علي مدي عهود ثلاثة ثبت أن الاستئثار بالسلطة هذا ما يخلق الاستبداد وما يتبعه من قهر وما يؤدي بالمقهور الي التسليم .. شعب بالكامل تحول الي التسليم، انكمش خوفا وارتكن علي اللا مبالاة والتحق الناس بمدرسة المشي جنب الحيط، فمشي شعب وعاش (لنصف قرن) جنب الحيط وهذه هي العلة الحقيقية التي ادت لافساد الجسم كله. علة العلل، وما ضرب في جسم النظام الحاكم علي مدي العهود الثلاثة و أفرخ سائر العبر والمساويء التي لحقت بالبلاد علي مدي نصف القرن الاخير. هذا أصل العجز وانعدام القدرة علي الانطلاق مثل غيرنا من أمم كانت خلفنا أو مثلنا وتقدمت وسبقتنا بمراحل ..العلة في السلطة المقيمة ولا تبارح من يمسك بها، هو الجمود من كل الوجهات .. ولأن السلطة دوما، وعلي كل مستوي، تجذب بطانة من المتحلقين حولها المتقربين اليها المحسوبين عليها ، فهؤلاء يتحولون مع مرور الوقت الي منتفعين، وهؤلاء المنتفعون من دوام السلطة وبقاء أي نظام يعرفون عالميا يطلق بفئة (أوليجارك) و غالبا ما يكونون هم أس البلاء وجالبي الكوارث ومصدر الفساد، فهم المتشبثون المقاتلون الحقيقيون للتغيير وأمامنا اليوم النموذج والمثال .. لهذا اتفقت جميع الدساتير للدول الديموقراطية علي تحديد مدد الرئاسة، ضمانا لتداول السلطة من جهة وانعدم الفرصة امام تكوين مراكز قوة من جهة اخري.. لهذا السلطة في البلاد المتقدمة أشبه بالباب الدوار مما تجده في مداخل الفنادق، لفة واحدة، ثم تعود للشعب فإما يبيح لفة أخري او يمتنع وغيره يدخل .. هكذا السلطة يجب أن تكون ضيفا خفيفا يأتينا عن طريق صندوق الانتخاب بل ويحسن ألا يقتصر فقط علي رئاسة الدولة بل لمعظم مناصب الخدمات العامة.. كل يعلم انه جاء بإرادة من انتخبوه، تاركا موقعه بميعاد موقوت. في الأيام الاخيرة تفاوتت الآراء وتباينت بنحو بائن، بين مؤيدين لبقاء الرئيس مبارك لنهاية مدة الرئاسة، ومن يصرون علي ان يتنحي عن الرئاسة (الآن) واحسب ان هذا هو وجه الاختلاف الحقيقي وما عاد من سبب آخر. انما الملاحظ في العموم ان لا هؤلاء ولا أولئك يدركون أو يعلمون بالمأزق الحقيقي الذي توضع فيه البلاد اذا ما ترك الرئيس مبارك منصبه - الآن - كما يطلب البعض ولا البعض الآخر الذي يصمم دون أن يدري العواقب أن علي الرئيس ان يتنحي الآن ... هذه مسألة واقع الامر ولمن يعلم، مسألة تتجاوز الأصول المرعية وواجب الحفاظ علي كرامة الرئيس والتي هي من كرامة البلاد ...الموضوع ليس مجرد عاطفي تجاه رئيس خدم مصر وقدم الكثير، بل هي في صميم المصالح العليا للبلاد .. ولهذا ادعو وألح بضرورة التفسير وشرح الضرر الدستوري الذي يعرقل ما نتطلع اليه جميعنا، لو حدث وقرر الرئيس أن يترك الرئاسة قبل تعديل المواد المطلوبة في الدستور.. رجاء اعادة الشرح والتفسير لمن لا يعلم بعد خصوصا هؤلاء الشباب الذين يستلهمون علي ما يبدو ما حدث في تونس وما بين هذه الظروف وتلك شتان ! شيء آخر : لو لم تلحق البلاد ثورة الشباب هذه وبقيت احوال البلاد علي ما كانت عليه، لوقع في المستقبل غير البعيد انفجار اجتماعي شديد السوء، فالأحوال كانت ماضية لكارثة اجتماعية أكيدة، يراها بوضوح كل من ينزل الشارع المصري ويحتك بشرائح المجتمع .. الجوع كافر يا كل من تقرأوا وتعوا و تعرفون العواقب .. هؤلاء المتعلمون المتنورون الذين قاموا بثورتهم بغرض ارساء قواعد نظام جديد انقذوا البلاد في واقع الامر .. لذا فارساء دعائم "عدالة اجتماعية " بقواعد مؤسسية لمجتمع مستقر موضوع أساسي، و شأن يأتي من حيث الاهمية بعد تعديل الدستور ومع الانتخابات الجديدة لمجلس الشعب .. ننتظر أن يكون بين برامج المرشحين نهج عصري لأسلوب توزيع الثروة وفق ما يجري في كل المجتمعات التي نقلدها ونستورد منها سائر احتياجاتنا ..من باب اولي نستورد ركنا أساسيا من أركان المجتمعات المستقرة .. بمعني توزيع عادل للثروة بنحو واع ومعقول .. وهذه بالتحديد نقطة ضعف أساسية ربما ليس له من مثيل بين دول العالم المتقدم غربا وشرقا .. من أمريكا وكندا وأوروبا غربا الي الصين واليابان شرقا، وان كان هذا شأنا آخر لابد والعودة اليه قريبا. كلمة اخيرة : نحن جميعنا مصريون، لنا حقوق متساوية كمواطنين، ولا نريد لأحد ان يتجاوز حدوده وينسي أن هذه هبة وطنية قام بها الشباب ولا فضل من احد علي احد، ولذا لا يعطي احد لذاته حقوقا ليست له، أعني يحاول تقسيم الناس أو فرزهم، حسب انتماء اجتماعي او اقتصادي أو فئوي، فنعاود لعهد مراهقات سياسية سخرنا منها فيما بعد .. لا نريد لتعبيرات مثل عهد بائد وعهد ثوري، ولا أهل ثقة أو مثار شك، بل قواعد جديدة ويلتزم بها المجتمع كله ولسنا بأقل من المجتمعات الاخري المتحضرة.. كل له الحق أن يعمل في مجاله ونحافظ عليه ولا نفرط ، المخطيء فقط من يعاقب وبعدالة .. ولكم استبشرنا بحديث نائب الرئيس عمر سليمان عندما أعلن أن الحوار يشمل الاخوان كذلك عندما سئل في ذلك، لأن المغزي عميق، ومعناه ان التغيير حقيقي، وان كل هذا المجتمع المدني الذي خرج أخيرا من القمقم كفيل بأن يحمي نفسه ضد أي من يحاول ان ينحرف عن الدستور، انتهت اللا مبالاة. تبخر الخوف.