لم يعد سور الأزبكية كما كان ساحة لبيع الكتب فقط ، وإنما صار سوق الأزبكية لجميع أنواع الشرابات والعطور .. تصوير : محمد لطفى حرف واحد تغير فى الكلمتين ، لكن هذا الحرف نقل هذا المكان صاحب التاريخ الثقافى العريق بالفعل إلى مجرد سوق تجارى كبير وقد تاهت وسط أصوات المنادية و الخناقات والاشتباكات التى تحدث بين الباعة .. السور الآن يعيش أسوأ فترات حياته فلا بيع ولا شراء وقد هجره زواره من هواة الثقافة المحترمين بعد تعدد حوادث البلطجة فى المكان .. ومجرد نظرة واحدة من فوق جراج العتبة تؤكد لكم ما آل إليه السور من فوضى وعشوائية لا تشجع أحد لزيارته .. ## أصبح فى المنطقة سوقين مختلفين يفصل بينهما جراج العتبة ، فهناك سوق العتبة الرئيسى وسوق الأزبكية الفرعى أو سور الأزبكية سابقاً،وهنا تاهت أكشاك الكتب وسط زحام وضجيج بائعى الأحذية الإسكاى وبائعى الشرابات وتجار الملابس الداخلية ، علاوة على بائعى الهريسة والبسبوسة وجميع اشكال الحلويات هذا إلى جانب غرز بيع الشاى والقهوة .. كل ذلك فى سوق الأزبكية الجديد والذى يشهد كثافة مرورية يومية نتيجة وقوعه عند مدخل محطة مترو العتبة ..أصحاب المكتبات اعتادوا على الأمر ولكنهم أيقنوا أن السور انتهى ولم يعد يحظى بمكانته القديمة نظرا لتحوله لمكان عشوائى وسوق شعبى وبعضهم آثر الانكماش والانغلاق على الذات داخل مكتبته التى لا تبيع ولا تستفتح إلا نادراً .. ## نحن تجولنا وسط الزحام لمعرفة المزيد من التفاصيل حول أزمة سور الأزبكية الآن وكيف صار مجرد سويقة بتعبير الزوار وأهل المكان.. يقول الأستاذ على الشاعر صاحب المكتبة رقم 132 بالسور : السور تحول لسويقة صغيرة لبيع كل المنتجات وكله من أجل اكل العيش ، زمان لم يكن يحضر لسور الأزبكية إلا المثقفين ، أما الآن فالوضع اختلف وأصبح المكان ساحة للبلطجة والتحرش ولك أن تتخيل أن يكون السور عند ممر المترو فى محطة العتبة يعنى زحاماً وفوضى ومشاكل وبالتالى أصبح السور مجرد طريق يعبره الحرافيش ، وهناك أكذوبة مسيطرة وهى انك عندنا تنشر الكتاب فى طريق الناس فإنه يكون اكثر عرضة للبيع هذا كلام غير صحيح لأن الغاوى ينقط بطاقيته والكتب سلعة لها زبون خاص يقصدها ويأتى إليها، لدرجة أن بعض المارة أحيانا يسألوننى : هم جابوا الفجالة هنا .. طبعا هناك مشكلة أخرى وهى أن البائعين العشوائيين أساءوا لسمعة المكان حيث تحدث تحرشات ومعاكسات وللأسف بدلاً من أن يكون سور الأزبكية ساحة لنشر العلم والمعرفة والوعى أصبح مكان عشوائى .أيضاً المكان ضيق جداً ولا يتيح أى فرصة للعرض الجيد على الإطلاق خاصة وأن الشرابات والملابس الحريمى سحبت على المكان وهذه أسوأ حالة وصل إليها السور فى تاريخه لأنه زمان كان مكان مستقل إلى حد ما وكان هناك ترابط بين الناشرين كما كانت هناك مساحات فراغ شاسعة بين المكتبات وكانت ميداناً لإلتقاء المثقفين وهواة الكتب يعنى زمان كان بعض الناس يلتقون هنا فى السور أما الآن فلا مكان للقاء. ## ويقول يسرى كامل (55سنة) صاحب إحدى المكتبات : والدى كامل محمود على هو مؤسس السور وكان فى الأصل مجرد تاجر كتب عادى على عربة روبابيكيا فكان يجلس هو ومجموع قليلة من البائعين على ناصية شارع حمدى سيف النصر أيام الأوبرا القديمة وفى سنة 1953 حصلوا على حوالى 48 رخصة للمكتبات وهذا يعنى أن أصل أصحاب المكتبات هنا 48 