مها عبدالفتاح التساؤل حتي وقت قريب كان مصر رايحة علي فين ؟ الآن تساؤلهم " موجع " لأنهم يتساءلون : كم بقي أمام مصر لتصحو يوما لتجد فيه حكومتها عاجزة عن تدبير مرتبات العاملين في الدولة ! ملاحظات من هذه النوعية تتردد في الخارج، أعمد لتسجيلها رغم قسوتها، حتي لا نغفو أو نتغافل ونفيق! لعل وعسي نسارع لايجاد حلول، ولن تعجز العقول عن ايجاد الحلول .. هذا لو أخلصنا و فتحنا الصدور والابواب أمام كل من يستطيع أن يخدم بلاده في هذا الظرف العصيب! يوجع النفس ما تقرأ عن احوالنا كما يرونها في الخارج . ما يقيمونه ويقولونه ويتوقعونه حتي ليصعب أن تقطع ان كان هذا كله كابوسا سنستيقظ منه، أم أن ما يحدث هذا نتيجة تآمر ضدنا، أم تري هو نحن وما صنعنا بانفسنا ؟! أعني تحديدا هذه الازمة المستحكمة بين الحكم والمعارضة ولا تنفرج .. لو كانت مجرد عناد فحسابها عسير، فالعاقبة الدم الغالي يراق علي قارعة الطريق ! مفهوم أن مشكلة الرئيس محمد مرسي تكمن في كون مصداقيته مرتبطة فقط حتي الآن أمام الاخوان بهذا الدستور الهدية لهم وللتيار الإسلامي .. إذن لو قبل بتعديله أو بالتفاوض حوله سيواجه بمعارضة شديدة داخليا من الاخوان، ان لم تكن ثورة ضده من داخل الجماعة .. واضح كذلك أن استجابة طرف لمطالب الطرف الآخر، الرئيس أو المعارضة ليس بالامر الهين علي ايهما ومع ذلك .. ادارة الازمات الشداد تحتاج لمنهج مختلف تماما عن موقف العناد الحالي .. فلا مفر من تنازلات و تقابل في منتصف الطريق . الدنيا تغيرت وليس بامكان احد أو جماعة ولو جاءوا من الصندوق (حسب التعبير الشائع) أن يحكموا في هذا العصر شعبا بالنبوت ! لا مفر اذن من مواجهة واقعنا الحالي وانقاذ الموقف بقدر ما نستطيع.. وكخطوة أولي يمكن البدء باتفاق الطرفين علي برنامج مشترك لمواجهة الأزمة الاقتصادية الفادحة التي تنتظر البلاد ، لأن كل الدراسات وتقارير الباحثين في الخارج تشير الي ازمة خانقة متوقعة ستواجه البلاد. احتمال انضمام مصر الي قائمة دول مصنفة عالميا كدول "فاشلة" احتمال وارد. دولة فاشلة هو المرادف المخفف المتعارف عليه عالميا كناية عن الافلاس.. باعتبار الدول ليست كالأفراد يعلن افلاسها! دعونا نتساءل: لم لا نجد العالم يقف معنا يساعدنا هذه الآونة، يدعمنا بنحو فعال؟! اذا عدنا الي شهر مايو 2011 بعد نحو أربعة شهور من الثورة ، نجد اتفاقا من زعماء قمة الدول الصناعية الثمانية الكبار المجتمعين في فرنسا، بأن يقدموا لمصر وتونس 20 مليار دولار مجمل معونات عاجلة.. بل وتطوع مضيف المؤتمر الرئيس السابق ساركوزي وزايد في تصريحه للاعلام علي قرار الرؤساء فقال ان المحتمل مضاعفة العشرين مليار! واليوم نتساءل أين هذا من واقعنا الآن! لنكون منصفين، لابد ونقر بأن الازمات الاقتصادية المتلاحقة تباعا في عدة دول اوروبية، تعوق ولو لحد ما، فلا احد يحتمل حاليا في أوروبا اي اشارة إلي مليارات ! انما نحن لا