دخلت مع مجموعة من الزملاء فى رهان حول ما يمكن أن يتضمنه خطاب الرئيس محمد مرسى ليلة الأحد 27 يناير. هناك فريق كان متأكدًا من أنه لن يأتى بجديد، لكن كان يحدونى أمل بأن مرسى يدرك خطورة اللحظة الراهنة، ولذلك سيعلن عن قرارات سياسية حاسمة تهدئ الغاضبين والمعارضين، وتكون غطاء لأى قرارات أمنية سيتخذها فى نفس الخطاب، لكنه ركز على الأمني، وتجاهل السياسي، مكتفيًا بدعوة جديدة للحوار الوطني، وهذا لا يمكن أن يكون علاجًا فعالاً للأزمة الخطيرة التى تمر بها البلاد فى ظروف ضعف الدولة، وعجز الأجهزة عن ضبط الأمن، أو مواجهة فرق التخريب، علاوة على حالة الاحتقان والانقسام والصراع السياسي. كان واجبًا على مرسى فى خطاب طال انتظاره فى خضم فوضى دموية خطيرة أن يستجيب لبعض المطالب الأساسية لقوى المعارضة لبناء جدار سريع من الثقة معها لتهيئة الأجواء لحوار وطنى ناجح يناقش كل القضايا الخلافية لإنقاذ الوطن، فالأزمة فى أساسها سياسي، وقد استغلها المخربون كغطاء لممارسة القتل والإجرام، والحل السياسى لابد أن يجلب معه التهدئة فى الشارع المعارض، وهذا يفترض أن يسهل تعرية فرق التخريب سواء كان بعضها ينتمى للفلول، أو لصفوف المعارضة نفسها، أو لأى جهة غامضة أخرى، وبالتالى ستجد المعارضة نفسها وطنيًا وأخلاقيًا مطالبة بالوقوف إلى جانب النظام لدرء الخطر الذى يهدد الوطن. لكن خطاب الرئيس جاء مخيبًا للآمال مثل بقية خطاباته فى الفترة الأخيرة، فيه استكبار عن رؤية حقيقة الأوضاع فى الشارع الذى تسيل فيه الدماء، واستكبار عن رؤية حقيقة غضب الشارع الشعبى الذى لا ينتمى للمعارضة لأن أحواله المعيشية تنتقل من سيئ إلى أسوأ فى ظل هذا الرئيس وحكومته. نعم، إعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجول فى محافظات القناة قرار ضروري، لكنه تأخر، فقد سالت دماء كثيرة وحصل تخريب واسع، وقد كان صدور مثل هذا القرار حتمى لحظة تفجر العنف، بل كان يجب التحسب لحصول العنف قبل مظاهرات الجمعة، وقبل النطق بالحكم فى مذبحة بورسعيد وذلك باتخاذ قرارات سياسية تمتص الغضب، وقرارات أمنية تردع من يفكر فى تهديد المواطنين. لكن السؤال الآن: من يضمن أن قرار فرض الطوارئ وحظر التجول ستكون له هيبة بعد كل هذا التجرؤ على الدولة وأجهزتها وشرطتها وجيشها، ومن يضمن ألا يتعرض القرار للخرق، فهناك تحد صارخ من فرق التخريب لمؤسسة الحكم، ومن يضمن ألا تحدث حرب استنزاف بين الشرطة وبين المخربين، خصوصًا أن الشرطة لم تتعاف بالكامل وما زالت أياديها مرتعشة، ثم من يضمن أن تكون الشرطة نفسها قادرة على تنفيذ القرار، أليس ممكنًا أن يحدث تمرد فى صفوفها رفضًا لإطلاق النار مثلاً، أو خشية تعرضها للمخاطر والاستهداف، خصوصًا أن هناك تململاً فى صفوفها من الأحداث الجارية بسبب الخسائر فى عناصرها، لأنها ممنوعة من استخدام وسائل الدفاع عن