة. تؤمن بأن الفنان يشتغل بالسياسة حين يعالج مشكلات مجتمعه في فنه.. فالفنان ليس مصلحا سياسيا ولكنه صانع المصلح في بعض الأحيان وعلي هدي فنه يتكشف الكثير مما يخفي في مسرحها السياسي. في لحظة تنوير نادرة جسدت دور الغانية في مسرحية السلطان الحائر لتوفيق الحكيم, وكشفت عن أن منطق القوة الغاشمة إلي زوال.. فلكي يعود سلطانا عليه أن يباع لأنه عبدا وتتولي الغانية هذه المهمة وتعتقه عند الفجر ومع ضوء الفجر تتأكد حقيقتها, وأنها اتهمت ظلما في شرفها وتعتق السلطان مثلما كان يفعل شهريار مع شهرزاد ولا تحاول الاحتفاظ به وتعلو علي الموقف الخاص وتتجاوزه للصالح العام ليظل القانون مهابا ومظلة يحتمي بها الجميع جسدت شهريار وشهرزاد هذه هي التركيبة النفسية المتميزة لهذه الفنانة الكبيرة ست بمائة رجل مديرة المسرح القومي سابقا التي اعتادت أن تسقط الحائط الرابع لتصل للناس بفنها الصادق وللفنانين بكل السبل, مؤكدة أن الإدارة موهبة لا تتأتي للجميع لكنها لم تستعص علي من اعتادت أن تأكل المسرح بأدائها قبل أن يأكلها كما تنصح الفنانين المبتدئين.
بدأت التمثيل في فترة زمنية تزخر بالقمم والقيم الاجتماعية الرفيعة ومعظم الفنانات احترفن العمل ضد إرادة الأهل فما الذي يجعل الفنانة تتشبث بموهبتها وتسبح من أجلها ضد التيار ؟
الأمر يتوقف علي مدي حبها للفن ووفرة الموهبة الفطرية وطاقتها علي التحدي والمثابرة إيمانا بجدوي هذا الفن وسموه وكنت أشعر بكل ذلك وأنا في فترة الصبا.. لكنني بالطبع كنت عاجزة آنذاك عن تحليل الذات.. فأنا نشأت في أسرة مصرية محافظة تنتهج في تربية بناتها الثلاث أسلوبا تقليديا من الشدة والحزم.. الوالد كان مديرا عاما في وزارة المالية وناظرا وقف عائلة أيوب وهو دائم الإنشغال لذلك كانت الوالدة يقع علي عاتقها مهام مضاعفة.. وكانت تخشي علينا حتي من صداقة البنات وتقول: لا يفسد البنت إلا البنت.. وبحكم تكويني كنت مدمنة للقراءة منذ الصغر وأتمني أن أصبح راقصة باليه وفي يوم تناهي إلي سمعي من خلال الراديو أن معهد الفنون المسرحية يطلب فتيات للالتحاق به وستحصل كل فتاة علي مكافأة شهرية تبلغ ستة جنيهات ولم تتوافر شروط السن بالنسبة لي حيث كان الحد الأدني ستة عشر عاما وكنت لاأزال في الرابعة عشرة ولكن مظهري يبدو أكبر بقليل ورفض زكي طليمات أحد أعضاء اللجنة في البداية ولكن جورج أبيض ود. محمد صلاح الدين( الذي أصبح وزيرا للخارجية في حكومة الوفد) أقنعاه بقبولي.. كان الأساتذة في المعهد علي قدر كبير من التمييز والاقتدار د. زكي مبارك كان يدرس لنا