منذ ايام قليلة قرر مجلس الوزراء انشاء ما يسمي بالهيئة العليا لتنمية سيناء بقانون خاص وتنقل إليها اختصاصات جميع الوزارات ذات العلاقة وتكون لها موازنة مستقلة.. وتختص هذه الهيئة بالتخطيط للتنمية المتكاملة في سيناء وايجاد آليات لتنفيذ مشروعات التنمية سواء بذاتها او من خلال الاجهزة التنفيذية القائمة او بتشجيع انشاء شركات..وحتي تضمن الحكومة نجاح الهيئة في اداء مهمتها علي اكمل وجه كما نتمني فقد قرر مجلس الوزراء ان يكون لهذه الهيئة كل الصلاحيات المقررة للوزراء في جميع القوانين وان يكون لمجلس ادارتها فرصة اصدار القرارات التنفيذية وان يكون مقرها في سيناء ويتم تعيين رئيسها بدرجة نائب رئيس وزراء حتي تكون علاقته مباشرة برئيس الوزراء وحتي تكون هذه الهيئة قادرة علي تحقيق طموحات المصريين في تنمية أرض الفيروز. الخبر الجميل والقرار يشعرك بالقوة وبالتصميم وبأن حكومة د. شرف مدعومة بسلطات المجلس العسكري عازمة علي تحقيق شيء ما ولكن هل المشاعر كافية لتحويل الحلم إلي حقيقة، وهل المشاعر يمكن ان تمحو اخطاء وخطايا 30 عاما او اكثر ارتكبها النظام السابق خلال تعامله مع المشروع القومي لتنمية سيناء وهل انشاء هيئة عليا او جهاز او لجنة لتنمية سيناء رغم أنها لا تضم أي عضو من سيناء كفيل بتحويل صحراء ارض الفيروز وجبالها الي مساكن ومزارع ومدارس ومصانع وجامعات وطرق وقبل ذلك هل هذه الاجهزة والهيئات قادرة علي توطين البشر فوق ارض سيناء التي اصبحت عطشانة للبشر اكثر من عطشها لمياه النيل!؟ نصر أكتوبر عقب نصر اكتوبر في 1973 وعبور القوات المسلحة المصرية لأكبر مانع مائي في التاريخ واكبر مانع صناعي وهو خط بارليف شهد العالم ببراعة الجندي المصري وكسرت القوات المصرية نظرية الذراع الطويلة التي لا تكسر للجيش الاسرائيلي المعتدي وقتها علي ارض سيناء الحبيبة. عبرت القوات المسلحة قناة السويس وبدأت اعظم عملية تحرير علي مدي التاريخ وبعدها توقع المصريون ان تبدأ عملية اعمار سيناء وتجاوز الناس عن السنوات العشر التالية حتي بداية الثمانينات وبعدما تولي الرئيس السابق حسني مبارك المسئولية خرج المنظرون والمؤلفون وامتلأت الصحف بالترويج للمشروع القومي لتنمية سيناء وفجأة طالب الخبراء بدراسة المشروع قبل الموافقة عليه وظلت »الحجة« المعلنة للناس هي اعطاء مزيد من الوقت للدراسة بينما الحقيقة كانت هي اهمال متعمد لتنمية سيناء حتي تظل كما هي خالية من البشر لسبب مجهول بدأت تنكشف بعض دلالاته مؤخرا. بداية علي الورق في 13 اكتوبر 1994 وافق مجلس الوزراء علي الاستراتيجية القومية او المشروع القومي لتنمية سيناء واصبحت احد مشروعات خطة التنمية الشاملة بمصر وتنتهي عام 2017 بتكلفة استثمارية قدرها 75 مليار جنيه للشمال والجنوب، وكان الهدف الاساسي من المشروع هو توطين 3.5 مليون مواطن تضاف الي سكان سيناء، مع توفير 800 ألف فرصة عمل حتي عام 2017 وذلك بالتعاون مع القطاع الخاص الذي يعتمد عليه المشروع بنسبة تتراوح بين 56 - و67٪. وشاهدنا وقرأنا وسمعنا في كل وسائل الاعلام ملاحم عن التنمية والعبور المنتظر لأرض الفيروز وحائط الدفاع الاول عن امن مصر. وتم انشاء لجنة وزارية عليا للاشراف علي المشروع القومي لتنمية سيناء، وتشكيل أمانة فنية علي المستوي القومي تتبع رئيس مجلس الوزراء.. وتضم خبراء وممثلي الوزارات