يعد العام الحالى سنة تاريخية فى سلطنة عمان ففى الثالث والعشرين من يوليو يحل يوم النهضة العمانية الذى يتوج انجازات أربعة عقود وخمس سنوات منذ تولى السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان مقاليد الحكم . ثم تحتفل السلطنة يوم 18 نوفمبر بالعيد الوطنى الخامس والأربعين . وقد بدأت الفعاليات الوطنية المتميزة هذا العام فى توقيت مبكر عن كل سنة ،وتحديدا منذ 23 مارس الماضى حينما سادت حالة من البهجة والسعادة الجماعية الغامرة ما بين جموع أبناء المجتمع على امتداد خريطة السلطنة وتدفقت الجماهير فى مسيرات وتظاهرات فرحه بعد اطمئنان الشعب العمانى الشقيق على قائده وأنه فى حالة صحية جيدة ،عقب عودته الي ارض الوطن .
ما أن هبط من الطائرة حتى توالت العديد من ردود الفعل العفوية التلقائية، التى عبرت منذ الوهلة الاولى عن مشاعر انسانية عميقة وفياضه قوامها المحبة الصادقة الصادرة من القلوب . على سبيل المثال سجد الكثيرون حمدا لله عز وجل . ومن جانبه يؤكد السلطان قابوس ان "الإنسان العُمانى " هو هدف التنمية وصانعها، وتنفيذا لتوجيهاته تحشد الحكومة كل جهودها من أجل الاستفادة المثلى من الموارد المتاحة لتحقيق المزيد من الرخاء والرفاهية لكل مواطن عمانى ، ونتيجة لذلك رصدت مؤخرا دراسات دولية أنه يعد الثانى على المستوى العربى فى الشعور بالسعادة. من جوانب متنوعة اخرى فإن للعام الحالى أهمية بالغة حيث يشهد اختتام العمل بخطة التنمية الخمسية الثامنة تمهيدا لتدشين الخطة التاسعة، كما تجرى خلاله انتخابات الفتره الجديدة لمجلس الشورى ،على خلفية فعاليات تتويج نزوى عاصمة للثقافة الاسلامية . فى هذا المناخ من المحبة المتبادلة بين القائد والشعب يحتفل العمانيون بعد عدة أسابيع بيوم النهضة وبإنجازاتها التى تعكس نجاح السلطنة في تحقيق التوازن ما بين تنفيذ برامج الخطط التنموية وبين تبنى التوجهات الإستراتيجية التى أدارت بها ملفات سياستها الخارجية، فقد حرصت على ألا يستغرق الاهتمام بالقضايا الوطنية كل الجهود . شخصية متكاملة ان كل من اتيحت له فرصة لقاء السلطان قابوس أو متابعة احاديثه عبر وسائل الاعلام ، يؤكد ان الله عز وجل قد حباه " بكاريزما" ذات تأثير قوى سواء عند مخاطبته الجماهير أو قادة دول العالم. كما أنه يتميز بشخصية متكاملة ذات اهتمامات متوازنة تعبر عن التمسك بالعقيدة الإسلامية، دون أي تطرف أو تعصب، إنما على هدى من المبادئ التى تعكس سماحة الدين الحنيف. لا يتعارض ذلك مع توفير فرص الترفيه الراقى فى المجتمع. على سبيل المثال اهتم بإنشاء المساجد فى مختلف المحافظاتوالولايات وأبرزها جامع السلطان قابوس الأكبر فى محافظة مسقط ،وفى نفس الشارع الرئيسى تم تشييد دار الأوبرا، وكذلك المقر الجديد لمجلسى الدولة والشورى . القرار الحكيم فى التوقيت المناسب فى تقييمه لما تحققه السلطنة وانعكاساته على علاقاتها على الساحات الخليجية والعربية والعالمية: أوضح السلطان قابوس منذ عدة سنوات ، فى حديث صحفى مهم، أن الانسان العُمانى كان فى مقدمة أولوياته عندما تولى مقاليد الحكم. وأكد أن الدبلوماسية العُمانية تحظى بتقدير الجميع، مشيرا الى أن السلطنة ليس لديها أى خلافات أو منغصات مع أحد ، معربا