الموازنة بين الشعراء ودريني خشبة الميثولوجيا( الأساطير) بالإضافة إلي مادة الرقص التوقيعي.. وكان الموسيقي العظيم حسن الشجاعي في إحدي حصص الصولفيج قرر أن يمنحني دورا غنائيا في مسرحية العشرة الطيبة التي كتبها سيد درويش أرسلني إلي مايسترو روسي لكي يعلمني كيفية إجادة جميع طبقات السلم الموسيقي إلا أن الموسيقار محمد عبد الوهاب لم يوافق ليس اعتراضا علي الصوت ولكن لصغر سني وأعترض قائلا: أنها مفعوصة ماذا سيحب فيها البطل ؟.. كانت الدفعة تضم طلابا من مختلف الأعمار وكان معي في الفصل.. فاتن حمامة ومدبولي وناهد سمير وعبد المنعم إبراهيم وعدلي كاسب وعلي الزرقاني وكانت نعيمة وصفي وحمدي غيث في السنة النهائية.. وذهبت لكي أعيش مع خالي وهو فنان وكان يحبني حبا جما.. وكان حريصا علي علي استقدام مدرسين للغة العربية أبرزهم الأستاذ أبو المجد وكان ضليعا للغاية في اللغة العربية وهو الذي علم الرئيس السادات الخطابة كما علمت فيما بعد.. كان زكي طليمات متشددا يحاول أن يكسر بداخلنا الغرور لأنه عدو الفنان الأول.. واشتركت مع زملائي في تمثيل البخيل لموليير علي مسرح الأوبرا وكتب عن المسرحية د. زكي مبارك مقالا وقال عني: هذه الفتاة لها حضور مسرحي طاغ.. وبسذاجة المراهقة والصبا قلت لزكي طليمات ولكنني أحضر إلي المعهد وأمثل أيضا فضحك طليمات وقال: يا سميحة الحضور المسرحي يختلف عن الحضور الفعلي في تلك الآونة كان المطرب كارم محمود فتي أحلام كل فتاة وشاء القدر أن أتزوج محسن سرحان وأنا في السنة الثانية بالمعهد وقمت بالاشتراك في فيلم شاطئ الغرام بطولة ليلي مراد ولم يدم الزواج لأسباب عديدة وأنجبت أبني محمود رحمه الله وبعد الطلاق عدت إلي المعهد مرة ثانية وتخرجت عام1954 ولكن في عام1955 صدرت قرارات لجنة التطهير التابعة لثورة يوليو وكتبت العرائض التي تزعم جمع توقيعاتها عبد الغني قمر وتم إرسالها لمجلس قيادة الثورة لاستبعاد العملاق زكي طليمات من المسرح وكان يعلن أنها فرصة لنيل هذا المنصب ومكثنا سنين نتهكم علي هذه المقولة ديه فرصتي وازداد الأمر سوءا حين علمنا أنه سيتم ضم الفرقة القومية إلي المسرح الحديث وسيتولي إدارتها الديكتاتور يوسف وهبي!! فتزعمت حملة عدائية لعرقلة تنفيذ هذا المخطط وتولت الزميلة نعيمة وصفي عرض مطالبنا علي يحيي حقي الذي كان مديرا لمصلحة الفنون وبدأ النقاش لكنه احتدم وتحدث مع نعيمة بسخرية, هنا علا صوتي اعتراضا علي ذلك وصعق يحيي حقي من رد فعلنا وحاول تهدئتنا وتدريجيا أستوعبنا يوسف وهبي بموهبته الإنسانية الرفيعة وتناسينا الأمر.
