في خضم الانشغال بماراثون انتخابات الرئاسة الأمريكية، لم ينتبه كثيرون إلي أن هناك انتخابات أخري هامة ستجري في نهاية العام الجاري لتحديد من سيقود الكونجرس بغرفتيه الشيوخ والنواب، ففي نظام سياسي يقوده حزبان فقط يبقي من الأهمية بمكان، ليس فقط فهم الاختلافات بينهما ولكن فهم الاختلافات بين الأجنحة المتنافسة داخل الحزب الواحد أيضاً. بحسب معهد بروكينجز للدراسات السياسية، فحتي الآن هناك 307 سناتور ونائب من 6 ولايات، مسجلون بالقوائم الانتخابية، بالإضافة إلي مرشحي مجلس الشيوخ بولاية نورث كارولينا، وكل المسجلين والواردة أسماؤهم في كشوف سكرتارية الولايات أو المكاتب السياسية للأحزاب، وبتحليل الأرقام يتضح أن عدد المرشحين الجمهوريين يفوق عدد الديمقراطيين بواقع 110 مقابل 87 مرشحاً، ممن لا يشغلون أي منصب سياسي حالياً، أما أصحاب المناصب فعددهم 56 جمهورياً مقابل 26 ديمقراطياً. في الغالب فإن الانتخابات التمهيدية والنهائية للكونجرس تجري دون كثير من الصخب، فمن بين 170 متوقعا ترشحهم (بواقع 85 مرشحا من كل حزب) خاض من بينهم 70 مرشحاً انتخابات تمهيدية داخل حزبهم في مواجهة مرشحين علي الأقل، فيما خاض 77 انتخابات داخلية في مواجهة مرشح واحد، بينما 23 مرشحاً لم يتحداهم أحد. لم تكن مفاجأة أن الجزء الأكبر من الاقتراع كان علي المقاعد المستقلة علي النحو التالي: 15 جمهوريا تنافسوا علي مقعد أخلاه سبيكر بوينر في المقاطعة 8 بولاية أوهايو، كما تنافس 9 جمهوريين علي شغل مقعد المقاطعة 19 بولاية تكساس، فيما تنافس 6 ديمقراطيين علي شغل مقعد المقاطعة 15 بنفس الولاية. ومع الصراع بين الجمهوريين وبعضهم البعض علي تلك المقاعد، قرر حزب الشاي Tea Party الجناح الأكثر تشدداً داخل الحزب، أن وارين دافيدسون هو مرشحه المفضل لشغل منصب بوينر. ورغم أن انتخابات الرئاسة هي المستحوذ الأكبر علي اهتمام الشارع فإنه من النادر أن يتحدث مرشح للكونجرس عن تأييده لمرشح رئاسي داخل حزبه، فإذا كان تيد كروز الذي يشغل منصب سناتور عن ولاية تكساس أدي بشكل جيد جداً في أروقة الكونجرس إلا أن أعضاء الحزب في تكساس لم يحسموا أمرهم تجاهه كمرشح رئاسي، وهم فقط اتفقوا علي سب هيلاري كلينتون علي مواقعهم بنفس بذاءات دونالد ترامب. وعلي النقيض من ذلك، في انتخابات تمهيدية جمهورية بولاية ميسيسيبي (المقاطعة الثالثة)، طلب جيمي جايلز من مناصريه «جعل أمريكا عظيمة مرة أخري» وهو نفس شعار حملة ترامب الانتخابية، وكان منافس جايلز هو جريج هاربر، وبدا الصراع وكأنه بين جايلز وترامب من جهة باعتبارهم «معسكر المتمردين» داخل الحزب، ومن جهة أخري جريج هاربر الذي وصفه منافسه بال«كذاب، خائن، قاتل أطفال» وهي نفس نوعية الشتائم التي يستخدمها ترامب ضد منافسيه، وعلي العكس من ترامب الذي تشكل تلك البذاءات جزءًا من شعبيته فإن جايلز مني بخسارة تاريخية في 8 مارس الماضي بواقع 11% مقابل 89% لهاربر. في المعسكر الديمقراطي، هناك حالة من الاستحسان لبيرني ساندرز لا سيما في الأوساط التي تميل بشكل أكبر لسياسات اليسار، إذ كتب أحد المرشحين في ولاية إلينوي «نعرف أن ترامب هو من يتصدر السباق الجمهوري ونعرف خلفيته ومن أين أتي، كما أن فلسفة ساندرز تشكل مفتاحاً وحيداً للنجاح أمام تلك النوعية من الناخبين التي تؤيد ترامب»، ولكن ثناءه علي ساندرز لم يفده بشيء حيث خسر أمام أماندا هولاند في 15 مارس بنسبة 33٫1% مقابل 66٫9%. الآن يمكننا النظر إلي المرشحين للانتخابات التمهيدية للكونجرس لنقيس مدي تأثيرهم علي دونالد ترامب عند الجمهوريين وبيرني ساندرز عند الديمقراطيين، حيث إن ترامب وساندرز المصنفين بأنهما من المغردين خارج سرب حزبيهما، يمكن أن يلهما أخرين يتمتعون بنفس الروح للترشح للانتخابات التمهيدية للكونجرس، وحتي إن خسروا فإنهم لن يخسروا كل شيء، إذ قد يكون ترشحهم بمثابة رسالة لمن سيفوز بأنه يمكنه الاعتماد عليهم فيما بعد. في النهاية سيتم وضع أقوال وتصرفات المرشحين للانتخابات التمهيدية للكونجرس تحت الميكروسكوب علي مدار العام الجاري، وحتي بعد انتهاء الانتخابات التمهيدية الرئاسية في يونيو المقبل، إذ تستمر انتخابات الكونجرس في الصيف وحتي الخريف المقبلين، وإن كان كل ذلك مجرد نظرة مبدئية، انتظاراً لشيء مؤثر في نوفمبر المقبل، حيث الجولة النهائية من انتخابات الكونجرس والرئاسة معاً، وإلي ذلك حين تبقي عدة أسئلة معلقة بدون إجابات: فهل سيبقي حزب الشاي علي قيد الحياة في حال فوز تيد كروز ببطاقة الترشح الجمهوري؟ وهل يستطيع بيرني ساندرز إحداث ثورة سياسية في المعسكر الديمقراطي؟