- أصحاب أكشاك محطة الرمل" البديل تصدت لقرار الهدم منذ 8 سنوات ومنعته" - أهالي الإسكندرية ردًا على المطالبات بتغيير نشاط بيع الكتب إلى محلات كبده" الحكومة وضعت العلم في سندوتشات" - الشتاء يهدد آلاف الكتب المبعثرة بفعل الحكومة وغير المدفوعة القيمة - مجاهد"هدم الأكشاك دليل على عدم إدراك قيمة الثقافة.. وإن لم تستح فافعل ما شئت" - عليوة" العقود منتهية المدة" والمستأجرين" تجدد تلقائيًا" ظهرت منذ عشرات السنين في الأفلام السينيمائية لما لها من جمال في التصميم وموقعها المتميز، فتم تصوير فيلم" ميرامار" والذي جسد فيه الفنان عبد المنعم ابراهيم دور" حسونة" أحد أقدم باعة الكتب بميدان محطة الرمل الواقع بوسط الإسكندرية والذي مازال متواجدًا إلى الآن، بنفس الكشك الخاص به كما ظهر بذات الإسم. طالبوهم بتغيير نشاطهم من باعة للعلم إلى بياعين" كبده" وعندما رفضوا، بعثروا الكتب والجرائد في الطرقات، أخلوا أكشاكًا مدفوعة الإيجار حتى اليوم، تركوها خرابًا وأغلقوا بواباتها بالطوب الأحمر وكأن كم من الجرائم ارتكبت في هذا الموقع، كل ذلك قامت به الجهات التنفيذية بمحافظة الإسكندرية تنفيذًا لقرار الهيئة العامة للنقل العام، وأصبحت عشرات الأسر لا تعلم كيف ستعيش بعد الآن. في الوقت الذي أصدرت فيه محافظة الإسكندرية بيانًا على لسان اللواء خالد عليوة، رئيس الهيئة العامة للنقل العام، ذكرت فيه ان التراخيص الصادرة للمستأجرين تخص وضع مدرجات لبيع الجرائد والمجلات بعرض متر وارتفاع متر ونصف دون إشغال أو إعاقة للرصيف، وليست تراخيص أكشاك، ومدتها عام واحد فقط، بينما صدرت قرارات الإخلاء منذ عام 2014، ولم يبدي الباعة أي اعتراض على سداد أي زيادة في قيمة الإيجار مقابل التراخيص، نافيًا مطالبته بتغيير النشاط نظرًا لمخالفة ذلك للقانون. أكد علاء التلواني، مدير محل جوجو للفشار، أنه يسدد كافة الضرائب والتأمينات في مواعيدها، ذلك بخلاف القيمة الإيجارية وفواتير الكهرباء التي لا تقل عن 1500 جنيه شهريًا، مؤكدًا أن العقود التي يحوزها تتضمن بند ينص على أن العقود تجدد تلقائيًا، وأنه سدد آخر عقد صباح اليوم التي نفذت فيه عملية الإزالة. وأوضح التلواني أن الإنذارات التي تلقاها أصحاب محلات وأكشاك ميدان محطة الرمل جميعها تنذر بالإخلاء وليس بالهدم، مضيفًا أن اللواء طارق المهدي، المحافظ السابق للإسكندرية، سعى خلال فترة توليه منصب المحافظ في عام 2014 إلى إزالة كافة أكشاك محطة الرمل، وقام المستأجرين بعمل استشكال أحيل إلى هيئة مفوضي الدولة ولم يتم الفصل فيه حتى الآن. وأشار إلى أنه حاول التصدي لعملية الإزالة من خلال إبراز ما يثبت أن القضية مازالت في انتظار حكم القضاء، إلا أن مأمور القسم مزقتها أيضًا ولم تعتد بها. تتراوح أعمار العاملي بمحل" جوجو" ما بين 50 إلى 60 عام لن يجدوا فرصة للعمل في أي مكان آخر بعد أن تم تشريدهم نظرًا لتقدم أعمارهم، بينما سيعود الشباب الصغير الذي جمعهم التلواني- بحسب قوله- من