مها عبدالفتاح أحداث الدنيا كلها تتضاءل انكماشا أمامي بجانب ما يجري في الوطن، فنحن نعيش اليوم اخطر مرحلة عرفناها في اجتياز الصعب، وهو ما نفرد له اليوم هذه السطور! عندما يحدث ويعلن رئيس أي رئيس في الدنيا قرارات وتوصف بأنها دستورية، ونهائية، وفوق أي مساءلة قانونية، فلابد أن أول ما يصيب المواطن منا هو الوجوم والتوتر والشكوك ثم يتساءل، ويتعجب ثم يرفض، فلا يمكن ان يبتلع مثل هذا الامر أو يمر في هدوء. استحالة . .! ستجد من يذكرك بانه الرئيس المنتخب، وأول رئيس منتخب فيك يا مصر ونرد حالا ونقول: عارفين وربي عارفين، ورضينا بالديموقراطية، انما هو صندوق الانتخاب وحده هو المبرر؟ أو صندوق الانتخاب هو المحلل وهو غاية المراد من الديموقراطية يا أخي؟ الديموقراطية فصل بين السلطات، لب الديموقراطية هو القانون، أن لا أحد فوق القانون. انظر الي الديموقراطية الامريكية، لماذا يتيهون بها علي العالم رغم ما يعيبها من عبر؟ لأن أهم مبادئها المصانة فوق رؤوس الجميع: هو القانون! لا أحد في الولاياتالمتحدة فوق القانون، كائنا من يكون، حافظ علي هذا تصان كافة المباديء الاخري. لذا الاحتكاك بالقانون لا يغتفر انما... من يقرأ تاريخ جماعة الاخوان، مع كل الاحترام، يدرك انها لم تكن حركة تتسم بالديموقراطية في يوم من الايام، فكيف اذن تتوافق مبادئها مع الديموقراطية الحقة و مع مبادئها المتعارف عليها؟ كيف مع تنظيم يرفع مبدأ السمع والطاعة! السلطوية جزء من ايديولوجية الجماعة لا ينفصل عن ثقافتها السياسية، هكذا كانت و ماتزال.. والسائد لدينا نحن من احساس هو ان الجماعة قررت ان تعمل بطريقة من يقول لنرم لهم كلمة الديموقراطة مفيش مانع ، أما ممارستها بالمعايير العالمية، والقيم المتعارف عليها ففيها قولان وثلاثة! من هنا الحساسية البالغة المشتركة الآن بين كل مواطن من خارج دائرة الاخوان ! نعم لدينا حساسية خاصة تجاه كل ما يخدش المباديء الاساسية للحريات والحقوق التي توفرها الديموقراطية لكل مواطن.. ولهذا يصعب ان لم يستحل أن نطمئن، ونغمض عيوننا، ونمضي بأمان مع ما يجري من حولنا.. الرئيس محمد مرسي يقول ان كونه يجمع بين السلطات الثلاث حاليا، انما هي مسالة موقوتة.، ولكن الواقع أو التاريخ يقول أشياء أخري.. يقول ان من عرف طريق السلطة المطلقة يصعب عليه ان لم يستحيل يتركها تفلت بارادته ! لذا العيون ليست مفتوحة فقط بل وجب ان تكون (مفنجلة) طوال الوقت ، فلا نمسي و نصبح ذات يوم و لا نجد ديموقراطية، او قد نجدها علي الطريقة الايرانية! من منا يغفل عن تأثير السلطة ومفعولها في النفوس، ذلك الضعف الانساني تجاه السلطة، ما عاد يحتاج لدليل. تاثيرها علي البشر كتبت فيه الكتب، وقيلت عنه الامثال و الحكم (بفتح الكاف)... والفارق ان الناس(صحيت)، وامورا كثيرة طرأت ومصر تغيرت، العصر اختلف، هذا عصر المعلومة والاتصالات والاعلام والانتشار، عصر الحدث الطائر في لحظات، ولذلك فإن حاكما ما عاد يتمكن من اغلاق النوافذ والابواب