هو في البداية كرسي تربعت عليه وسلطة اصبحت طوع أمرك..سكك كثيرة تُنزل المرء ذاك الابتلاء.. في تلكم السكك أناس يزحفون، يهرولون، ومنهم من هرول إليه الكرسي. للكرسي طبائع صبغها من تناوب الكرسي علي إتيانهم فيستسلم المتربع للطبائع وهي في زماننا جُبلت علي الأنانية والغلظة و..و..و..و..، كثير من الصفات التي يمكن أن تعطف علي ما سبق، اسردها في عقلك كما تشاء، يعكف المستسلم علي تحصيل المزايا دون استمتاع.. فهو خائف ومتردد، ومنهم من أتي الكرسي يحمل مبادئه فصرع طبعا للكرسي تارة وصرعه طبع آخر في نزلة أخري، التيار جريف يأخذ في وجهه من ليس براسخ تُنتف أوراقه وتٌكسر أغصانه يوماً بعد يوم بحجة المصلحة العامة التي بعد أن كانت ساطعة لا يختلف عليها اثنان أصبحت لا يجتمع عليها اثنان.. ينهزم.. يهرب من مبادئه إلي طبائع الكرسي، ويغض البصر عن المعني السوي للأمانة التي أتت منها مبادئه التي هرب منها واسترجع يا كل صاحب لهذا المقام أفكار الطفولة والشباب تدرك انهزامك، ومنهم من أتي الكرسي فسلكت طبائع الكرسي مسلكاً آخر، لم تستطع أن ترفع عينها أمام ذلك الهُمام، لم يهادن الشر، ولم يداهن النفاق، أو كما قال الأكابر «خشي الله في الناس ولم يخش الناس في الله، لم يختلف قوله عن فعله، علم أن الدنيا أمد والآخرة أبد، هارب إلي الله من سخطه، لم يكن بمنزلة البهيمة مرت بواد خصب فلم يكن لها هم إلا التسمن وإنما حتفها في التسمن، يتجنب مجالسة السفهاء فإن مجالستهم داء». لا تُنزل ما سبق علي أشخاص قبل أن تنزله علي نفسك ونفسي أولا. العنيد مسافر.. وصل إلي محطة القطار.. علي الرصيف صادف صديقه كان يودع أحد أقاربه الذي بادره بعد السلام.. إلي أين؟.. إلي الإسكندرية.. ولكن هذا رصيف أسوان.. لم يصدقه المسافر.. فرغم صداقة عمرهما إلا أن السياسة خرقتها.. فاعتقد أن إضلاله رغبته كما كانت من قبل في السياسة.. سلم عليه في تحدٍ، منهيا للحوار فالقطار سيتحرك.. أدار ظهره واستقل العربة.. انطلق.. الحسرة تقتل المسافر علي صديقه الذي تاه.. لافتة بني سويف كأنها سكين حاد تقطع أفكاره وتجرح عينيه التي ذرفت دمعتان تغسلان ما لصق بهما بعد أن اتسعت الحدقتان من المفاجأة.. انتبه أنه صديقه يخدعه لا يمل ولا يتردد في فعل أي شيء لإضلاله بمساعدة آخرين فمن علي شاكلته امتلأت بهم البلد.. الكل في ضلال.. هدأ روعه فأخيرا تناول المبرر.. وبدأ يسري في أوصاله.. أنه يريد أن ينام ظاهرا لأنه مرهق وباطنا لأنه لا يريد أن يري اللافتة القادمة!