تزوجت من الفنان الكبير محمود مرسي وكان أشهر عازب في الوسط الفني فكيف تغيرت قناعاته.. وهل كانت شخصية عيسي الدباغ في السمان والخريف أقرب إلي طبيعة شخصيته ؟
تبتسم بثقة وهدوء وتسترسل قائلة: محمود مرسي نموذج لن يتكرر فنيا وأخلاقيا وثقافيا وفعلا شخصية عيسي الدباغ قريبة إلي حد كبير من شخصيته.. كان رحمه الله زاهدا وعازفا عن ضجيج المجتمع وطبوله الجوفاء فهل تتخيلين أنه عندما حصل علي جائزة الدولة التقديرية تحادثنا تليفونيا وكنا منفصلين وأعرب لي عن نيته في عدم حضور الحفل قائلا: ماذا فعلت لكي أستحق هذه الجائزة ؟.. وأذكر أن أحد الصحفيين توجه إليه لإجراء حديث فقال له: لماذا أنا.. أنا لم أفعل شيئا فلتذهب لمقابلة الفلاحين في المزارع أو العمال الذين يشيدون ويبنون الوطن في جميع المجالات وكأنه بفنه الرفيع لم يكن مشاركا في بناء وطنه.. محمود مرسي خليط من عزة النفس والكبرياء والتواضع الشديد أمام العلم والمعرفة.. كانت ثقافته رفيعة, تعارفنا من خلال عمله كمخرج في البرنامج الثاني بالإذاعة وأضمرنا إعجابنا لمدة عام ونصف العام وكنا نتحدث تليفونيا وعلمت أنه يسأل عني بعض الأصدقاء عن ظروفي الاجتماعية وحياتي الخاصة وفي إحدي المرات فاتحني قائلا: تعرفني أن الست أم كلثوم ست رائعة بحق وكلمة( ست) كانت آسرة لديه فقلت له: لماذا ؟ قال لأنها تقول: ولما أشوف حد يحبك يحلي لي أجيب سيرتك وياه وتدريجيا بدأت أتمني أن يجمعنا لقاء منفرد وتقابلنا بالمصادفة في زيارة لأحد الزملاء ألم به مرض وكان يسكن في حلوان وعند مغادرتي طلب مني أن يركب معي السيارة لكي أوصله لميدان التحرير ثم يركب تاكسي فقلت في نفسي أنا أوصلك أنت والعائلة بأكملها واستمر الحديث بيننا طوال المسافة وقبل نزوله رمي هذه القنبلة: أريد أن أخبرك أنني لا أتزوج ؟ وبسرعة الصاروخ أجبت: ومن قال لك أن هناك من يريد الزواج ؟ وفي اليوم التالي أتصل بي وأعتذر عما بدر منه وصارحني أنه معجب بي واعترفت له أيضا باعجابي فقال هذا أمر غير مألوف فالمصريات لا يعترفن أو يصارحن بحبهن وتزوجنا وأنجبنا( علاء) كنت دائمة الانشغال والأعمال تتوالي وسكنت بجوار والدتي في الزمالك وكان لها دور بارز في رعاية أبنائي وكانت تحب محمود مرسي والعلاقة بينهما قائمة علي الصداقة وحين كنت أعود في نهاية النهار يداعبني محمود قائلا: الرجل بتاعنا وصل!! لأنه كان مدققا للغاية في أعماله بعد إخراجه لسهرةتليفزيونية ناجحة باسم الحب الكبير لم يوفق لنص يرضيه فنيا كانت حياتنا منسجمة عاطفيا.. لكنها لم تكن متوازنة فنيا وبسبب نجاحي وإخلاصي في عملي بدأت تظهر غيرة الزميلات وانتهت العلاقة بالطلاق وظللنا أصدقاء حتي آخر يوم في حياته.
