السلطة عبء ثقيل، في المجتمعات الديمقراطية حيث يمارس الحاكم أو الرئيس صلاحياته في إطار سيادة القانون وتحت ضغوط المعارضة الشرسة والإعلام الحر والجماهير الواعية التي لا تقبل أبدا بأنصاف الحلول..أما في الأنظمة الدكتاتورية، فالسلطة متعة لان الحاكم يتحول إلي نصف آله يقول ويفعل ما يشاء ولا تملك الرعية سوي أن تقدم له فروض الولاء والطاعة!! ما التي عبر عنه أحد الشعراء العرب المنافقين وهو يخاطب الحاكم قائلاً، ما شئت لا ما شاءت الأقدار .. أحكم فأنت الواحد القهار!!.. وليس غريباً والوضع هكذا، أن يكون إغواء الدكتاتورية هائلاً وأن تصبح الديمقراطية كابوساً لا يتقبله الزعيم إلا مكرها في غالبية الأحوال. يتساوي في ذلك زعماء الدول المتقدمة وحكام العالم الثالث... وحتي في الولاياتالمتحدة، رمز الحرية والديمقراطية في عالمنا المعاصر، قال الرئيس الأمريكي الاسبق بيل كلنتون وهو يغادر منصبه بعد ثماني سنوات في البيت الأبيض انه لو كان الأمر بيده ما ترك السلطة .. ولكنها الديمقراطية التي تمنعه من الاستمرار في الرئاسة لأكثر من فترتين.. والمعني واضح، وهو انه من زاوية شخصية بحتة، الافضل للحاكم ان يختار.. الديكتاتورية نظاماً يضمن له الاستمرار في السلطة مدي الحياة ولكن مصالح الأمة التي يحميها الشعب ومؤسساته المختلفة تفرض عليه الخضوع للديمقراطية رغم انف رغباته، بالإضافة إلي إدراكه أن مواطنيه لن يساوموا أبدا علي حقهم في الحرية فيذعن مضطراً للخيار الديمقراطي الصعب الذي يحرمه من أي حقوق مقدسة ومن متعة التعامل معه كمخلوق استثنائي معصوم من المساءلة أو الحساب.. ورغم أن للديمقراطية عيوبها وسلبياتها إلا انها تظل هي النظام السياسي الأقل سوءا بالمقارنة مع نظم الحكم الأخري، كما قال الزعيم البريطاني الراحل ونستون تشرشل. ومن أبرز سلبيات الديمقراطية انها قد تدفع الرئيس لمحاولة ارضاء جميع الأطراف رغبة منه في الحصول علي دعمها ومساندتها. فهذه المهمة مستحيلة ولم ينجح فيها اي رئيس أو زعيم علي مر التاريخ. وحتي الأنبياء فشلوا في إرضاء جميع الأطراف (إنك لا تهدي من أحببت) وكان عليهم أن يعلنوا انحيازهم لمعسكر الحق والعدل رغم الثمن الفادح الذي دفعوه لهذا الموقف من ظلم وقهر واضطهاد.. وتؤكد تجارب كل الشعوب أن أي محاولة لتحييد قوي الفساد والقهر من خلال الخضوع لابتزازها ومحاولة التوفيق بين أطماعها ومصالح الأمة لا ينتج عنها سوي نظام مسخ مشوه التحول لدمية تحركه جماعات المصالح والعناصر الفاشية. ومن أخطر التحديات التي تواجهها الديمقراطيات الناشئة أن بعض الحكام ربما يعتبرون الديمقراطية مجرد وسيلة للقفز الي السلطة وإجهاض التطلعات الشعبية للعدالة والحرية. وفي هذه الحالة، سرعان ما يعبر هؤلاء الحكام عن انتماءاتهم الحقيقية للإستبداد والدكتاتورية فتنقلب عليهم شعوبهم.. وهنا تبدأ جولة جديدة من الصراع بين القوي الليبرالية المتطلعة للحرية وبين النظام الذي كشر عن أنيابه ضد الديمقراطية. باختصار، انحياز الرئيس ونظامه لقيم الحرية والمساواة هو نقطة الانطلاق لبناء الأمم دون مساومة علي المبادئ أو خلط للمفاهيم، فالقيم الاجتماعية والسياسية المحترمة لا يمكن التعامل معها بالتجزئة أو بالتقسيط .. ليس هناك نصف حرية أو ربع عدالة أو ثلث ديمقراطية. ولن يستطيع أي حاكم مهما كانت قدراته الصمود في وجه قوي الفساد والإفساد دون ان تدعمه مؤسسات شرعية حقيقية، ودون ان تسانده الجماهير الواعية صاحبة المصلحة في النظام الديمقراطي والتي تتحالف بكل قوتها مع زعيمها إذا لمست صدقه في مواجهة قوي الظلم والاستغلال. انتهي عصر الزعيم الملهم الذي يأتي علي جواده الأبيض ليحقق لبلاده احلامها وأمانيها .. كلمة السر في المجتمعات الديمقراطية المتحضرة هي قدرة الشعب الدائمة علي حماية حقوقه وطموحاته حتي ولو دعته الحاجة الي ثورة كل يوم.