لم يعد يفصلنا عن أول انتخابات برلمانية حقيقية سوي أربعة اشهر، وهي انتخابات ستبوء حتما بالفشل مالم يسارع فرقاء المشهد السياسي في مراجعة انفسهم بل والثورة عليها اذا لزم الامر!. وقد كنت ولازلت اتعجب ممن ظنوا ان حالة ثوار التحرير في زمن الوهج الثوري هي صورة مصغرة لما ستكون عليه حالة الشعب المصري حينما تخفت الثورة.. وخفوت الثورة هو دون شك مرحلة بديهية لا تعني بأية حال موت الثورة ولا تعني بأية حال نهايتها وانما تعني الانتقال من حالة الحركة تحت تأثير المشاعر الملتهبة الجياشة- وهي حالة استثنائية مهما طال زمنها- الي حالة من الحراك الهاديء والمتدبر والمتأمل تحت تأثير دوافع واهداف عقلية بحتة - وهي حالة تمثل قاعدة الحياة سواء للافراد أو المجتمعات لان الوهج الثوري لابد له من نهاية والا كان حالة مرضية. اعلم أن استنتاجاتي السابقة صادمة للكثيرين. وأول ما كان ينبغي علي المصدومين ادراكه ان الاحياء عامة وبخاصة البشر لا يمكن ان يتوحدوا الا حين يواجهون اخطارا عظيمة، حينها تتواري كل عوامل الخلاف والاختلاف ويتوحد الجميع اما للهروب من هذه الاخطار واما لمواجهتها، يحدث هذا في أزمنة الحروب أو شيوع الاوبئة أو حدوث كوارث طبيعية أو غير هذا وذاك مما يهدد الحياة. وقد حدث هذا في زمن الوهج الثوري ولكن من فريقين تيقن كل منهما انه في مواجهة خطر يهدد الحياة.. فقد توحد الثوار ومؤيدوهم علي امتداد الوطن لاسقاط النظام ورؤسه بعد ان تيقنوا ان في بقائه نهايتهم.. كما توحد الثوار المضادون ومؤيدوهم علي امتداد الوطن لاسقاط الثورة بعد ان تيقنوا ان في انتصارها نهايتهم ولكن المؤكد علي الاقل في تقديري. أن توحد الثوار من الجانبين لا يعني علي الاطلاق ان معادنهم المتباينة قد انصهرت وانتجت سبيكة متجانسة لم يعد ممكنا فصل عناصرها والتمييز بينها!. مرة أخري اطرح من الاسئلة الصادمة ما يؤكد المعني مخاطبا عقول القراء لا مشاعرهم، فهل كان الثوار المسيحيون في تحلقهم حول الثوار المسلمين حين ادائهم للصلاة دلالة علي رسوخ الوحدة الوطنية وخلوها من التصدعات؟.. وهل كانت الرفقة والرفق الذي جمع الفتيات والنساء الملتزمات بالفتيات غير الملتزمات دلالة علي حالة الرضا والقبول لدي كل فريق عن سلوك ومظهر واخلاقيات الفريق الآخر؟. وهل كان عدم اعتراض الشباب والرجال ذوي الانتماءات الاسلامية علي بعض مظاهر الاحتفال بنجاحات الثورة بما في ذلك قيام بعض الفتيات والنساء بالغناء والرقص والمبيت في الميدان دلالة علي ميلاد مباديء ومثل جديدة وحدت الطرفين فما عاد الاول يري معصية في فعل الثاني وما عاد الثاني يري في فكر الاول رجعية وهمجية وتخلفا. وهل كان توحد الثوار علي المطالب يعني انهم صاروا لونا سياسيا واحدا لا فرق فيه بين يمين ويسار ولا بين علماني واسلامي ولا بين وسطي ومتشدد؟؟!!. لقد كنا بحاجة الي اسقاط مبارك الفاسد ورموز الفساد من حوله. ولم تكن معادلة هذا الاسقاط حسابيا في صالح الشعب علي الاطلاق.. ولكن الله نصرنا بحساباته، فتراجع الامن وقد كان حسابيا قادرا علي الفتك بالثوار.. ثم كان الموقف التاريخي للجيش المصري بانحيازه للثوار.