لا أحد يستطيع أن يمنع أحداً من أن يحلم، فالأحلام ملك للناس كلها، الأغنياء يحلمون، والفقراء يحلمون أيضا... لكن كلاهما له حلمه الخاص! كان لي حلم بعيد وأنا طفلة صغيرة أن أصبح بائعة جرائد وكتب ومجلات حتي أستطيع أن اقرأ كل الأخبار والحكايات والقصص والروايات التي كانت تنشرها الصحف زمان لإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ ويحيي حقي ويوسف إدريس ومصطفي محمود في مجلة صباح الخير، وأخبار اليوم ، وبعد مرور الزمن كبر الحلم وتمنيت أن يكون لدي كشك جرائد مثل كشك يوسف شعبان في فيلم بائعة الجرائد ومضي العمر ونسيت الحلم وصرت املك كثيرا من خيوطه كوني اعمل في مجال الكتب والأدب. منذ أيام عاودني حلمي القديم بأن يكون لي مكتبة أبيع فيها الكتب وأقيم فيها الندوات الثقافية واحتفي في قاعاتها بحفلات توقيع الكتب الجديدة. أخذت أبحث عن مكان مناسب لتحقيق هذا الحلم القديم، لكنه استحال مع استحالة وجود مكان بالسعر المناسب في الوقت الحالي.. تعثر الحلم وتوقف مرة ثانية ووجدت سؤالا يتزاحم وسط أسئلة كثيرة حائرة بداخلي عن إمكانية تحقيق الأحلام بشكل عام سواء أكانت بسيطة أو ممكنة، ووصلت الي صيغة مريحة لكل من تعثر في تحقيق أحلامه مثلي وقلت لنفسي إن الأحلام مهما كانت كبيرة أو صغيرة خيالية أو واقعية تظل مجرد فكره أو مجموعة من أفكار كامنة في عقل صاحبها في انتظار أول فرصه لانطلاقها لحيز التنفيذ فيصبح الحلم حقيقة وربما يظل كامنا وربما ينسي مع مرور الأيام فيضيع!! أحلام الناس تختلف باختلاف تكوينهم الثقافي والفكري حسب البيئة التي نشأوا فيها، ويقفز الحلم القديم بداخلي صارخا: هل امتلاك مكتبة للكتب حلم غير منطقي.! ربما في هذه الزمان: نعم. لكن أعود وأقول لا يأس مع حلم متكرر. بالأمس حلمت أنني تعاقدت مع صاحبة عوامة قديمة تقف من سنوات علي ضفاف النيل ، تبدو متهالكة وقديمة ومتروكه للزمان يلعب بأركانها من عشش العنكبوت إلي صراصير الظلام، سألت الحارس الليلي، قال لي:إن لها صاحبة عجوزا تريد ان تبيعها فلم تعد قادرة علي العناية بها راودني الحلم بأن أحولها الي مكتبة عائمة للكتب وكافيه صغير لمن يريد كتابا وفنجان شاي بالنعناع. اتصلت بصاحبة العوامة، وسألتها إذا كانت ترغب في البيع مثلما قال لي حارسها الليلي، قالت بصوت كله وهن نعم فلم أعد قادرة علي مزاولة مهنة الرقص وأريد أن ابيعها، هالتني كلمة رقص، هذا يعني أن هذه العوامة كانت ذات يوم ملهي ليليا. وصمت قليلا وقلت في سري وما المانع يمكن أن تتحول إلي مكان للفكر والثقافة، سألتها: كم ثمن العوامة قالت بصوت يشوبه الحزم: خمسة ملايين جنيه، وسقطت السماعة من يدي واستيقظت من النوم فزعة، اخذت سيارتي وذهبت لمكان العوامة التي جاءتني في الحلم فوجدت بستانيا يرعي الأشجار والمزروعات بجوارها سألته عن العوامة: هل هي للبيع؟ قال لي: كانت للبيع حتي أمس لقد تم بيعها لرجل أعمال سوف يعيدها إلي حالتها الأولي. فأخذت حلمي وابتعدت عن المكان ولا عزاء لمكتبة الأحلام.