وكأننا في مباريات التصفية للفوز بكأس إحراق مصر وإراقة دماء أهلها واستنزاف طاقات اقتصادها.. المباريات بين فرق الإخوان المسلمين وفرق المعارضة.. المشاهدون نحن الذين نري أوضاع البلد تتدهور وشلالات الدماء تنهمر وأركان الدولة تتهاوي. كل اللاعبين خاسرون.. المشجعون هم كل الشياطين "الخرس" الذين كتموا الشهادة ولم يقولوها للفرق المتناحرة والمتنافسة علي خراب البلد "اتقوا الله في مصر".. والفائزون هم من راهنوا علي أن المصريين لن يحتاجوا إلي قوة خارجية لكي تحرق مصر وتحرق قلوب المصريين عليها.. وإنما "منهم فيهم" سوف يتولون المهمة ويضربون فيها أرقاماً قياسية.. النتيجة صفر كبير في ممارسة الديمقراطية وإدارة السفينة نحو شاطئ الأمان. نسي الجميع قواعد اللعبة.. وانحرف الجميع عن المرمي وشبكة التصويب. وراحوا يسددون في "الآوت". أي خارج "الجون". أي بعيداً عن المنطقة التي اتفقنا جميعاً علي أنها بؤرة التقاء أهداف الثورة. في النهاية اكتشفنا أن "مصارين" البلد تتعارك. وأن دم المصري علي المصري لم يعد حراماً. وأن قلب المواطن علي أخيه المواطن وعلي منشآت الوطن ميت.. اخترعنا الفتاوي والتشريعات التي تزين لنا سكة الندامة: القتل وسفك الدماء حلال فاقتلوا أعداءكم من الفريق الآخر حيث ثقفتموهم. ولا تأخذكم بهم رحمة أو شفقة.. والحرق والفوضي والتخريب وسائل ضغط مشروعة. وهدم أركان الدولة وزعزعة أمنها واستقرارها واجب قومي فاضغطوا ما استطعتم حتي لو حولتموها أنقاضاً وأطلالاً. السؤال: علي من تقع المسئولية؟!. علي الإخوان ومؤسسة الرئاسة. أم علي المعارضة بكل فصائلها؟! الإجابة: علي الجميع.. الكل مشارك في حالة الفوضي.. الإخوان لا يتنازلون والمعارضون يصعدون. ومؤسسة الرئاسة القابعة في كابينة قيادة الطائرة في حالة ارتباك ولا تأخذ قراراً إما بالاستمرار بالطيران نحو محطة الوصول. أو الهبوط الاضطراري الآمن في أقرب مطار.. التشويش في كابينة القيادة تجاوز المدي.. فريق مثل الشنيور يزن ويثقب رأس الكابتن ويلعب له في البوصلة ويحدد له الاتجاهات.. وفريق آخر غير راض بالمرة عن الكابتن ولا طاقم القيادة وغير مقتنع أساساً بالبوصلة أو معترف بصحة وسلامة الاتجاهات يريد تياراً جديداً. وطاقماً مختلفاً وبوصلة أخري تدور إبرتها في المجال المغناطيسي الذي يحدد مواصفاته. والطيار حائر.. يطير بدماغه أم بدماغ أحد الفريقين.. في الوقت نفسه لو لم يتخذ قراراً سريعاً لمصلحة الجميع وليس لمصلحة جماعة أو فريق ستدخل الطائرة في منطقة التشويش وانعدام الرؤية وتصبح الكارثة قاب قوسين أو أدني. يتساءل الناس: وما الذي فعله الدكتور مرسي بعد أن بلغت الفوضي منتهاها؟!. ووصل العنف إلي أعلي سقفه؟!. إلي متي الانتظار؟!.. لا يكفي أن يدعو الرئيس إلي حوار وطني علي بياض لمجرد أن يغسل يديه أمام الشعب ويقول اللهم بلغت اللهم فاشهد.. فمن حق المتحاورين أن يعرفوا أجندة الحوار. ومن واجب مؤسسة الرئاسة أن ترسل رسالة طمأنة تفيد بأن الحوار سيكون مثمراً. وأن كل الإطراف عليها أن تتنازل من أجل الوصول إلي صيغة توافقية من أجل مصلحة الوطن وليس من أجل صالح فصيل واحد منه فقط. من أجل هذا تفضل الأطراف المختلفة عدم الجلوس علي طاولة الحوار. وكأن الحوار سيفسد عليهم متعتهم بالوضع الذي عليه حال البلد.. الإخوان لا يريدون