قمت بأداء دور إليكترا في مسرحية سارتر الذباب أو الندم كما عرضت في مصر والمومس الفاضلة فلماذا كان اختيار نصوص سارتر الفلسفية العسيرة وكيف كان رد فعله وهو يشاهد نص هو كاتبه ؟
القصة بدأت حين شاهدني كلود أستيه رئيس تحرير جريدة الاوبرفاتير الفرنسية وأعجب جدا بدوري في مسرحية الندم, وقال إنني أقوم بالدور أفضل من الممثلة الفرنسية وأخبرني أنه سيتصل بسارتر ويدعوه لزيارة مصر ومشاهدة العرض.. لكنه علم أن سارتر في الاتحاد السوفيتي وأنه سيأتي إلي مصر بدعوة من الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام ولكن كلود أستيه أردف قائلا: أن العرض حاز قبوله شخصيا وأعجب بأدائي لكن سارتر صريحا أحيانا إلي حد الوقاحة وقد لا يعجبه العرض, فقلت في نفسي أنا يهمني جمهوري المصري بالمقام الأول وكانت المسرحية( الندم) التي أخرجها سعد أردش مجهدة بالفعل علي مستوي الأداء الحركي حيث كنت أقوم برقصة توقيعية يوميا والحوار مكثف محمل بأفكار فلسفية والجملة طويلة جدا مسرحيا, وأذكر أن حمدي غيث كان يتحداني في البداية ونحن نتدرب علي المسرحية أن أنطلق الجملة التالية في نفس واحد دون انقطاع وكانت تقول: اشتبك في مقدوره كما تشتبك سنابك الجياد في أمعائها فأصبح لا يستطيع القيام بحركة مهما كانت دون أن يستل حشاه وكان هذا شأن سارتر يرسم لوحات مقتدرة في اعماله من زوايا جديدة كاشفة وتعاظم خبر مشاهدته للمسرحية نظرا لمكانته العالمية فسارتر كان طاغيا علي المشاهد الفكري في العالم أجمع ويمثل الأمل للمقهورين وقد حصل علي جائزة نوبل عام1964 ورفض تسلمها.. وعند قدومه إلي مصر كانت الرواية قد انتهت من المسرح وأعدنا تمثيلها مرة أخري في تلك الليلة كان توفيق الحكيم يحثني علي البقاء بعد العرض لأنني عروس هذا الحفل وقررت أن أمثل أمام سارتر ماتينيه ثم أذهب للمسرحية الأخري سواريه حتي لا أفكر في كلماته السخيفة إذا تفوه بها وكانت ليلة موعودة بحق ازعم أن أحدا لن يشاهد مثلها فمن وراء الستار اختلست نظرة سريعة وإذا بالمسرح يعج بصفوة المجتمع حتي أبوابه من مثقفين ومفكرين وصحفيين وبمجرد أن انفرج الستار حتي تلاحقت الفلاشات في عيني من جميع مصوري الصحف العالمية بكثافة غير عادية وشعرت بدقات قلبي, فأي نقد سيظل عالقا تاريخيا من شخصية عالمية ولكن بمجرد أن نطقت بالجملة الأولي وأصبحت إليكترا وانسجمت في دوري.
لم أشعر بمن حولي كالمعتاد إلا بعد انتهاء العرض وصعد سارتر إلي المسرح ومعه سيمون دي بوفوار وحياني بحرارة قائلا: أخيرا وجدت إليكترا كما تخيلتها.. وكانت الفرحة تعلو الوجوه في حضور الأستاذ هيكل وتوفيق الحكيم الذي كاد يبكي من فرحته كأب حنون.. وبالرغم أن سارتر هو كاتب النص إلا أن الإيقاع والأداء المسرحي يصل للمتفرج مهما اختلفت اللغة, فالإيقاعات الحركية الغنية ولغة الجسد المعبرة تكسر الإيهام المسرحي وتسقط الحائط الرابع!! فيما يتعلق بنص سارتر الآخر المومس الفاضلة فكان نقطة تحول فنية في تاريخي لأنني رفضته في البداية واستنكرت الحوار والمعاني ولكن حمدي غيث حمسني منذ البداية أن النص يدور حول التفرقة العنصرية أن المومس في المسرحية لا تعتبر المرأة ولكن السيناتور الموجود في الرواية واندمجت أثناء البروفات وضبطت نفسي متلبسة بتغيير جلستي وطريقة الضحك وجرس الصوت وقد انتقد أحد الكتاب اسم المسرحية.. فرد عليه السياسي الكبير خالد محيي الدين في مقال بالأهرام وهكذا الفنان يبدع بالفعل ويخرج مكنون الشخصية من داخله ويتجلي إبداعه إذا استطاع تجسيد عالم غير عالمه.