علي شعبه ويكمم الافواه ليحكم ويتحكم ! أدوات العصر ادت الي تغيير طبيعة الناس ، الدنيا تفتحت علي بعضها، ومصرنا علي ناصية الدنيا ، نقطة تلاق يصعب ان يحجبها أحد، بالجغرافيا لا يستطيع، بالتكنولوجيا ما عاد ممكن.. في عصر المعلومات والاتصالات والاعلام الذي دخل الي كل حارة وشق وزنجة، ما عاد بامكان احد ان يركب السلطة و يسوق.. لو جمال عبدالناصر بذاته وشخصه وزعامته، و بكل مؤهلات حكمه واجهزته ظهر الآن، لما تمكن من حكم البلاد بمثل ما استطاع في الخمسينيات و الستينيات! نحن نعيش اليوم العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، الحاكم اليوم عليه ان يسوس الناس بالتراضي والتفاهم وليس بالعناد أو بالتمادي.. الجماهير اليوم ما عادت تخشي أحدا، ما كان بمقدور التيارات السياسية والقيادات المختلفة أن تجمع وتعبيء كل تلك الجموع الحاشدة التي نزلت الشوارع والميادين.. هو الحس الجماهيري الذي لا يتيقظ الا لخطب جلل، او قل انه سمع جهاز انذار وانطلق! الموضوع ليس في ثقة أو عدم ثقة، بل حول القيمة الأساسية للديموقراطية، سلطات مطلقة في يد أحد لا يجوز ولو لمدة محدودة، هذا ان كنا نعني الآن ديموقراطية حقيقية، بعدما شبعنا ديموقراطيات شكلية.. الاعلان عن قرارات رئاسية توصف بأنها دستورية، ثم تضع الرئيس فوق القانون و لو لمدة محدودة أو موقوتة، هذا ما استنفر كل تلك الفئات للنزول الي الشارع.. الاعجاز يتبدي في تواجد فئات متباينة بلا أي ارتباط معا سوي وحدة الرأي والهدف، لا يجمعها حزب ولا تنظيم، ولا حتي حركة سياسية، ومع ذلك تجمعوا علي فرد واحد بمطلب وحيد. سيادة الرئيس: مصر تواجه عجزا مهولا في الميزانية و بنية تحتية تتهاوي وأرقام بطالة تتصاعد بنحو مخيف، واحتياطي النقد الاجنبي الذي نشتري به الطعام في تناقص، وخسائر البورصة تتهاوي لادني حدود، وقرض الصندوق الدولي سيؤدي لقفزة جديدة لن يحتملها السواد الاعظم من الشعب... والبلاد انقسمت لفريقين، مستقطبين ومتنمرين، الامور تتصاعد والأزمة تشتد ولا توحي بانفراج ، فلم يحدث ان كانت مصر مستقطبة كمثل ما هي اليوم . توكل علي الله سيادة الرئيس واسحب الجزئية المرفوضة جماعيا (مرفوضة من جميع المواطنين باستثناء الجماعة فقط) ، وضع ذاتك فوق القانون ولو ليوم واحد سابقة لم تعرفها دساتير الأمم ، هذه حقيقة، جزئية تحصين قراراتك التي وضعتها فوق القانون.. لو سحبتها سيادة الرئيس بارادتك الحرة، يكون بحال تراجعا منك، ولن يقلل من هيبة حكمك ، كلا بل سيرفع كثيرا ويعلي من قدرك في العيون والاهم لدي من لم ينتخبوك.. لن يقال الا أنك حاكم اختار منع الصدام وحقن الدماء، و هذه قيمة كبري ومعني، لا يدانيه حشود التأييد والتهليل... اما العناد والتمسك بالرأي والاصرار عليه فليس بمعالم قوة ولا دليل بأس، و ما عاد يحض علي الطاعة في هذا الزمن. بالحسني سيادة الرئيس، أحكم الحكام من يقدمون مصالح الأوطان علي كل ما عداها ، طالما البديل هو العنف و الصدام وما هو أسوأ!