المقاهي المحيطة للعمل بالمحل وتوفير نفقات الزواج، إلى البطالة والجلوس في المقاهي بلا عمل مرة أخرى، مضيفًا:" وهم مش عايزين كده". وطالب أحمد سليم، يعمل بمحل فشار جوجو، الحكومة بالعدول عن قرارها لذي سيؤدي إلى تشريد40 فرد وأسرهم ممن يعملون بمحل" فشار جوجو" فقط وجميعهم لديهم أسر يعولونها، فهو يعمل منذ 20 عام ويعود المحل إلى عام 1956. هدير أحمد، ورث والدها أقدم محل لبيع الكتب بميدان محطة الرمل، وتقول:" أبي صاحب فرش" سونة" أشهر مكتبة في الإسكندرية وموروثة أبًا عن جد، ومستأجرين من هيئة النقل العام منذ أكثر من 30 سنة". وأضافت ان هيئة النقل العام أخطرت المستأجرين بأنها ستفرض زيادة على القيمة الإيجارية بنسبة تصل إلى 70% ولكن تلك المطالبات قوبلت بالرفض بسبب عدم قدرتهم على الوفاء بها، فطالبتهم مقابل عدم الزيادة بتغيير نشاطهم من بيع الكتب إلى بيع سندوتشات كبده لتتناسب من حيث المظهر مع النافورة المقرر إنشائها بوسط الميدان بدعوى تجميله. وأشارت أحمد إلى أن تلك الأكشاك ومهنة بيع الكتب والمجلات والجرائد متوارثة أبًا عن جد منذ 50 عام، فكيف تأتي الهيئة لتطالبهم الآن وبعد مرور السنين بتغيير نشاطهم، مضيفة أن الكشك المستأجر من قبل والدها تعيش أسرتها وعمها من ربحه، أي 5 أفراد تم تشريدهم بهذا الجرم المرتكب بالمخالفة للقانون. وعن تعويض أصحاب تلك الأكشاك قالت أحمد:" ولا تعويض ولا أماكن بديلة ولا أي حاجة، لو فيه تعويضات مكانش هانبقى بالمنظر ده.. احنا منتظرين فرج ربنا" مشيرة إلى أنها لم تسدد بعد ثمن الكتب والمجلات التي سحقتها هيئة النقل العام وبعثرتها في الطرقات، وهدمت الأكشاك مستخدمة اللودر في هدم الثقافة من أجل الحفاظ على الشكل العام، مضيفة:" محافظ بيحط تاتو على كتفه منتظرين منه إيه". وتابعت:" شوية مياه لو جت عليهم خلاص انتهوا، حسبي الله ونعم الوكيل دي آثار". وهاجم العربي جابر، من قاطني محطة الرمل وشاهد عيان، المحافظ هاني المسيري باعتباره أحد المسئولين عن تلك الجريمة التي تمس العلم والمعرفة، بقوله:" إنزل محطة الرمل شوف زمان اسكندرية كانت عاملة ازاي، بدل ما تقعد في الترام تشرب شاي وقهوة شوف الناس بتعمل إيه، احنا العلم حاطيناه في سندوتشات". وأضاف أن الميدان محطة الرمل قيمة تاريخية جسدها كبار الفنانين في الأفلام السينيمائية قديمًا وحديثًا، فقد جسد الفنان عبد المنعم ابراهيم شخصية" حسونة" بائع الجرائد بنفس الميدان واسم صاحب المحل والمعروف ب" سونة" وذلك في فيلم" ميرامار". وأقر أحمد حسونة، مستأجر محل سونة المتضرر، بالعرفان والجميل لجريدة" البديل" لما كان لها من دور في التصدي لحملة مماثلة استهدفت إخلاء تلك الأكشاك قبل ثماني سنوات من الآن، جعلت أحد القيادات الأمنية يعتذر عما بدر في حق المستأجرين وتراجع عن القرار، إلى أن عادت منذ شهر لتطالبهم بزيادة في القيمة الإيجارية، إلا أنهم لجئوا إلى القضاء الذي أمر بوقف تنفيذ الإزالة، والذي لم يعترف به