قمت بصنع نموذج مستحدث للمرأة الشعبية بدا في مسلسل سمارة الإذاعي حيث حرصت علي الأداء الأنثوي مطعما بالشهامة نموذج المرأة بمائة رجل.. تم استنساخه فمن أين أمسكت بتلابيب هذا النموذج الفني ؟
بعفوية شديدة تجيب لا إرادي والله.. فأنا لا أشاهد نفسي وفي أحيان كثيرة يعرف الفنان نفسه من عيون الآخرين فجميع الشخصيات التي أقوم بأدائها أدرسها جيدا وأمسك بخيط الشخصية أثناء قراءة النص وأحدد طريقة الكلام والملابس وأسلوب الحركة وإذا لم أشعر بشئ من ذلك أعتذر فالشخصية الشعبية كانت لا تعني بالنسبة لي الجلابية( السكاروتة) فقط والتطجين الحالي بالفعل أمر مبالغ فيه ولا نشاهده علي الطبيعة في الأحياء الشعبية بهذه الصورة وربما كان سبب وجود هذا الملمح الرجالي الذي تتحدثين عنه في الشخصية الشعبية يعود لقناعتي الشخصية ورفضي منذ الصغر لأن أصبح سلعة أو دمية في فاترينة عرض تعتمد علي جمالها الظاهر الذي يمله الرجل ثم يتساءل وماذا بعد.. فالمضمون هو الأبقي دمية. وبحكم تربيتي اعتدت أن أكون رجلا وسط الرجال وأنثي وسط الإناث حتي أثناء ادارتي للمسرح القومي فلابد من الحزم فلا يصح أن تكون المرأة لينة فتؤكل طوال الوقت.. فأنا حريصة علي أن أكون أنثي متكاملة في بيتي فقط والحمد لله امتلك عينا تلقط التفاصيل وتختزلها واستفيد كثيرا من تجاربي واخطائي واحتفظ بالألم الداخلي ولا أبوح به وقد تمرست علي ذلك شأن تمرينات اليوجا واعتز بأن المبدع الكبير إحسان عبدالقدوس قال لي ذات يوم: أنا لم أشاهد والدتي روزاليوسف وهي تمثل وأتمني أن تكون بمثل اقتدارك, وقد وصفني أنني شامخة مثل برج القاهرة وقال احفظوها نعمة فتهكمت بعض الزميلات وقلن هل نقبلها ونضعها بجوار الحائط?.
أذكر أن أحد النقاد كتب عني انني قمت بالأغراء من خلال نظرة عين بالرغم من ملابسي المحتشمة وقد ورثت عن أمي عزة النفس وفكرة الاستغناء وقد نطقت بهذه الكلمات في مسرحية الوزير العاشق لفاروق جويدة حين تكون القيمة فينا لا يعنينا ماذا يبقي وما يضيع
مسرح الستينيات شهد زخما فنيا لم يتكرر بالرغم مما قيل عن ديكتاتورية الأجهزة الرقابية وتواضع الهامش الديمقراطي في المجتمع.. فما سبب هذا التناقض الذي لم تستوعبه الأجيال اللاحقة؟
تجيب بانفعال من يعرف الحقائق وعايشها: المسرح كان يشهد هذا الزخم لأنه كان انعكاسا لحياه سياسية مليئة بالشخصيات والرجال والمبادئ التي يموج بها المجتمع ككل. فالمسرح انتعش بالفعل في الستينيات علي يد الفطاحل العظام من كتاب وممثلين ومخرجين وكان لدي عبدالناصر قناعة شخصية بأن النظام الذي يسقطه فيلم أو مسرحية هو نظام( مخوخ) يستحق السقوط فكان حريصا علي أن يعبر الفنان بحرية وله مواقف عديدة سمح فيها بعرض ما منعه غيره وأبرزها فيلم شئ من الخوف. وقد