عن تمنياته ألا يطل شبح الحرب على المنطقة التى تعد عصب الاقتصاد العالمى وتستأثر باهتمام دوائر صناع القرار لإستحواذها على أكبر نسبة من النفط المخزون. رغم مرور سنوات عديدة منذ الادلاء بهذا الحديث الا أن كلماته واطروحاته ما تزال تكتسب أهمية فائقة، فالأحداث الراهنة تثبت اليوم مصداقيتها وتدل على تمكنه ببراعة من اصدار القرار الحكيم مبكرا وفى التوقيت المناسب اذ يختار الافضل والأصوب من بين بدائل متعارضة رغم ضبابية المشهد في احيان كثيرة. ولقد اكد في ذلك اللقاء ان سلطنة عُمان بلد محب للسلام . ثم مضى فى حديثه واضعا النقاط على الحروف فقال: نريد منطقتنا بعيدة عن كوارث الحروب. المصداقية والمصارحة علي ضوء كلماته فإن من الأهداف الإستراتيجية للسياسة الخارجية العُمانية عدم الانضمام الى اى محور او تكتل، مع تعزيز التعاون بين كافة شعوب الكرة الأرضية وجميع البلدان. من هذه المنطلقات فإنه يدعو دائما الى تبنى سياسات قوامها المصداقية والصراحة والمصارحة والعقلانية والمنطقية، والى احلال السلام وتفعيل سياسات حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول ، ولقد زار اقطار العالم شرقه وغربه واجتمع مع قادتها داعيا الى نشر المثل العليا ، فلقد تضافرت لديه حصيلة خبرات عميقة مع ثقافه موسوعية لتكون شخصية قائد وزعيم عربى وعالمى لديه رؤية بانورامية شاملة فى ظل قدرة فائقة على التحليل الاستراتيجى العلمى والواقعى لتطورات الأحداث وتفاعلاتها، مما أتاح له المقدرة على استشراف آفاق المستقبل. لذلك تمكن من القيام بأدوار بالغة الأهمية ، كما قدم دعما غير محدود لجميع قضايا الامة العربية فيما يتعلق بالتحديات والقضايا المصيرية التى تواجهها . دبلوماسية القوة الناعمة أكسب ذلك السلطنة ثقة القادة والشعوب مما مكنها من الإسهام بفاعلية فى التوصل إلى حلول للكثير من الازمات لاسيما وأن منطقة الخليج شهدت مواجهات بالغة الحدة تصاعدت ذروتها إبان حربى الخليج الأولى والثانية. وفى المرحلة الراهنة أدت دبلوماسية القوة الناعمة العمانية دورا محوريا قاد الى انفراج أزمة العلاقات الغربية الايرانية والتوصل الى الاتفاق بشأن حل قضية الملف النووى الإيراني بعد أن استضافت فى العام الماضى واحدة من أهم مراحل المفاوضات حوله. كما تعمل السلطنة أيضا على تحقيق التوازن فى علاقاتها الخارجية فقد اختارت البديل الصائب نتيجة تمسكها بسياسات الحياد الايجابي والتعايش السلمى ورفض كل صيغ الاستقطاب مع المرونة فى التعامل مع المستجدات. إدارة ملفات التعاون الخليجى على صعيد آخر يسهم السلطان قابوس بدور مهم فى ادارة ملفات التعاون الخليجى وتصويب مساراته وتضمن وتؤمن مواقفه للمنطقة الابحار بسلام وسط الأمواج العاتية للتحديات السياسية الراهنة وعواصف المتغيرات الإقليمية والدولية لترسو على بر الأمان ، ومن أجل المحافظة على منظومة التعاون المشترك من جهة اخرى. وتؤكد كل المؤشرات نجاح جهوده التى استهدفت على مدار عقود من الزمان حمايتها من التعرض لأى خطوات غير مضمونة العواقب . قنوات اتصال إعلامية وثقافية في سياق متصل حققت السلطنة توأمة ناجحة ما بين تبنى مواقف ثابتة وبين اختيار آليات غير تقليدية لإثراء حوار الحضارات عبر