عقب إقرار قانون التأمينات الجديد سيطرت حالة من الخوف علي أصحاب المنشآت التجارية والصناعية بسبب نص القانون علي معاقبة صاحب العمل الذي يتهرب من التأمين علي عماله بالحبس والغرامة المالية. انتابتهم الهواجس خوفاً من استغلال بعض موظفي التأمينات من ضعاف النفوس لهذا النص ليكون سيفاً مسلطاً علي رقابهم بهدف ابتزازهم، ولكن لا يزال بصيص من الأمل لديهم يتمثل في وضع ضوابط لكيفية اللجوء لعقوبة الحبس في قضايا التهرب التأميني ضمن مواد اللائحة التنفيذية للقانون الجديد التي بدأت وزارة المالية إعدادها. أكد ممثلو منظمات الأعمال وخبراء الضرائب أن العقوبة البدنية التي نص عليها قانون التأمينات والمعاشات الجديد لن تكون في صالح العمال كما أنها ستثير مخاوف رجال الأعمال، خاصة أنها تتضمن القبض علي صاحب العمل في حالة تهربه من التأمين علي العمالة مدة لا تزيد علي 3 أشهر، بالإضافة إلي الغرامة المالية التي تتراوح بين 01 و05 ألف جنيه عن كل عامل تم التهرب من التأمين عليه. ويرفض أحمد الوكيل رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية تطبيق العقوبات البدنية علي أصحاب الأعمال، مؤكداً أن هناك عقوبات أشد قسوة علي صاحب العمل أو مؤدي الخدمة أو المنتج أو التاجر من الحبس مثل »تجريسه« بالإعلان عن مخالفاته كما يفعل جهاز حماية المستهلك لأن هذه العقوبة قد تؤذيه في سمعته بالسوق وهي أقوي من الحبس ويضيف: لذلك يجب أن تكون هناك نظرة جديدة في توجهات الرقابة وتنظيم السوق ومناخ العمل لتكون رادعة لمخالفي القوانين مثل قانون التأمينات الجديد. ويتفق معه في الرأي المحاسب القانوني أشرف عبدالغني رئيس جمعية خبراء الضرائب المصرية ويقول: عقوبة الحبس في قضايا التهرب التأميني لن تأتي بأي نتائج إيجابية بالنسبة للعامل الذي قد يؤدي حبس صاحب المنشأة لغلقها، ولن تحصل التأمينات علي الاشتراكات التأمينية، وبالتالي فإن الأجدي الاكتفاء بفرض غرامات مالية علي أصحاب المنشآت المتهربين من التأمين علي عمالهم، وهذا الأمر مطبق بالفعل في قانون الضرائب الحالي، ولذلك يجب أن تتضمن اللائحة التنفيذية للقانون التي يتم إعدادها حالياً آليات للتصالح مع أصحاب الأعمال في حالة وجود حالات تهرب تأميني وذلك حتي لا تتسبب هذه العقوبة في غلق المنشآت، وبالتالي الحفاظ علي استقرار المنشآت المنتجة والعاملين بها، مع سداد الاشتراكات التأمينية المستحقة للدولة. وأكد المحاسب القانوني زكريا محمد علي أن هناك بعض الملاحظات المهمة علي قانون التأمينات الجديد أهمها تطبيق العقوبات البدنية مثل الحبس لأصحاب الأعمال والواردة في العديد من مواد القانون ومنها ادعاء أحد مفتشي هيئة التأمينات ممن لهم حق الضبطية القضائية أنه تم منعه من دخول المنشأة دون أن يكون هناك ما يثبت منعه من الدخول وحصوله علي المستندات المطلوبة، وذلك لأن نصوص هذه المواد تجعل من السهل الادعاء كذباً من قبل مفتشي الهيئة بمنعهم بينما تكون مهمة إثبات عدم صحة ذلك علي عاتق أصحاب الأعمال. لذلك ولكي يتم تلافي هذه المسالك غير الصحيحة يجب إرسال خطاب موصي عليه بعلم الوصول لصاحب العمل عقب عملية التفتيش ومطالبته بجميع المستندات المطلوبة خلال مدة محددة ولتكن ثلاثة أسابيع وفي حالة تقاعسه تطبق عليه في هذه الحالة إجراءات مواد العقوبات الموجودة في قانون التأمينات، كما يجب وضع قواعد تنظم إجراءات التفتيش وكذلك قواعد إثبات منع المفتشين من دخول المنشآت