نجد من يساعد ولا حتي بعقد المؤتمرات بحثا عن الافكار والحلول أو الدعم حتي بالكلام .. كما انه وبعد انتشار (الفيديو اياه ) وما قاله الرئيس مرسي عن اليهود تبدو استحالة ان يوافق الكونجرس علي اي مساعدات اضافية لمصر وبلاها أحسن، فهم من فرضوا علينا منذ التسعينات هذا النظام الاقتصادي ! ويقيني دوما ولا يزال منذ اندلاع الثورة و من قبلها، أن النظام الاقتصادي الذي لا يراعي العدالة الاجتماعية لا يكفل للثروات أمان . أذكر في هذا المعني قولا فيه عبرة سمعت به من سفير البرازيل السابق في معرض حديث معه، كان عن القفزة الاقتصادية التي حققتها البرازيل في سنوات معدودة .. قال المثل البرتغالي يقول : لو خيروك بين خاتم في اصبعك نقدمه باختيارك، او الحصول علي الخاتم عنوة بقطع الاصبع .. ماذا يكون الاختيار ؟! ثم لا يجب علي احد أن ينسي او يتغافل عن واقع الثورة المصرية والتي لولا الملايين التي انضمت اليها لما تحولت الامور من تظاهرة احتجاجية " لطليعية شبابية " الي ثورة شعبية عارمة من كل طوائف الشعب ! وأنه لولا الاحوال المعيشية الصعبة بسبب افتقاد العدالة الاجتماعية لما نزل المصريون بكل تلك الكثافة..فرغم أن معدل التنمية كان جيدا، الا أن ثمارها لم تصل ابدا الي القاعدة العريضة او السواد الاعظم من الشعب . هنا بيت الداء وهذا هو الدواء ! العالم يتوقع عواقب اقتصادية وخيمة لو استمرت الاحوال بنحوها الحالي .. شبح المجاعة يلوح . ويصعب كثيرا علي النفس متابعة ما يرد عنا، فتقرأ لمن يقولون الاغاثة الانسانية أجدي: قمحا لمصر أجدي من طائرات ف 16!! مع ذلك كله فالخطر ليس اقتصاديا فقط ، الخطر يأتي أيضا من الحدود . حدودنا مع ليبيا ومع السودان أصبحت مرتعا لكل نوعيات السلاح وسيناء أصبحت بؤرة لشتي أنواع الارهابيين ، وملعبا لشتي ألوان من يطلق عليهم بالجهاديين .. سيناء أصبحت مصدر خطر و أكيد علي أمن مصر والعسكرية المصرية لو تركت بهذا النحو من التساهل او التسمح أو سمها ما تشاء ! وقبل ان ننهي هذه السطور علينا أن نسأل انفسنا : ما الذي تحقق من مطالب الثورة حتي الآن؟ ليس غير الفوضي والعنف و هدم في مؤسسات الدولة وعمليات انتقام واتهامات متبادلة وفصائل وأشتات متناحرة .. فلا ديموقراطية حققنا، ولا عدالة اجتماعية، بل ربما الحال أسوأ و أكثر قتامة ولا حتي ضوء يلوح في الأفق! مؤكد التطور هو للأسوأ لو استمرت الاوضاع علي ما هي عليه .. هل ننتظر الانفلات الشامل ؟ معناه أن تقوم حرب أهلية لا يضمن فيها أحد من ينضم فيها الي من .. اذن انقاذ الموقف الآن هو انقاذ للبلد و للشعب هذا أو تؤدي الامور بالضرورة لمن سيدفع بالطرفين معا الحكم والمعارضة خارج الساحة! نسجل هذا لعل و عسي أن تغلب مشاعر انقاذ الوطن، علي نوازع السلطة والحكم هذا والا سنقع جميعنا في الهوة ! اما يسود الاعتدال او تتحرك الأرض بنا نحو دائرة مغلقة يعرفها أطباء النفس بأنها حالة تدمير الذات !