تأسيس قنوات اتصال للدبلوماسية الإعلامية والثقافية. لذلك تتوالى العديد من الفعاليات العُمانية فى أهم العواصم تأكيداً على الاهتمام بالانفتاح على كل الثقافات حيث تتردد أصداؤها دوما ما بين مختلف القارات ، فضلا عن حرصها على المشاركة في معارض الكتاب الدولية . خريطة الطريق في رد فعل منطقى تعتبر نخبة المفكرين والساسة والخبراء السلطان قابوس داعية لنشر ثقافة السلام والتسامح، كما أنها تثمن مبادراته الرامية الى تأسيس محاور للتفاهم المشترك. فى هذا الإطار احتفت باريس بمعرض «عُمان والبحر» الذي أقيم بالمتحف البحري الوطني الفرنسي. في كلمته التي تصدرت الكتاب التعريفي المصاحب للمعرض أكد السلطان قابوس أن الهدف الأساسي من تنظيمه هو إبراز قيم التواصل الحضاري الإيجابي التي تقوم عليها العلاقات العمانية الخارجية على مر العصور. فى مرحلة سابقة اهتم بدعم فعالية دولية مهمة هى احتفال منظمة اليونسكو بمرور ستين سنة منذ تأسيسها فقام بتوجيه رسالة تاريخية من خلال الاحتفالية التى أقيمت بهذه المناسبة . قدم فى كلمته صورة واضحة المعالم للواقع المعاصر للسلطنة وكذلك لتاريخها ،انطلاقا من اتخاذه لها كنموذج للأمتين العربية والإسلامية فيما يتعلق بالدور الحضاري لها والرؤى والمواقف الحكيمة التى تتبناها. محاور أساسية فى واحدة من أهم الكلمات التى ألقاها : حدد السلطان قابوس مرتكزات المواقف العمانية علي جميع الاصعدة وذلك في الانعقاد السنوي للفترة الخامسة لمجلس عمان . فأوضح أن أساسها الدعوة إلى فض المنازعات بالطرق السلمية وبما يحفظ للبشرية أمنها كما يحرص فى مختلف المناسبات على التأكيد على أهمية معالجة القضايا بالحكمة والروية . على هدى افكاره تعد سياسات السلطنة نموذجا عمليا لهذه التوجهات ولذلك فقد أشار فى اجتماع ترأسه لمجلس الوزراء منذ سنوات إلى أن من ينظر إلى خريطة العالم يرى مدى ما يربط عمان من تعاون صادق مع المجتمع الدولي في كل ما من شأنه خدمة الإنسانية . رجع الصدى يتمثل رجع الصدى لكل ذلك فى توالى مشاهد التقدير للسلطان قابوس . ومنذ أيام أشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بدوره المحوري فيما تم التوصل إليه من نتائج ايجابية ومثمرة بشأن البرنامج النووي الإيراني، مثمناً جهده في تعزيز التقدم الذي أحرزته المفاوضات ذات الصلة في مختلف مراحلها، كما أشاد بالسياسة الحكيمة والنهج المدروس الذي تنتهجه السلطنة تجاه مختلف التحديات التي تواجهها المنطقة بفضل قيادته المستنيرة . حصل السلطان قابوس على جائزة السلام من الجمعية الدولية الروسية. وتم اختياره شخصية العام للعدالة والإنسانية لسنة 2008 بمباركة وتزكية عربية وإسلامية. وفى حدث بارز زاخر بالمعاني والدلالات جاء الإجماع الذي التقت عليه ثلاث وثلاثون جامعة ومركز أبحاث ومنظمة أمريكية في مقدمتها جامعة هارفارد العريقة على تقديم جائزة السلام للسلطان قابوس كأول قائد يحصل عليها إثر تأسيسها. ومنذ عام 1970 وحتى اليوم تواصل الصحافة العربية والعالمية الإشادة بمواقفه . على سبيل المثال نشرت مجلة نيويوركر تحليلا ذكرت فيه أنه ليس هناك أي قائد يحظى بحب شعبه كالسلطان قابوس. وأكدت أنه تمكن خلال فترة وجيزة من تحويل السلطنة إلى دولة عصرية حديثه تتنامى فيها الطبقة الوسطى،كما أصبحت بلدا لم يسبق لشعبه أن نعم بالسلام والرخاء مثلما ينعم بهما منذ توليه مقاليد الحكم. ذكرت المجلة أن السلطنة تدعم السلام العالمى فى صمت ودون إعلان عن جهودها تنفيذا لتوجيهات السلطان قابوس، وفى هذا الإطار تقوم بمبادرات ناجحة وتطرح خيارات وآليات عملية لحل الخلافات بين أطراف الأزمات الدولية . وفي تقرير دقيق لصحيفة نيويورك تايمز جاءت السلطنة في المرتبة الأولى عربيا، وفى المركز العشرين عالميا في قائمة أهم المقاصد السياحية على المستوى الدولي ، لما تتميز به من أمن وأمان واستقرار، على امتداد ربوعها. نتيجة لكل هذه المعطيات يؤكد خبراء السياسة الدولية أن لمواقف السلطنة تأثيرات مهمة على خريطة العلاقات الدولية، تتطابق دلالاتها تماما مع الحقائق الجغرافية حيث تشغل موقعا بالغ الأهمية لتتضافر معا كل هذه العناصر مكونة منظومة فريدة تعبر عما يصفونه بالجمع ما بين عبقرية الزمان والمكان . الشورى والديموقراطية وتفعيل الشراكة الوطنية تؤكد أدبيات التحليل السياسى والفكر المعاصر ان قوة الدول خارجيا ما هى الا انعكاس لنهضتها الداخلية وهذا ما حققته السلطنة. فعلى الصعيد الوطنى بدأت أهم مراحل التاريخ العمانى الحديث فور أن تولى السلطان قابوس مقاليد الحكم ،فعلى مدار السنوات التى توالت اثر ذلك تتتابع متغيرات كبيرة فى ظل إرساء أسس صلبة لممارسة عميقة للشورى والمشاركة من خلال حوار ديمقراطى تتوافر له آليات عصرية من خلال إقامة «دولة المؤسسات» وعبر "مؤسسات الدولة" وفى مقدمتها مجالس: عُمان والدولة والشورى، وتبع ذلك إنشاء المجالس البلدية ، تعبيرا عن الاهتمام العميق بتفعيل مفاهيم "الشراكة الوطنية " في إطار تطبيقات متعددة تضمن استمرار التطور عبر مراحل متتالية وفقا لتخطيط استراتيجي لا يستبق الأحداث ولا يفتعل النتائج أو يتعسف حدوثها ، إنما يعمل على تعظيم دور المواطنة والمواطن في إثراء ما يمكن تسميته "بمسيرة التنمية السياسية".. كذلك استحدثت آليات ومسميات ومسارات تتوافق مع العادات والتقاليد. نتيجة لكل ذلك تتأكد دوما خصوصية النهج العماني وقدرته الفائقة على الجمع ما بين كل عناصر الأصالة والمعاصرة . على سبيل المثال فإنه يقدم تطبيقا عصريا لمفاهيم "الديمقراطية المباشرة" . إن أدق تعبير عن ذلك يتمثل في الجولات التي يقوم بها السلطان قابوس وتشمل الولاياتوالمحافظات ، حيث يعقد خلالها لقاءات جماهيرية موسعة مع المواطنين . أن تلك الاجتماعات التي تشارك فيها جموع المواطنين دون قيود أو مراسم رسمية تشبه إلى حد كبير "لقاءات السبلة العمانية" الشهيرة وإن كانت صورة مكبرة منها، فالسبلة تطلق على تجمع كبير يشهده أبناء الحي الواحد سواء في المدن او القرى على مستوى جميع الولايات لتبادل الآراء حول كل القضايا التي تهمهم. لذلك تمثل ايام الجولات فترات انعقاد برلمان شعبي تتواصل جلساته في الهواء الطلق. كما يتكامل دورها مع المهام التي تؤديها سائر المؤسسات حيث جمعت السلطنة ما بين تطبيقات الديمقراطية النيابية التمثيلية والمباشرة أيضا. وتتتابع يوميا مستجدات عديدة تؤكد نجاح الآليات المتبعة خاصة على ضوء المناقشات التى تدور فى قاعات مجلسى الدولة والشورى.