للتأكد من صحة ادعاءاتهم بمنعهم من دخول المنشأة. كما لم يتطرق القانون الجديد في مواده إلي كيفية التصالح والتنازل عن القضايا المرفوعة ضد أصحاب الأعمال نتيجة التفتيش عليهم وإصدار مطالبات عن أعمال تهرب تأميني بجميع أنواعه، وذلك في حالة امتثال أصحاب الأعمال للتصحيح طبقاً للقانون. ضوابط لعقوبة الحبس ومن جانبه أكد د. محمد معيط مساعد وزير المالية لشئون التأمينات والمعاشات أن اللائحة التنفيذية لقانون التأمينات الجديد والتي يجري إعدادها حالياً ستأخذ في الاعتبار مخاوف أصحاب الأعمال ومنظمات العمال، مشيراً إلي أنها ستضمن ضوابط لتطبيق عقوبة الحبس علي أصحاب المنشآت المتهربين من التأمين علي العمال لديهم، لذلك ستنص علي عدم الحبس في المرة الأولي للتهرب وسيتم الاكتفاء بالغرامة المالية فقط ولكن في حالة تكرار التهرب سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية التي تنتهي بتحويل المتهرب للمحكمة. وأكد أن أمر الإحالة للنيابة للمتهربين من الاشتراك في التأمينات لعمالهم لن يكون من سلطة موظفي التأمينات بل سيكون من سلطة وزير المالية حتي لا يساء استخدام هذا الحق. مهلة لتوفيق الأوضاع وأضاف د. معيط أن قانون التأمينات الجديد يتضمن تيسيرات كثيرة لتشجيع العمال وأصحاب الأعمال علي الاشتراك في التأمينات، ولذلك كانت هناك حاجة لضمان استمرار تدفق الاشتراكات التأمينية ومنع حالات التهرب التأميني وهو ما يستلزم وجود رادع يتمثل في عقوبة الحبس، مؤكداً أن القانون يستلهم نفس المبادئ المبني عليها قانون ضرائب الدخل الجديد الذي ينص أيضاً علي حبس المتهرب من سداد الضريبة أو تغريمه في أول مرة وعند تكرار التهرب في خلال 3 سنوات يتم الحكم بحبسه مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد علي 5 سنوات. وأضاف د. معيط الي أن وزارة المالية بدأت في إعداد اللائحة التنفيذية لقانون التأمينات الاجتماعية الجديد، وأنه من المتوقع أن يستمر العمل والمناقشات حولها ما بين 21 إلي 81 شهراً أسوة بالقانون الذي استغرق إعداده وإقراره نحو 3 سنوات عرض خلالها علي جميع منظمات المجتمع المدني مثل اتحادات الصناعات والغرف التجارية والاتحاد العام لعمال مصر وقال إن أهم ما ستركز عليه اللائحة التنفيذية وضع آليات واضحة لحالات التهرب التأميني بما يحفظ حقوق العاملين وفي نفس الوقت يحافظ علي استقرار مناخ الأعمال والأوضاع المالية للمنشآت الخاصة لضمان عدم تعريضها لأي هزات. وأضاف أن المخاوف من إعطاء سلطة الضبطية القضائية لموظفي التأمينات قد تؤدي إلي توقيع عقوبات بدنية أمر غير صحيح مشيراً إلي أن أي مخالفات لقانون التأمينات الجديد والتي قد تظهر بعد تطبيقه سيتم أولاً إخطار أصحاب المنشآت بها للرد عليها وتسويتها وفي حالة التأكد من مخالفتهم سيتم منحهم مهلة محددة لتوفيق الأوضاع وفي حالة الإصرار علي التهرب وعدم رغبتهم في التصالح مع التأمينات وتسوية مستحقات العاملين لديهم فإنه في هذه الحالة فقط سيتم اللجوء إلي القضاء. وقال أن اللائحة ستنص علي آلية للتصالح في جميع حالات التهرب التأميني وفي أي مرحلة من مراحل التقاضي بشرط سداد المستحقات التأمينية المتعلقة بهذه الحالات كما أن الغرامات المنصوص عليها بالقانون لن تفرض إلا بحكم محكمة وهو ما يؤكد مرة أخري أن التصالح مع التأمينات وتسوية مستحقات العاملين قبل اللجوء للقضاء سوف يحول دون وجود غرامات وهو الوضع القائم بالنسبة للضرائب.