المأمور منذ أيام وقام بتمزيقه بمجرد إبرازه واحتجز الباعة المعترضين في سيارة الشرطة" بوكس" إلى حين الانتهاء من عمله، مضيفًا:" الله يرحمك يا ثقافة، دي مذبحة الثقافة بالإسكندرية". وقال ان المستأجرين سددوا القيمة الإيجارية حتى شهر ديسمبر القادم ولا تداينهم الحكومة بأي شئ، خلافًا لما تدعي الهيئة، مضيفًا:" رئيس الهيئة كان نايم في التكييف واحنا بنموت وواقفين للإخوان، كانت فين الشرطة وقتها"، مطالبًا بعودة الأكشاك كما كانت لأصحابها بعد إصلاحها على نفقتها مخربيها. وأكد حسونة أنهم لديهم كافة المستندات التي تثبت أحقيتهم في الأكشاك من عقود إيجار مدفوعة القيمة ووصولات وفواتير، أما فيما يتعلق بمطالبة الهيئة له بتغيير نشاطه فقال:" احنا بننشر العلم مش تقول لي نبيع كبده وحاجة ساقعة". وشدد أحمد فوزي، أحد المستأجرين، على أن جميع الأكشاك المزالة تسدد دوريًا كافة الفواتير من كهرباء وغاز، فضلاً عن الضرائب والتأمينات ولديها سجل تجاري. سناء محمد، تعمل بإحدى شركات الاتصالات، ووصفت المحال التي تتوسط ميدان محطة الرمل، بأنها علم من علامات محافظة الإسكندرية، والتي يعد من أشهرها محل "جوجو" لبيع الفشار- أحد أنواع التسالي- متعجبة من القرار الذي اتخذ بدون دراسة خاصة وأن تلك الأكشاك لا تشغل الطريق، مضيفة:" ده تراث محطة الرمل والمصيفين بييجوا على حسها". وعن الادعاءات بأن الميدان محاصر بالبلطجية وممارسي السرقة بسبب هؤلاء الباعة، قالت محمد ان تلك الأكشاك مجاورة وعلى بعد خطوات معدودة من نقطة شرطة محطة الرمل، فكيف يتواجد البلطجية في حضرة الشرطة. واعترض المهندس نبيل عطية، أحد شهود العيان، على إزالة الأكشاك لكونها لا تمثل عائقًا مروريًا ولا تشكل خطرًا على المنطقة أو قلقًا من أي نوع كان، مطالبًا الحكومة أن تضع على أولوياتها البحث عن ممارسي البلطجة في المقاهي وليس بين الكتب، موجهًا تساؤل ل هاني المسيري، محافظة الإسكندرية:" لما البلد غرقت ساعتين بشوية مياه، كنت فين.. و وانت صغير كنت بتنزل محطة الرمل تاكل فشار من فين". وتابع:" انت بتزود معدل الجريمة، لو قدرت تمشي على الرصيف الثاني من القهاوي ابقى شوف، هو جاي على الغلابة اللي بيبيعوا كتب والمتسولين بيبيعوا مخدرات وسايبينهم" موضحًا أن الجهة المقابلة لباعة الكتب المزالة يوجد بها العديد من المقاهي الشعبية والتي تفترش الرصيف بالكامل ويقصدها البلطجية دون أدنى تدخل من الحي أو المحافظة. " حسبي الله ونعم الوكيل" رددتها أماني إمام، من أهالي الإسكندرية وشاهدة عيان على عملية الإزالة، عدة مرات وهي تقف متجهمة أمام الكتب التي ملأت الرصيف والمحال التي أغلقت بالطوب الأحمر وأصحابها الذين ظلوا يلملمون أشلاء سلعهم الثمينة، متعجبة من حجة الحكومة من إزالتها بالحفاظ على الشكل العام، وذلك بقولها:" ده حتى الشكل العام هايبقى ظلمة". وتسائلت عن المستفيد من هذا الفعل بحجة تنظيف الميدان في الوقت الذي تترك فيه أماكن أخرى تستحق التطهير دون أن