أن يتنازلوا عن شيء. فالغلبة لهم والحكومة لهم والرئاسة لهم والدستور لتمكينهم. ومن أخذ ليس عنده أدني استعداد لكي يعطي أو يتنازل.. والمعارضة تفهم ذلك وتدرك أنها ستعود من الحوار بخفي حنين. لذلك تصوب سهامها نحو القمة علها تصل سفح الجبل. بأن تفرض شروطاً تعجيزية. فتطالب بانتخابات رئاسية مبكرة. وهذا بالطبع مرفوض من قبل الرئاسة والإخوان. بل هو بالنسبة لهم المستحيل الرابع بعد المستحيلات الثلاثة "الغول والعنقاء والخل الوفي". وتطالب كذلك بحكومة إنقاذ وطني تضم كل الأطياف.. وهذا أيضا مكروه من الإخوان. فحسب نظرية "أخدت عجلها ومددت رجلها" لا يجوز للجماعة بعد أن تمكنت وتوغلت وتغلغلت أن تتنازل عن "فتفوتة" تراها حقها. أيضا تنادي المعارضة بإعادة النظر في الدستور.. والإخوان ينظرون إليهم في دهشة. ويقولون: الدستور حتي لو كنا فصلناه علي مقاس أهدافنا ومصالحنا. فالشعب الذي هو مصدر السلطات قد وافق عليه في الاستفتاء. وقال "بالفم المليان" نعم.. فكيف وانتم تؤمنون بالديمقراطية لا تأخذون بأسبابها وتريدون أن تفصلوا الدنيا علي هواكم ومزاجكم؟! وهكذا استراحت المعارضة لأنها من وجهة نظرها "عجزّت" الإخوان ومؤسسة الرئاسة. فهي تريد أن تتحاور. ولكن الطرف الآخر لا يريد أن يتنازل.. والإخوان ومؤسسة الرئاسة علي الجانب الآخر يرون أنهم أحرجوا المعارضة. فالرئيس مرسي بنفسه خرج بعد اندلاع أحداث العنف في ذكري الثورة يدعو الجميع للحوار. لكن كثيراً من المعارضين امتنعوا. العنف يتزايد.. وشلالات الدماء تتدفق.. وأعداد القتلي والمصابين تتزايد والفوضي والتخريب يعم معظم محافظات القطر.. بينما أي من الأطراف المتناحرة لا يريد أن يتنازل أو يبدي مرونة من أجل الإنقاذ. نفس نظرية تعامل عنترة العبسي مع خصمه وهي الرهان علي قدرة الاحتمال.. سألوه كيف تنتصر علي خصمك؟!.. أجاب: كان يضع أصبعه في فمي. وأضع اصبعي في فمه. هو يعض ويضغط وأنا أعض وأضغط ومن يصرخ أولاً يخسر الجولة. اللعبة بين الإخوان والرئاسة والمعارضة مستمرة.. كل طرف يعض اصبع الآخر. بينما مصر هي التي تصرخ والمصريون يولولون علي أبنائهم ضحايا الصراع. وعلي أحوال بلدهم -التي إذا لم يسرع الجميع لإنقاذها- سندخل في مهب الكارثة والضياع. والفجيعة أن الحكماء يقلون بينما المؤججون للصراع ينشطون مقابل مبادرة أو مبادرتين للحوار العاقل البناء. نجد آلاف الدعوات للتسخين والتصعيد والفوضي والعنف.. وما يدعو للدهشة أن بعض رجال الدين الذين يفترض أنهم سينبهون الأطراف المتصارعة إلي خطورة ما يفعلون وأضرار ما يرتكبون. نجدهم يصبون الزيت علي النار حتي تشتعل الدنيا ويكتوي الجميع بنار الفتنة. أحد الشيوخ خرج علي المشاهدين في إحدي القنوات الفضائية ليقول: إن جبهة الإنقاذ بقيادتها التي تبحث عن الكرسي الآن حكمها في شريعة الله القتل في صحيح مسلم وفي سنن الترمذي وعند أحمد.. إذ يروي الإمام مسلم من حديث عبدالله بن عمر: "ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر". ويستطرد قائلاً: إن النووي يشرح الحديث بقوله: إن معني إن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر. هو ادفعوا الثاني فإنه خارج علي الإيمان. فإن لم يندفع إلا بحرب وقتال فقاتلوه. فإن دعت المقاتلة إلي قتله جاز قتله ولا ضمان فيه لأنه ظالم متعد في