مكتبة فقط لكن الآن يوجد 153 مكتبة وهذا يعنى أن هناك دخلاء على المهنة وللأسف هؤلاء لا يعرفون قيمة الكتاب ويتعاملون معه مثلما يتعاملون مع البضاعة التقليدية والكارث أن عددا من أبناء مؤسسى السور لا يمتلكون مكتبات وللأسف أنا واحد منهم الآن وبعضهم يعملون أجري لدى الدخلاء على المهنة ومنهم ناس كانت بتاع جبنة وبائعو الفول والطعمية كما ان عددا من اصحاب المكتبات المرخص تركوها واشتغلوا فى الخردوات وهذا يعنى أن مستقبل السور سينهار وسيتحول إلى مكان تجارى إذا لم يتم إنقاذه ووضعه فى مكان آمن كما ان السور تفكك والناس المحيطون به غير آمنين وساعات كثير تحدث خناقات بالأسلحة البيضاء والحى ساكت لا يتكلم حتى احتل هؤلاء الناس هذه الأماكن بوضع اليد ولك أن تتخيل أن أقوم ببيع روايات نجيب محفوظ وروائع الأدب العالمى وجارى يبيع الملابس الداخلية وينادى بلعو صوته على الزبائن يعنى هذا مشهد غير متحضر ولا يتفق مع قدسية الكتاب والثقافة ، أيضا تركيبة البائعين والناشرين فى السوق تغيرت جدا كما ذكرت يعنى والدى زمان كانت له علاقة بالأستاذ الغيطانى والأبنودى وعبد الرحمن ابوزهرة وامانى ناشد والفنانة رغدة وخلافهم يعنى كانت هناك علاقات إنسانية بين المثقفين والناشرين وهذا غير موجود الآن، الناشرين والبائعون كانوا زمان محترمين ولهم كيانات وصداقات . ## استغاثات الناشرين جعلتنا نتوجه للأستاذ الكبير خيرى شلبى لنعرف منه رأيه حول ما وصل إليه حال السور الآن حيث قال لنا : سور الأزبكية له نظراء فى جميع مدن وعواصم العالم الكبرى ففى باريس ولندن مثلا هناك باعة للكتب القديمة وأنا رأيتها وتجولت فيها وهى تعد مظهراً حضارياً ومعلماً ثقافياً للمدن ولكن أن تتحول هذه الأماكن لبيع الملابس وما شابه فهذا ما لا نحمد عقباه وسيكون مصير السور نفس مصير الفجالة .. مع أن علاقة الناس بالكتاب هى علاقة أبدية مهما حدث من تطورات تكنولوجية ومن شبكات اتصال فيسظل الكتاب هو الوسيلة الأساسية للثقافة ومن هنا يجب ان نحافظ على أماكن بيعه وسيظل سور الأزبكية مطلوباً وسيظل يؤدى دورا كبيرا للمثفين وطالبى المعرفة، وكانت المشكلة أنه كلما ازدادت تكاليف الحياة وكلما ارتفع ثمن الكتب فغن الناس تلجا لسور الزبكية ليشترى هذه الكتب بسعر مخفض أيضا سيظل المؤرخين والدارسين والنقاد فى حاجة لسور الأزبكية للحصول على الكتب النادرة والقديمة فى تخصصاتهم حيث ان هناك كتب صدرت منها طبعة واحد ونفدت دون ان يكون هناك طبعات أخرى لها، أيضا السور فى حد ذاته يعد واجهة حضارية للمدينة وكلما كان خاضعا لنظام كلما دل ذلك على أننا أمام بلد متحضر يؤمن بالثقافة أما هذا الوضع القائم الآن فهو امتهان للثقافة وللمثقفين وامتهان لمهنة الكتاب، أيضاً من أشر ما تمنى به الثقافة أن تتحول منافذ بيع الكتب، إلى منافذ لبيع الأحذية والملابس الداخلية والملابس والمستعملة والمستوردة، وللأسف سور الأزبكية يتعرض لهذه الانتهاكات منذ فترة السبعينيات وحتى اليوم، وانا اقترح على محافظ القاهرة أن يقوم بحملة ضد أكشاك الكتب المخالفة التى يستخدمها اصحابها فى بيع الملابس والعطور، أيضا لكل مقام مقال ولايصح ان يتخلل بيع الكتب تجارة اخرى فى الملابس وخلافه. ومن يريد ان يهجر ببيع الكتب فليترك كشك الكتب المرخص له كما عليه ان يرحل عن المكان، إذن لا بد من حملة لتنظيف السور.