النفس. كان الرئيس مرسى يحتاج للغطاء السياسى من القوى السياسية والوطنية أولاً ليكون تطبيق الطوارئ وحظر التجول فعالاً إلا إذا كان قد قرر العودة لسياسة القمع القديمة كوسيلة للإخضاع بالقوة، شريطة أن يكون قد ضمن ولاء الأجهزة الأمنية إلى جانبه باعتبار أنها أدوات القمع، لكن سياسة القمع والقهر والتسلط بعد ثورة يناير صارت مسألة صعبة وغير ممكنة. السؤال الآخر: هل الرئيس ليس متمرسًا أو سياسيًا بالقدر الكافى حتى يتخذ مبادرات وقرارات توافقية حكيمة، أم أنه ليس مدركاً لكون المعارضة حتى لو كانت أقلية فإنها قادرة على إصابة البلد بالشلل التام، وهذا حاصل الآن بالفعل، أم أنه ليس مقتنعًا بعد أن فصيلاً واحدًا إسلاميًا أو ليبراليًا أو يساريًا لا يمكن أن يفرض رؤيته على مصر، فالتجربة تؤكد ذلك اليوم، فرغم أن الرئيس والأغلبية فى الهيئات المنتخبة من الإسلاميين، إلا أنهم غير قادرين على فرض رؤاهم وأفكارهم وسياساتهم على قطاعات من الشعب، وعلى المعارضة رغم أنها أقلية وبينها تناقضات، لذلك كان ضروريًا جدًا لتمرير أى قرارات أمنية أن يكون مرسى شجاعًا ويقدم مبادرات سياسية عاجلة ليس من أجل المعارضة فقط، إنما من أجل الشعب، وهناك مطلبان جيدان عرضهما رئيس حزب الوفد الدكتور السيد البدوى كنت أتمنى لو استجاب لهما مرسى فى خطابه وهما: تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وأضيف من عندى أن تسند رئاستها لشخصية ترشحها المعارضة، والثانى تشكيل لجنة قانونية لتعديل المواد الخلافية بالدستور، وأن تكون وثيقة التعديل موقعة من الرئيس والقوى السياسية وملزمة للبرلمان الجديد لإقرارها وعرضها على الاستفتاء الشعبي. لكنه لم يفعل إنما كرر دعوته للحوار، وأمام هذا المأزق العميق وفى هذا الظرف الحساس نتمنى أن يتم الحوار بشرط ألا يكون على نفس النمط السابق بأن يدعى إليه الحابل والنابل، لنجد أن الشخصيات الأساسية المؤثرة تجلس على الطاولة إلى جانب الشخصيات والأحزاب الهامشية والكرتونية، كما نتمنى أن تطرح جميع القضايا وأن يقدم الطرفان الحكم والمعارضة تنازلات للالتقاء فى منطقة وسط اسمها المصلحة العليا للوطن. والسؤال الثالث هو: من يحكم مصر، الرئيس مرسى أم مكتب الإرشاد كما يتردد؟ إذا كان هو الحاكم الفعلي، أم مكتب الإرشاد، ألا ينظران حولهما، ويقرآن الواقع وهو أن الدولة فى غاية الضعف، وأن الميليشيات خرجت للعلن وتجرأت عليها، وأن الفوضويين يفعلون ما يشاؤون جهارًا نهارًا دون خوف من شرطة أو رادع من قانون، بل إن الشرطة هى من يُعتدى عليها، أم أن هناك اطمئناناً من مرسى أو مكتب الإرشاد لحشود الإسلاميين الكامنة وراءهما، لو كان مستوى التفكير بهذا المنطق، فإن مصر ستدخل فى اقتتال أهلى وحروب شوارع حقيقية، ولن تخرج من النفق المظلم، وعندئذ ستصبح مصر نسخة أخرى أسوأ من الصومال. [email protected]