قتاله. بعد ذلك يقوم فضيلة الشيخ بتفصيل الحديث علي جبهة الإنقاذ بقوله: الدليل علي كلامي أن أكثر من رجل من جبهة الإنقاذ وعلي رأسهم البرادعي وحمدين تكرر علي لسانهم أكثر من مرة إسقاط الدكتور مرسي. وأنهم يسعون لانتخابات رئاسية. وقد رفضوا الدستور لأنه لم ينص علي الانتخابات المبكرة. أضاف أن البرادعي وحمدين قد أكدا في أكثر من برنامج تليفزيوني أنهما لن يسكتا حتي يسقطا الدكتور مرسي. وبالتالي هما مخربان ولا يبحثان عن الوطن ولا عن الأرض ولا عن مصلحة البلد. وإنما عن مصلحتهما. ويدعوان صراحة لما أسمياه "جمعة الخلاص".. والسؤال: الخلاص من من؟!. من رئيس بويع ومن حاكم منتخب بويع له؟! إذن فالتخلص من المعارضين وتصفيتهم هو الحل.. أبشروا نحن بذلك نسير نحو النفق المظلم.. وأنه وعلي غرار فتاوي مماثلة في تونس تم قتل شكري بلعيد سيتم عندنا إهدار دم بعض عناصر المعارضة. فينشط بذلك فيروس الفتنة. وندخل في خضم حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. ولكم فيما حدث في تونس موعظة يا أولي الألباب.. فبعد مقتل بلعيد القيادي في الجبهة الشعبية والأمين العام في حزب "الوطنيون الديمقراطيون" بواسطة قناص استهدفه بأربع طلقات نارية أمام منزله. قامت الدنيا ولم تقعد في تونس. فقد هاجم الآلاف مقرات حركة النهضة الحاكمة. وعمت الفوضي في الشوارع.. فهل هذا ما نريده لمصر؟! صحيح أن جماعة الإخوان أدانت عقب الفتوي إياها كل صور العنف والبلطجة والتحريض علي القتل من خلال بيان أصدرته علي موقعها.. وصحيح أن مفتي الجماعة الإسلامية قد رفض التصريحات التي خرجت من الشيخ. مؤكداً أن الاستشهاد بالحديث جاء في غير موضعه.. وصحيح أن معظم القيادات الإخوانية رفضت الفتوي ووصفتها بالأفكار الشاذة التي تهدف إلي إثارة البلبلة والفتن. لكن هذا لا يكفي.. فلا يكفي أن تتوقف جماعة الإخوان عند حد الشجب والإدانة. ولا يكفي علي الجانب الآخر ان يكون موقف جبهة الإنقاذ والأحزاب المعارضة هو تصيد الأخطاء للإخوان والشماتة فيهم "بمنطق عدوك يتمني لك الغلط".. نريد أن ينسي كل طرف خصومته مع الآخر وأن تغض الأطراف المختلفة الطرف عن المصالح الشخصية ونفكر فقط في مصلحة مصر. رفاهية الإدانة والشجب وتبادل الاتهامات بين المعارضة والإخوان لن تدوم طويلاً.. فالبلد قد دخلت في منعطف خطير من الفوضي والعنف ومن غير المعقول أن يظل الإخوان والمعارضة في مواقع المتفرجين.. لابد من خطوات عملية تبدي فيها كل الأطراف مرونتها وحسن نواياها في انفراج الأزمة. وإلا سنعض جميعاً أصابع الندم علي ما ارتكبناه في حق مصر وفي حق الثورة. الناس في تعليقاتها في المنتديات والشوارع والمقاهي ومواقع التواصل الاجتماعي يلومون الآن الإخوان والمعارضة معاً.. فكل طرف يريد أن يثقب السفينة. مؤكداً هذا مكاني وهذا حقي. ولا يدري أي من الطرفين أن المركب بذلك حتماً ستغرق بمن عليها.. هذا يريد وذاك يريد. لكن أحداً لا يعبأ ولا يهتم بالإجابة عن السؤال: مصر الثورة والثوار وجموع المصريين ماذا تريد؟!!.. "ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل". الحوار قبل فوات الأوان.. حتي لا يعض الظالم علي يديه.. ويقول: "يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً.. يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً".