د. سعىد عبد العظىم مع كآبة الواقع يكون الفرار إلي الذكريات وإلي استحضار الزمن الجميل واللحظات والخواطر التي تخفف من لوعة ومرارة هذا الواقع، وكل إناء بما فيه ينضح، فالزمن الجميل عند البعض هو زمن الأغاني القديمة والأفلام الرومانسية، أو هو زمن الصبا واللعب مع بنت الجيران، وعلقت إحدي الصحفيات علي مسلسل أسمهان فقالت (كانت المرأة منذ سبعين سنة تشرب الخمر وتلعب القمار، حتي أتي من يحرم علي النساء الماء والهواء). فالتحلل ومخالفة الشرع ومصادمة العقل والفطرة هو التطور والتحضر والزمن الجميل، أما الحجاب والصلاة فهو التخلف والرجعية والعودة إلي عصور الظلام!!!! وهكذا فأنت تري التفاوت في تقييم الزمن الجميل كما بين السماء والأرض، ولذلك نحتاج لضابط وميزان ومقياس يوضح لنا ما هو الزمن الجميل، حتي لا تنقلب الموازين ونري الحرام حلالا، والقبح جمالا. إن من أعظم اللحظات في عمر الإنسان هذا التوقيت الذي يسلم الإنسان فيه وجهه لله، وينتقل من الكفر إلي الإيمان، وكأنه وُلِدَ من جديد. قال تعالي " أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها" وقال "وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب والإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا". من أجمل اللحظات لحظة التوبة والهداية وسلوك طريق الإيمان، والتوفيق لطاعة الوقت، فربما كانت لحظة وفاتك وخاتمة المسك بالنسبة لك، وإنما الأعمال بالخواتيم، وقد قال العلماء (إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر أين أقامك)، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. قرأت أن صاعقة أحرقت كوخا في غانا، ووجدوا بالكوخ زانيين، ولم تحرق الصاعقة إلا هذا الكوخ، لقد توهم البعض أن الزني والرقص والخمر لحظات نشوة وسعادة، وهي في واقع الأمر وحقيقته لذة ساعة وألم دهر، أين الصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالي، وكان النبي ذ صلي الله عليه وسلم ذ إذا حزبه أمر فزع إلي الصلاة، وقال أرحنا بها (أي بالصلاة) يا بلال، وكان يقول (وجعلت قرة عيني في الصلاة) قال تعالي: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" وقال "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمي". ماذا يقول المتكلمون عن الزمن الذي بُعِثَ فيه الأنبياء والمرسلون "أولئك الذين هدي الله فبهداهم اقتده "، هؤلاء اصطفاهم ربنا واجتباهم لتعبيد الدنيا بدين الله، وما من نبي إلا وقال لقومه اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، فمن تبعهم سعد ورشد، ومن خالفهم تعس وشقي في الدنيا والآخرة. ابتعث الله الأنبياء لإخراج العباد من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة، ومن جزر الأديان إلي عدل الإسلام. لا أُغالي لو قلت أن أجمل الأزمان وأسعدها وأفضلها هو الزمن الذي بُعِثَ فيه رسول الله ذ صلي الله عليه سلم ذ فقد هدي الله به من الضلالة، وبَصَّرَ به من العمي، وأخرجنا الله به من الظلمات إلي النور، هو سيد ولد آدم وأكرم وأشرف مخلوق "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" وقد وصف سبحانه هذه الحقبة بالخيرية فقال: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" وقال صلي الله عليه وسلم (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) والواجب أن نكون علي مثل ما كان عليه النبي ذ صلي الله عليه وسلم ذ وصحابته الكرام. فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف، وما لم يكن يومئذ دينا فليس باليوم دينا، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.