والمحافظات المعنية حتي يمكن متابعة المشروعات الكثيرة التي ستنفذ خلال الاستراتيجية القومية ومنها مشروع ترعة السلام لري وزراعة 640 ألف فدان وسكة حديد العريش وتطوير ميناء العريش البحري، وتشكيل الشركة القابضة الصناعية الزراعية بشمال سيناء والتي تبدأ بمشروعات مصنع للزجاج ومصنع للرخام ومجمع للبتروكيماويات وغيرها من المصانع، بالاضافة للمشروعات الخدمية والصحية والتعليمية واستصلاح 275 الف فدان علي ترعة السلام و300 ألف فدان مراعي طبيعية. اعادة الاستراتيجية وكالعادة فاجأنا النظام السابق في سبتمبر 0002 بقرار يتضمن اعادة رسم استراتيجية التنمية في سيناء لضهم محافظات القناة وذلك بتكلفة استثمارية تصل الي 251.7 مليار جنيه منها 69 مليار جنيه لشمال سيناء و35.6 مليار جنيه لجنوب سيناء ويمثل الانفاق الخاص من رجال الاعمال 56٪ من اجمالي استثمارات الخطة او الاستراتيجية المزعومة، والتي كانت تتضمن وقتها كما اعلن خبراء الحزب الوطني المنحل تنفيذ مشروعات جديدة في 8 قطاعات وهي الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، الصناعة والتعدين والبترول، السياحة والتنمية العمرانية والتنمية الريفية، ومشروعات البنية الاساسية والخدمات التجارية والمصرفية والخدمات الاجتماعية والتنمية البشرية. اهتمام وفشل ورغم ما يبدو في هذه الأجهزة والقرارات والاستراتيجيات المتلاحقة وانفاق المليارات إلا أن الفشل بدأ يزحف تدريجيا نحو المشروع القومي لتنمية سيناء. وبلغت نسبة التدهور في تنفيذ مخطط التنمية بشكل عام في سيناء حوالي 70٪ في المشروعات الزراعية و66٪ في الصناعة والتعدين والبترول و86٪ في المياه والصرف الصحي دون اسباب دقيقة وواضحة او معلنة. المحافظون السابقون لشمال سيناء مثل اللواء منير شاش كان يقول ان السبب هو الفساد وسوء الادارة والبعض قال انه نقص التمويل، وكان السبب الشائع لدي رجل الشارع هو اتفاقية كامب ديفيد والتي يري الجميع انها السبب الحقيقي وراء عدم تنمية سيناء، وهناك سبب آخر اراه ويؤكده الكثير من الخبراء هو التخبط الشديد في القرارات المتتالية وعدم وضوح الرؤية، ونقل المسئوليات والصلاحيات من وزير لوزير كما حدث في عام 1991 عند امر مجلس الوزراء نقل مسئوليات تنفيذ المشروع من وزير الزراعة الي وزير الري علي ان يتم ادارته بواسطة الهيئة العامة لتنمية سيناء، ثم في 2006 وافقت الحكومة علي تنفيذ الخطة الشاملة لتنمية سيناء بدلا من الاستراتيجية الشاملة لتطوير وتنمية اقليم القناة ثم تم انشاء الشركة القابضة لتنمية سيناء منذ عامين. النتيجة صفر! النتيجة الطبيعية لهذا التخبط واسبابه وتفاصيله التي نكشفها في هذا الملف كانت فشل المشروع وما فعلته حكومة د. شرف مؤخرا قد ينجح في اعادة الحياة للمشروع الذي يمثل امل مصر في مستقبل افضل لابنائها، كما انه اصبح مطلبا حيويا لتأمين بوابة مصر الشرقية ولكن هذا لن يحدث بمجرد اصدار قرار بانشاء هيئة عليا لتنمية سيناء لان الهيئات كثيرة واللجان اكثر ولكن مشاكل سيناء التي خلفها النظام السابق اكثر واكثر ولن تحل إلا بإرادة حقيقية ورغبة واعية في التنمية مدعومة بخطط علمية حقيقية قابلة للتنفيذ. لقد آن الأوان بعد ان حققنا اعظم نصر في تاريخنا وهو العبور العظيم في 1973 ان نعبر لننمي سيناء ارض الفيروز، ارض المجد، ارض وعرض وكرامة المصريين.