من الأعمال الدرامية الناجحة والجيدة شكلا ومضمونا حلقات »الحارة« التي كتبها أحمد عبدالله ورصد من خلال أحداثها صورة واقعية لما يحدث داخل الأحياء الشعبية التي تزدحم بمثل تلك الحارة التي تضم نماذج بشرية مختلفة بعضها يصلح أن يكون عنوانا للعشوائية والانحطاط الأخلاقي بينما بعضها الاخر تتوافر فيه كل مفردات العلاقات الانسانية والمودة والرحمة والمحبة والترابط الاجتماعي الذي يعبر بصدق عن مفهوم الجدعنة والشهامة والرجولة عند أولاد البلد بل والتسامح والمحبة بين عنصري الأمة. من هذا المنطلق يبنغي ان ننظر لحلقات »الحارة« فهي ليست كلها سلبيات وكشف للعورات وإنما هناك ايجابيات تفضح وتكشف هذا الواقع المؤلم المسكوت عنه وهو الأمر الذي فعله السيناريو الممتع للموهوب احمد عبدالله وصوره بوعي وفهم وصدق المخرج المتميز سامح عبدالعزيز. وفي حلقات »الحارة« نشاهد اوجاع الناس البسطاء وآلامهم وطموحاتهم وآمالهم وهو يضم شرائح مختلفة من البشر نلتقي بهم يوميا في الحياة بحلوها ومرها فهناك الناس المطحونة وطبقة المتعلمين والمثقفين وايضا نصطدم بعالم البلطجية والأرزقية واللصوص ولاعبي الثلاث ورقات والمتاجرين بالمبادئ الأخلاقية والمشعوذين وغيرهم من أصحاب الأقنعة الزائفة وكلها صور حقيقية موجودة في واقعنا ولا ينبغي أن نخجل منها أو نتواري عنها ونقول إنها تسئ إلينا وننسي أن كل ما نشاهده من قضايا داخل هذا المكان تستحق ان نقف أمامها طويلا ونتأمل كل مشهد منها علي حدة بحثا عن الحلول المناسبة التي تستأصل هذه الأوجاع من جذورها بحزمة من الإجراءات والقوانين التي تعيد لساكني هذه الحواري ادميتهم وكرامتهم وحقوقهم المشروعة في الحياة الكريمة. والمسلسل نجح في بنائه الدرامي بصورة ذكرتنا بأعمال اخري خالدة عرفناها في أفلام ومسرحيات شهيرة مثل »بداية ونهاية« والثلاثية الشهيرة لأديبنا العملاق نجيب محفوظ وايضا غاص فيها مسرحنا وشهدنا نعمان عاشور أبو المسرح المصري يغوص فيها بشدة من خلال عرض »الناس اللي تحت« ثم أزدحمت بها شاشة السينما وربما كان آخرها فيلمي »الفرح« و»كباريه« للثنائي الموهوب أحمد عبدالله وسامح عبدالعزيز وهما صانعا حلقات »الحارة« إذن مانراه ليس غريبا عن التركيبة السكانية لمجتمعنا وأؤكد بحكم ترددي علي الأحياء الشعبية ان هناك شخصيات تعد صورة طبق الأصل من الشخصيات التي يقدمها العمل مثل الأستاذ »تمام« الذي يجسد دوره الفنان العملاق صلاح عبدالله فهو نموذج حقيقي لمئات الموظفين هواة الخطابة في المساجد وبهم شروخ نفسية كثيرة تكشف عنها تصرفاتهم فيما بعد من مواقف أو أحداث صادمة! ومن الشخصيات الأخري التي شعرت تماما بصدقها شخصية »شوقي« التي جسدها ببراعة النجم أحمد فلوكس ابن الاستاذ »تمام« الذي تناولته في سطوري السابقة بينما كانت الأم عفاف شعيب التي أذهلتنا بأدائها المذهل لشخصية »زينب« أم »شوقي« ابن الحارة بكل تناقضاته وعيوبه ومزاياه ! وتوقفت طويلا أيضا من خلال احداث المسلسل الممتع امام شخصية النجمة الكبيرة سلوي خطاب التي تعبر عن وجهة نظر المثقفين أو المناضلين من اجل حياة افضل للناس الغلابة التائهين بين السما والأرض. والحلقات غنية بشخصيات أخري حقيقية منتشرة في حوارينا وأحيائنا الشعبية مثل شخصية الصيدلي التي جسدها الفنان القدير وصاحب القامة العالية في اداء مثل هذه النوعية من الشخصيات الصعبة وأقصد به حمدي أحمد العائد الي شاشة الدراما الرمضانية بعد غياب طويل بعمل شديد التميز والاحترام. وفي »الحارة« نجمة أخري تزداد بريقا ولمعانا مع كل عمل تؤديه علي شاشة التليفزيون وهي الفنانة نيللي كريم التي تظهر في شخصية »مني« ابنة تاجر المخدرات والتي تدخل في مواجهات حادة مع أمين الشرطة الذي قدمه باتقان شديد باسم سمره. وفي حلقات »الحارة« نجوم آخرين جاء أداؤهم علي مستوي فني عال وأذكر من بينهم سوسن بدر ورانيا يوسف وكريمة مختار وعلا غانم وسلوي محمد علي وعلاء مرسي ومحمود عبدالمغني وفتوح أحمد ومحمود الجندي وصبري عبدالمنعم وعبدالله مشرف وعفاف رشاد ونهير أمين وحسن العدل والنجمة الصاعدة ناهد السباعي ومحمد احمد ماهر وغيرهم من النجوم الذين تضيق المساحة هنا بذكر اسمائهم وكانوا نجوما فوق العادة. ولا يفوتني الاشادة بديكورات الحلقات والتصوير المتميز لجلال الزكي وايضا بغناء طارق الشيخ لتترات الحلقات وكانت تعبيرا جيدا عن جو الأحداث الدرامية. وحلقات »الحارة« الممتعة يقف وراءه جهد انتاجي كبير فلولا المنتج الجرئ حسام مهدي ما خرجت الي النور نتيجة لعدة أزمات مالية تعرضت لها الحلقات اثناء التصوير علاوة علي وجود عنصر آخر مهم لعب دورا مهما في تقديم المسلسل بهذه الصورة الجيدة الصنع وهو المنتج الفني الدينامو الذي لا يهدأ ليل نهار محمد عبداللطيف وكتيبة أخري من الفنانين وخبراء الانتاج مثل سمير وصفي حيث تضافرت الايدي والجهود مع الثنائي الموهوب احمد عبدالله وسامح عبدالعزيز وفريق الممثلين والفنيين المحترمين لتقديم عمل يستحق كل التقدير.