لا أميل إلي تسميته يأس، ولكنها حالة فرضت سطوتها علي الشباب، استبطأ جريان الأحداث بعد تدفق قلب الموازين، وخلف الظنون، وخلق للحاضر والمستقبل زماما ولجاما يسوق به ولا يساق، شباب يبحث عن دور بعد نجومية، يسعي إلي حمل ليس بحلمه، يتظاهر بالصبر.. واللهفة إلي العطاء تسكنه، عيناه ممدودتان إلي أدوار أعُطيت لغيره، أو إلي أدوار رسمها في خياله، أو حتي إلي ما يعلم أنه آتيه فظل ينتظره وسيطول الانتظار طالما ينتظر!.. حمل الشباب القادم له عدة وعتدادا ولرفعه لابد أن يكون علي أصوله حتي يؤتي الغرض منه فلا يمكن تغليف اللهفة بالصبر، فإذا حدث تأكد أن ثالثهما اليأس، ولست هنا لأحدثكم عن الصبر فالحال سواء، ولكن إذا انشغل المرء بالمعركة ولم يمد عينيه إلي الغنائم كان النصر حليفه، فما بالكم بمن يستعد للمعركة وعينه علي الغنائم، أي انتصار يمكن أن يحققه هذا الملهوف، حمل هذه الأيام ليس حلمكم يا شباب إنما هي أيام هدم لجُدر سيئات لم يُعلِها جيلكم ولم ينظر إليها حتي وهي ترتفع، فاتركوا الهدم لمن أعلي فهو أدري كيف أعلي السيئات، وإنما استعدوا للبناء، وحتي لا يكون بناؤكم كجدار من سبقكم عليكم بالأساس كلما صَلُب ارتفع بناؤه، والصلابة في الصبر، والصبر في الرضا، فلو تبدلت بك الأحوال ما بين رخاء وشدة لم تُبدلك، وظللت علي رضاك عن مولاك، فلم تنشغل بالنعمة، ولم تكترث للبلاء. وليس محقاً من قال ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع، فسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ارتفع ولم يقع، وكثير من الصالحين والأولياء ارتفعوا وخُتمت حياتهم بالحسن.. لكن ذلك الذي ارتفع ثم وقع، لأنه لم يتحمل ضغط الطبقات العلي، فصُمت أذناه وعُميت عيناه ولم يعد يدرك مما حوله إلا نفسه حتي إذا سقط تخلي عنه من ظن أنهم يساندونه كأنهم لم يعرفوه.