واحد مثلي انتخب الدكتور محمد مرسي وظل ينافح عنه لا يجد اليوم في جعبته الكثير الذي يجعله يستمر في الدفاع عنه وتبرير عدم قدرته على الحكم الرشيد الذي كان متوقعًا منه ومن الحزب والجماعة التي ينتمي إليهما، فهو يخذلني سياسيًا واقتصاديًا وعلى كل صعيد آخر، ويضعني في مأزق، وأظن أن هناك آخرين لديهم نفس شعوري. الأوضاع في عمومها تحت إدارة مرسي كأول رئيس مدني منتخب تنتقل من سيئ إلى أسوأ، وهذا ليس تجنيًا على الرجل، فالواقع أصدق أنباء من الكتب، وإذا كنت أقول إن مبارك كان يدير مصر يومًا بيوم، فيؤسفني أن أقول إن مرسي يدير مصر ساعة بساعة، وهذه سياسة لا تصلح لإدارة وحدة محلية لقرية، فما بالنا بدولة كبرى مثل مصر، إنها طامة كبرى. التدهور طال مقام الرئاسة، والرئيس صار مستباحًا، وهان في الأعين، كما هان كل شيء في مصر، فقد زالت الهيبة، وحلت الفوضى، والرئيس يبدو وكأنه لا يعنيه إلا البقاء في القصر حتى لو وصلت الإهانة مبلغًا عظيمًا، وحتى لو هبطت البلاد إلى الحضيض، وتلام المعارضة أيضًا في سوء المآل، لكن اللوم له حدود لأنها رد فعل لأداء السلطة، والمعارضة من السلطة، فإذا كانت السلطة قوية وناجحة فإن المعارضة تكون كذلك، صرنا منكوبين في سلطة تتخبط، ومعارضة تساهم في صنع التدهور، وبينهما شعب ضائع، ودولة تنهار. يؤخذ على المعارضة أنها لم تكن يومًا هي الفعل، فلم تقدم مبادرات ومشروعات وخططًا للعلاج، بل هي تأتي دومًا بعد السلطة المرتبكة ردًا عليها ونكاية فيها، والاثنان: السلطة والمعارضة يتحملان مسؤولية الهاوية، لكن لكل طرف نصيبه فيها، فمسؤولية السلطة أكبر وأعظم باعتبارها تحكم وتدير وفي يديها الأدوات كلها. والمعارضة مازالت تفرط في فرصة سانحة بأن تكون السلطة القادمة حيث لا تملك غير الكلام والهتاف، وهذا لا يكفي لجعل الشارع المتردد، أو الذي كان متعاطفًا مع السلطة ينضم إليها، والجزء الآخر من مشكلتها أن معسكر الفلول يستفيد من غضبها واحتجاجاتها على النظام ليمر من تحت غطائها إلى معسكر الاحتجاج وكأنه من شركاء الثورة، وكأنه يدافع عن الديمقراطية، وضد الاستبداد، وهو المعسكر المؤيد للاستبداد، والذي لم يثبت يومًا أنه مع الديمقراطية والتغيير، أو حتى الإصلاح، ولذلك اختلط الحابل بالنابل فتحولت المظاهرات والاحتجاجات إلى أعمال تخريب وشغب، وكلاهما السلطة والمعارضة يحاولان توظيف هذا التخريب في صراعهما بأن يلقي كل طرف مسؤوليته على الآخر بينما يتحول بينهما الوطن إلى خرابة كبيرة. صارت مشكلة أن تبحث كل يوم عن مبرر جديد للرئيس في الأزمة الشاملة التي يمر بها الوطن دون أن تجد إنجازًا ملموسًا تستند إليه وتستثمره في المنافحة، ليته كان قد أنجز وعدًا واحدًا من وعوده الخمسة التي لم يتم منها شيء لا في المائة يوم الأولى، ولا في المائة الثانية. لدينا رئيس - كما هو واضح وحتى إشعار آخر- بلا خطة، ولا مشروع، ولا رؤية، ولا حسن تدبير، ولا سياسة يسوس بها دولة مثخنة بالجراح، كنا متفائلين به، لكن الإحباط بدأ يسود الآن. لدينا رئيس تحتار في أمره فلا تفهم كيف يفكر، ولا فيما يفكر، أو أن ملكة التفكير معطلة عنده، وهناك من هو قابع في الظلام يفكر نيابة عنه، ويقرر له فيورطه ويحمله مسؤولية كل الإخفاقات باعتباره الرئيس المنتخب؟!. من المحير مثلًا إصراره في الإبقاء على هشام قنديل وحكومته ومعاندة شعبه وقواه السياسية وحتى حلفائه الإسلاميين، كنا نعيب على مبارك عناده فإذا بنا نجد عنادًا أشد لدى مرسي، فليس هناك أي مبرر لاستمرار رئيس حكومة فاشل يجلب الفشل لرئيسه، والاثنان يجلبان الفشل لمصر كلها. قلت وأكرر إن كل ساعة تمر على مصر دون علاج نزيف الخسائر بتهدئة سياسية وحلول غير تقليدية وحكومة قوية فلن يعوض تلك الساعة عام كامل من العمل إلا إذا كان الرئيس قد بدأ اليأس يتسرب إليه هو الآخر من الإنقاذ بعد أن لم يجد السلطة أمامه "كيكة" لذيذة، أو وجد نفسه رئيسًا دون أن يدري دوره، أو وظيفته باستثناء التشريفات، والبساط الأحمر، وحديث أهلي وعشيرتي، والأنا المتضخمة في كل خطبه التي صارت مملة. [email protected]