كتب زوجي سعد الدين وهبة مسرحيات عديدة بعضها تنبأ بنكسة1967 مثل بير السلم التي تحدثت عن التنحي وسكة السلامة تلك اللقطة العالمية لسواق الأتوبيس الذي ضلله الآخرون فأضل الطريق فالرقابة في السبعينيات وليس الستينيات كانت عاتية وأذكر أن مسرحية قولوا لعين الشمس لنجيب سرور ظلت بالرقابة منذ عام1968 حتي1971 وأخذت شهرة من مجرد البروفات وكنت أقوم ببطولتها وقمنا بإجراء البروفة الجنرال أمام الرقابة قبل العرض بليلة واحدة وطلبت من الممثلين أن تكون( مجري) وهو اصطلاح معهود بيننا يعني أن التمثل دون توقيع أو سخونة أو انفعال وبالفعل لم تنتبه الرقابة للكلمات ولكن بعد العرض الأول طالبوا بإيقافها.. وفي عام1964 منحني الرئيس عبد الناصر وسام الجمهورية وكان الرئيس السادات فخورا أمام الرئيس الفرنسي ديستان وهو يدعوني لعرض مسرحية فيدرا لراسين في باريس بعد أن شاهدها وزير الثقافة الفرنسي ميشيل جي.. وبالرغم من ذلك أبدع كل الكتاب, والشاعر فاروق جويدة قدمت له نصوصا عديدة غاية في الروعة والبساطة وأشعاره مثل غزل البنات تتمتع بمذاق حلو سلس فكنت أشعر بالافتقاد بعد أن انطق الجملة ففي الوزير العاشق كنت أقول أمام الوزراء والمسئولين والجمهور العريض: المنصب كالخمر تسري وتدور وتحملنا بين الأوهام وتوهمنا أننا أصبحنا فوق الأشياء نكبر بالظل وفي مسرحية الخديوي قمنا بالخصخصة قبل مرور عقد من الزمان علي تنفيذها وتم بيع الهرم وأم كلثوم وطه حسين وقد حضر الأستاذ هيكل عرض مسرحية الساحرة عام1994 وهو يصافحني قال لي ما هذا الكلام وكيف فلت من قبضة الرقابة.. قلت له: أننا دائما نتمتع بلسان طويل وهذا عملنا وهم يتحرجون من إيقافنا عن العمل فالمسرح كان منبرا يقال فيه كلام كبير لمفكرين كبار وهذا ما جعلنا أيضا فنانين كبارا وهي أمور تخلق في الفنان معني الالتزام بموقف سياسي معين لا يتجاوزنه ويرفض نصا مسرحيا إذا لم يتفق مع قناعاته فأنا رفضت عرض مسرحيتي رابعة العدوية أمام نافون رئيس إسرائيل وكنت مديرة المسرح القومي وقلت في نفسي حتي لو سجنت فالسجل أشرف لي مما يدعونني إليه ورفضت أن يحيي الممثلين وفدا إسرائيليا بعد ذلك وقلت الستارة لا تنفرج بعد العرض حتي لا ينحني ممثلونا أمام إسرائيل.
زوجك سعد الدين وهبه رحمه الله كتب المحروسة2015 التي كنت تعتزمين تمثيلها وتم رفضها فما هي رؤيته في هذه المسرحية؟
تنبأ كعادته دائما لأنه كان يملك قرون استشعار في معظم أعماله أننا إذا قمنا بالتطبيع الكامل مع إسرائيل فسوف نضيع تماما, ففي المسرحية يقوم الشيخ بإرسال زوجته للولادة في إسرائيل بعد أن قاموا بإرسال طائرة خاصة له ويسمي ابنه في إسرائيل واكيم وفي مصر حكيم وهي مليئة بالرؤي التي ظهر منها زواج بعض الشباب من الإسرائيليات.
