حرصت كما هي عادتي علي أداء صلاة العيد في مسقط رأسي بالشرقية، فغادرت مسكني بالهرم الرابعة عقب صلاة الفجر، حيث صلاة العيد 5.25 دقيقة، أشفقت عليّ أسرتي من السفر مبكرا وفي الظلام.. قلت: لاتقلقوا ولاتخافوا بلادنا أمان وللحمد لله، ثم ان مصر لا تنام ليلة العيد، وما توقعته سمعته وشاهدته حيا في الطريق من الجيزة مرورا بالقاهرةوالقليوبية إلي الشرقية. التكبيرات تنطلق من كل الارجاء.. الله اكبر الله اكبر الله اكبر لا إله إلا الله، الله اكبر الله اكبر ولله الحمد، ويصدح صداها في السماء وقد بدأ الظلام ينسحب ليطل نور الله علي الدنيا، يالها من لحظات نورانية ربانية، لحظات تكبير وتدبر وتفكير في أمر الله، وجمال صنيعه بالبشر، الشوارع تضج بالناس وحركة المركبات من كل نوع تهدر، المحال مفتوح أبوابها، وكثافة المركبات علي طريق القاهرةالاسكندرية الزراعي كأننا قبل دقائق من إفطار رمضان، والهرولة والتخطي العشوائي حدث ولا حرج، أتفهم هرولة الناس، انهم مثلي يريدون اللحاق بصلاة العيد مع أهلهم وذويهم، أطل يمينا ويسارا لأجد الأراضي الزراعية وقد انتهكت بشكل جائر، بعد ان تسللت إليها الغابات الخرسانية العشوائية في غيبة الرقابة، أو غض الطرف عما يفعله بها أربابها، قلة من البنايات المخالفة قد تم تكسير أعمدتها، وفي مواقع اخري كثيرة تم تبوير متعمد لبعض المساحات الخضراء وتحايل بإقامة ملاعب عليها، أوملاهٍ أومقاهٍ أسموها كافيهات. فوق كوبري المنصورة خارج مدينة بنها تصدمك ناطحات السحاب في تخوم بنها، ويخيل إليك أنك لست في مصر بل في بلاد ناطحات السحاب، وفوق أجود الأراضي الزراعية.. ألم يرهم أحد؟ أم ان الجميع تعامي؟ أم أنهم ينتظرون توجيهات رئيس الجمهورية؟ هذا تخريب متعمد، ليس هذا فقط بل بمقابل، والمشهد أمام الجميع واضح وضوح الشمس، ورغم ذلك تم تكريم محافظ القليوبية السابق والتجديد له وترقيته محافظا للاسكندرية. وفي الطريق من بنها إلي كفر شكر تنفرج أساريرك عندما تري جسرا ضخما يعبر النهر.. إنه امتداد الطريق الجديد شبرا بنها الموازي لطريق الاسكندرية الزراعي، وعلي بعد عدة كيلو مترات يسارا تشاهد محطة توليد الكهرباء الجديدة أمام قرية جمجرة، ومرورا بكفر شكر إلي قريتي شيبة قش منيا القمح شرقية، بدأ الناس يخرجون جماعات جماعات، وهم يرتدون أبهي الثياب، يتوجهون إلي الساحات لصلاة العيد فرحين مستبشرين بيوم العيد، بينما الأطفال والصبية يتباهون فيما بينهم بالبالونات وبجمال ملابسهم.. إنها فرحة العيد. تأريخ الصحافة العمانية خلال دراستنا الجامعية بكلية الاعلام جامعة القاهرة، كلفتني ا. د عواطف عبد الرحمن وعدد من الزملاء بعمل بحث عن تاريخ الصحافة العمانية، ضمن منهج تاريخ الصحافة العربية التي تدرسها لنا، قسمنا انفسنا فريقا للمكتبات وفريقا يتوجه للسفارة لجمع المعلومات عن تاريخ الصحافة العمانية، كان ذلك عام 1975م، عدنا بعد اسبوع من البحث وزيارة السفارة العمانية بالزمالك خالي الوفاض، فلم يعثر الزملاء علي أي معلومات في أي مكتبة ولم تقدم السفارة ما يساعدنا علي تنفيذ التكليف، ولأننا اخفقنا عدنا إلي د. عواطف عبد الرحمن مرة ثانية فكلفتنا بدولة أخري. في 16يناير من عام 1981م، قدر لي ان اسافر للعمل هناك، وصلت فجر السابع عشر من يناير، وبينما انا في الطائرة تذكرت قصة الإخفاق في اعداد البحث، وحدثت نفسي انها فرصة لي للتعرف بل وإعداد البحث حتي ولو لمجرد المعرفة، وبعد عام من استقراري هناك شرعت في زيارات للصحف والمجلات وإجراء حوارات مع اصحابها والقائمين علي تحريرها. وبجانب عملي الصحفي انتهيت من اعداد دراستي عن تاريخ الصحافة العمانية، وكان لابد من كتابة تمهيد ومقدمة للدراسة عن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي صاحبت ظهور هذه الصحف، فكفت علي الاطلاع علي بعض المؤلفات حول التاريخ العماني ومنها كتاب محقق (جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار)، وكانت فرصة للتعرف علي التاريخ العماني في الجزيرة العربية وفي شرق افريقيا، وتاريخ السلاطين الذين حكموا عمان وشرق افريقيا في آن واحد، وهو تاريخ عريق من عراقة الشعب العماني. ولفت نظري في كتاب جهينة الأخبار عبارة مازلت أتذكرها جيدا لأنها كانت المفتاح السحري لتاريخ الصحافة العربية المجهول في شرق افريقيا وكانت العبارة هي( ولما سافر السطان إلي الهند ليشم الهواء شق علي أهل مملكته فراق سلطانهم الحبيب وكتبت الصحف) والمقصود هنا سلطان جزيرة زنجبار التنزانية حاليا، هنا ايقنت أن هناك صحفا أصدرها العمانيون المستوطنون في شرق افريقيا، فأفردت بابا كاملا لبحثي عن الصحافة العربية العمانية في شرق افريقيا خلال الربع الأخير من القرن الثامن عشروهي صحف الفلق والمرشد والنهضة، وكانت تصدر باللغتين العربية والانجليزية معا. وفي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، فوجئ وزير الإعلام العماني آنذاك عبدالعزيز الرواس بتقديمي له نسخة من الدراسة لطبعها علي نفقة الوزارة، وبعد فترة قصيرة طلبني بمكتبه ليثني علي الجهد الكبير الذي قمت به بجانب عملي بصحيفة الوطن، عارضا علي الانتقال إلي صحيفة عمان التي كان يرأس تحريرها، إلا انني شكرته علي الفرصة واعتذرت لأسباب خاصة بي، وقدم لي مكافأة مالية مقابل هذا الجهد ووعدني بنشرة في الوقت المناسب. وفي التسعينيات اتصل بي بعض الباحثين العمانيين خريجي قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس يطلبون المزيد من التفاصيل، وعلمت منهم ان الوزارة أودعت نسخا من الدراسة بمكتبة جامعة السلطان قابوس هو شرف كبير لي، بعدما اصبحت دراستي مرجعا اوليا ينسب إلي في دراستهم لتاريخ الصحافة العمانية، وامتد هذا الشرف إلي مستر (جوجل).