تمسسها الحكومة بسوء، معتبرة أن من يقوم بذلك لا ينظر إلى أرض الواقع إلا من فوق وعليه النظر من أسفل على ما يحدث، وإذا كانت تسعى للمصلحة العامة فعلى سبيل المثال فإن سقف منزلها سقط فوق رؤوس قاطنيه فأين كان الحي من تلك الكارثة- على حد قولها. لم يختلف رأي أميرة مجاهد، مدير قصر ثقافة الشاطبي، عن رأي رجل الشارع المتضرر من إزالة أحد أهم وأقدر عناصر الثقافة بالإسكندرية، واصفة شعورها تجاه ذلك الفعل ب" المؤلم" وهو ما يشعر به كافة السكندريين بالأحرى، وكأن التاريخ يعيد نفسه في واقعة أكشاك شارع النبي دانيال التي واجهتها نفس المشكلة حينما تعرضت للإزالة من قبل الحي وبعثرة الكتب في مشهد يعيد نفسه الآن. وأضافت ان المشهد الذي ينم عن عدم إدراك القيمة التاريخية لتلك الأماكن ومدى ارتباط الشارع بها أثار غضب المواطن ليس السكندري فقط، بل والمصري بصفة عامة، فالحكومة تنظر إلى تلك الأكشاك من منظور ضيق، ألا وهو كونها" أكشاك" وبالتالي فإنها تحدث تنافر بينها وبين الحضارة، دون إدراك للقيمة والمكانة التي تشغلها تلك المساحات المحاطة بالصفيح والمليئة بالثقافة والتراث والمعلومات المختلفة والمتعددة في مجالاتها بأقل التكاليف لتكون متاحة لرجل الشارع البسيط، مساهمة في تثقيف بدلاً من تسطيحه. واعتبرت أن هدم أكشاك الكتب وكذلك الفيلل والمباني التاريخية العريقة بالإسكندرية هما وجهان لعملة واحدة بائسة، وهي عملة تجريف الهوية والتراث السكندري، وأنهت تعليقة ب:" وإن لم تستح فافعل ما شئت". ويعد ميدان محطة الرمل هو الخريطة وملتقى مواطني الإسكندرية وزوارها من المصيفين ممن يأتون إليها سنويًا، والمبنى الذي يضم في قلبه مجموعة الأكشاك التي تعرضت للإزالة منذ أيام، يشبه في تصميمه المبان الأوروبية العريقة كما هو حال معظم العقارات المحيطة به، وهو ما يليق بالطبع مع تداول الكتب والجرائد التي يصعب الحصول عليها من أي مكان آخر، بيعًا وشراء. أدى تجاهل المسئولين للحدث إلى غضب الباعة والمتضامنين معهم من أهالي الإسكندرية، وخاصة منطقة محطة الرمل والمثقفين، ما دفعهم إلى التجمهر أمام موقع الأكشاك والكتب التي مازالت متراكمة على الرصيف، عقب صلاة الجمعة أمس، وبدأ كل منهم في اتخاذ موقعه على الرصيف لقراءة كتاب يختاره، ولإعلان رفضهم لتغيير الواجهة الحضارية التي تتميز بها المدينة وتمسكهم بتراثها والحفاظ عليه. إلا أن قسم شرطة العطارين، التابعة له محطة الرمل كان له رأي آخر، فطالب المتضامنون بترك المكان بحجة أن القراءة ممنوعة بنص القانون في حرم الطريق، وإلا فإنها ستفضها بالقوة بمقتضى قانون التظاهر، وهو ما أثار استياء المشاركين- وذلك بحسب شهاداتهم. يذكر أن شرطة المرافق قامت بحملة إزالة لأكشاك الكتب بشارع النبي دانيال في شهر سبتمبر من عام 2012، ثم قام حي وسط بنفس الفعل في شهر أبريل من العام الجاري، لتعود الكرة للمرة الثالثة وتشير هيئة النقل العام بأسهمها على بائعي الكتب والمجلات بميدان محطة الرمل.