تتميزين بسلامة الإلقاء اللغوي وعشق اللغة العربية علي ما يبدو وقد وصف خيري شلبي أداءك الصوتي بأنه منضبط يعكس نظرتك للحياة, ووصفك عبد الله عيث بأنك كلثومية الأداء أي أنه ثابت لا يتذبذب فكيف تميزت في الإلقاء الشعري بصفة خاصة؟
كنت أعشق اللغة العربية والأشعار منذ صغري ولغتنا جميلة بالفعل كما يقول شاعرنا فاروق شوشة, فاللغة قد تكون محور تسامي النص أو سقطوه, وكنت احظي بتقدير الزملاء في هذا الصدد واعتز كثيرا بأن الشيخ الباقوري وصفني بأنني من أفضل الناطقات بالعربية, وكان نجيب محفوظ التي مثلت له الطريق وعصر الحب حريصا علي المقارنة بيني وبين القديرة سناء جميل لما تواتر عنا من منافسة وقام بإجراء مناظرة تليفزيونية بيننا في منتصف الستينيات وضحك قائلا: كنت أريد أن أعمل ولد شقي لكني لم أفلح لأنني كنت أتمعن كثيرا قبل الإجابة وسناء جميل طيبة للغاية وتلقائية, وقد اختارتني أم كلثوم لتمثيل مسلسل رابعة العدوية وقالت: فيه بنت جديدة اسمها سميحة أيوب أعطوها الدور.. لم تكن اللغة في مسارحنا لغوا ولا تهريجا كما أصبحت الآن كنا جيلا يبحث عن الفن لا الدولارات وهي تأتي تلقائيا للفنان بعد أن يخلص له وحده, فقد اشتريت أول سيارة فيات(1100) بعد مرور خمسة عشر عاما من عملي وبالتقسيط.. الآن مسلسل واحد يأتي بالمرسيدس وبدون إجادة أو إتقان أحيانا, وقد اعتدت ألا يسكرني المديح وأنا أخجل الآن وأنت تحاولين تقصي ردود الفعل حول بعض أعمالي فبعد وفاة سعد الدين وهبه بأيام قليلة اجتمع الفنانون وقرروا أن أتولي رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الذي أسسه سعد علي اعتبار أنني زوجته وفنانة ومدير للمسرح القومي لأكثر من عقد وكنت قريبة من كواليس المهرجان لكني رفضت توريث المهرجان ولم يسكرني الكلام بالرغم من أنني كنت في فترة عدم اتزان.
بلغت الأحداث الذروة بلغة المسرحيين في عصر مبارك يوم25 يناير تري ماذا كان سيفعل سعد الدين وهبة لو أنه عاصر هذه الثورة وهو فنان وسياسي متأجج له مواقف مشهودة؟
ردت علي الفور كان سيقضي الثمانية عشر يوما في ميدان التحرير ولن يغادره وكان سيقوم بدوره تجاه هؤلاء الشباب ويمنحهم التثقيف السياسي والتوعية اللازمة التي تعينهم علي الوصول لغايتهم, وقد نزلت إلي الميدان بصحبة ابني وزوجته بالرغم من إصابة قدمي وهتفت مع الشباب أرحل كانت هناك بعض الانجازات بالرغم من الفساد الكبير ولكن معظم الأعمال الجليلة تولي تشييدها الجيش بلا سرقات أو رشاوي لأن الضابط المصري اعتاد التضحية بنفسه فداء للوطن, ومن ثم فهم لا يجاملون أيا من كان علي حساب مصر وأتمني أن يأخذوا الوقت اللازم لإعاده الأمور وإرساء الأساسات الجديدة وإلا أنهار الكيان.
هل تشعرين بالتفاؤل وما رأيك في المسارح الكلامية والمنصات المصاحبة للمليونيات وهل تراودك مخاوف فنية إذا تولي الإسلاميون الحكم ؟
لست متفائلة أو متشائمة أنا( متشائلة) ولكنني لا استطيع القيام بتحليل سياسي أو مجرد الحلم, فالبعض يفسدون أحلامنا, فالثورة يتم تخريبها واختلط فيها الحابل بالنابل بالمطالب والاحتجاجات المعقدة التي تثقل أعتي الدول إذا تزامنت بهذا الشكل أما المنصات فقد تحولت لنصبات قهوه وشاي فيما يتعلق بالفن, فقد يتعرض لردة إذا تولي الإسلاميون لكن ما حدث للفن بإيدي أبنائه أشد وطأة من أي تعليلات أخري, فالمسرح قلعة والقلاع لا تسقط إلا من الداخل وأنا الآن لا أتابع إلا مركز الإبداع وأعماله الناجحة, فالمسرح جزء من كل وسوف ينهض مرة أخري حين تنهض مصر عظيمة شامخة مرة أخري!!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.