من يكذب أكثر.. السياسيون في الأنظمة الديموقراطية أم الديكتاتوريون؟.. هذا السؤال هو محور كتاب الباحث الأمريكي جون ميرشيمر ..الذي أثار كتابه السابق عن تأثير اللوبي الصهيوني في واشنطن علي السياسة الخارجية للولايات المتحدة زوبعة لم تهدأ بعد .. كتاب ميرشيمر الجديد هو »لماذا يكذب القادة- حقيقة الكذب في السياسة الدولية«.. يقدم جوابا مفاجئا .. وهو أن زعماء الديموقراطيات الغربية يلجأون بشكل مستمر إلي تضليل الرأي العام والكذب علي الناخبين .. أكثر من قادة الأنظمة المتسلطة!.. وفي رأيه .. فإن السبب يكمن في طبيعة النظام الديموقراطي نفسه .. والذي يجبر السياسيين علي التفاعل المستمر مع الناخب والرأي العام طلبا للدعم والإسناد ..خاصة عندما يتعلق الأمر بسياسات مثيرة للجدل كالدخول في حرب .. ويري ميرشيمر أن السياسيين يكذبون علي شعوبهم في الديموقراطيات الغربية أكثر مما يكذبون علي بعضهم البعض .. بل إن اللجوء إلي الكذب والتهويل والتضليل يعد أمرا مقبولا للتأثير علي الرأي العام بغرض إستغلال عامل الخوف .. بالطبع .. فإن المثال الأكثر تداولا اليوم هو لجوء إدارة الرئيس بوش الإبن إلي الكذب والتضليل حول إمتلاك نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل مهددا بذلك العالم الحر.. ولولا تعظيم بوش لخطر صدام لما وافق الكونجرس علي منحه صلاحيات واسعة لشن حرب علي العراق بدعم من الرأي العام والصحافة الطريف في الأمر.. حسب ميرشيمر.. أن الأنظمة الديكتاتورية ليست مضطرة لإستخدام هذه الوسائل.. لأنها قليلا ما تحترم الرأي العام أو تنتظر دعمه.. لكنها تلجأ إليه في الأوقات العصيبة كإتهام الرئيس السابق مبارك قبل خلعه بوقوف عناصر أجنبية خلف مظاهرات ميدان التحرير.. وكذلك الأمر اليوم بالنسبة إلي ما يحدث في سوريا .. لكن كل الأنظمة تتشابه في تبجيلها وترويجها لما يسميه ميرشيمر بالأساطير الوطنية لتعظيم شأن الدولة أو النظام في نظر الشعوب .. في ليبيا أضفي العقيد علي نفسه صفات كالثائر والمحرر وصاحب النظرية الثالثة وعدو الإمبريالية الأول !.. وفي المقابل فإن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة منزهون في نظر الشعب الأمريكي .. ويري ميرشيمر أن بعض الكذب قد يكون مبررا .. فروزفلت وتشرتشل ضللا العالم بتصوير ستالين علي أنه زعيم طيب لتبرير تحالفهما معه ضد النازية.. والرئيس كينيدي كذب علي شعبه عندما أنكر أن يكون قد عقد صفقة مع الروس يتم بموجبها سحب صواريخ أمريكية من تركيا في مقابل سحب موسكو صواريخها البالستية المنشورة في كوبا .. وبذلك تم نزع فتيل حرب نووية .. لكن النوايا الطيبة لا تكفي .. ولجوء القادة الغربيين إلي الكذب والتضليل بهدف تمرير سياسات خلافية يهدد مستقبل الأنظمة الديموقراطية ويفقد الناخب ثقته في مصداقية مؤسسات الدولة .. الصحافة الحرة وحدها تضمن حسن تصرف السياسيين .. لأنها تنبش ملفاتهم وتفضحهم ولو بعد حين !.