أمام محطة سكة حديد القاهرة بميدان رمسيس بجوار الباب الرئيسى لدخول الركاب، يتجمهر الكثير من الناس من كل حدب وصوب يتسابقون للحاق بالقطارات المنوطة لهم غير مكترثين بما يرونه أو يسمعونه فى الفترة الأخيرة عن حوادث القطارات وإهمال عمال المزلقانات، أو ما يتردد عن نية بعض الجماعات الإرهابية استهداف القطارات وتفجيرها مناشدين العمال المسئولين عن تفتيش الحقائب سرعة إنهاء عملية التفتيش لكى لا يفوتهم القطار، وفى المقابل وأمام حوش محطة السكة الحديد يتواجد العديد من الكمسرية أو سائقى الميكروباص يترصدون للأشخاص الذين فاتهم القطار ويتسابقون أيضا فيما بينهم من أجل الفوز بعدد كبير من الأشخاص وسرعة تحميل سياراتهم. الطبقة المطحونة والتى تقترب يوما بعد يوم من الوصول إلى خط الفقر أخيرا وجدت ضالتها فى عودة ولو قطار واحد يوميا يسعفهم من الأتاوات التى تفرض عليهم من سائقى الميكروباصات، وذلك بعد الانتكاسة التى شهدتها خطوط السكك الحديد بتوقف جميع القطارات من وإلى العاصمة لفترة ليست بالقصيرة إبان ثورة 30 يونيو والتى أعقبتها أزمات مرورية طاحنة لم تشهدها البلاد من قبل على الطرق السريعة.
يدخل الركاب إلى ساحة المحطة ومنهم من يتوجه إلى الكمسرى ليسأله عن موعد قيام قطاره أو الرصيف الذى يتواجد عليه، ومنهم من يتجه مباشرة إلى الرصيف المتواجد عليه قطاره وذلك الشخص هو من ركاب القطار المنتظمين والذى يستقلون القطار يوميا وبصفة منتظمة ويعرفون مواعيد قيام القطارات ويحفظونها عن ظهر قلب.
عادل رضا طالب بكلية الهندسة ومحمد مصطفى رخا طالب بمدرسة التمريض ومقيمان بمدينة المحلة الكبرى يقولان لنا وهما جالسان أمام رصيف لا يوجد عليه قطار أنهما يستقلان القطار يوميا من وإلى القاهرة ويضطران للاستيقاظ من الساعة 4 صباحا لكى يلحقا القطار المتجه إلى القاهرة والذي يمر بالمحلة علما أن مواعيد دراستهما تبدأ من الساعة التاسعة وهو ما يتركهما فى فراغ من الوقت بدءا من وصول القطار إلى القاهرة حتى موعد بدء المحاضرات.
وعلى الرصيف المجاور يقف القطار المتجه إلى الإسكندرية فى وضع الاستعداد للتحرك من المحطة بعد أن امتلأ عن آخره لدرجة أنه لا يوجد موضع قدم، فاتجهت مجموعات من الناس للوقوف بين عربات القطار.
ومن إحدى نوافذ القطار المستعد للتحرك يقول لنا محمد مصطفى الطالب بكلية الآداب جامعة حلوان: إن عودة ولو جزء من حركة القطارات كانت بمثابة العيد بالنسبة له، حيث إنه عانى كثيرا فى الفترة التى توقفت فيها القطارات نظرا لأنه كان يستقل المواصلات العامة والتى تشهد ازدحاما وتكدسا من قبل الناس وكان دائما ما يصل جامعته متأخرا، إضافة إلى المصاريف الباهظة التى كان ينفقها يوميا.
ميادة طه الأستاذة بكلية تمريض جامعة حلوان ترى أن عودة القطارات كانت عودة حميدة، حيث أصبحت القطارات أكثر التزاما بالمواعيد من ذى قبل بعد أن كان لديها خلل واضح فى مواعيد القيام قبيل ثورة 30 يونيو وفى آخر حقبة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، كما أن إجراءات التفتيش التى تتم على أبواب المحطة أضافت نقلة نوعية لهيئة السكة الحديد فى زيادة معدلات الأمان للركاب، خاصة حالات السرقة التى كانت مقرونة دائما بمحطات السكك الحديدية كما أن هناك اهتماما واضحا من قبل الكمسرية بتحصيل الرسوم من الركاب وقبل دخولهم إلى القطار.
ومن بين إحدى عربتى القطار المستعد للتحرك يقول لنا أحمد بيومى عامل والشحات فريد موظف بالأزهر أنهما اضطرا للوقوف بين العربات نظرا لعدم وجود أماكن داخل العربات لوقوفهما، ولو كان هناك مكان لما اضطرا للوقوف فى هذا الوضع وتعريض حياتهما للخطر وهما يقفان فى هذا الوضع ليس تهربا من دفع الرسوم لأنهما يمتلكان اشتراكا سنويا فى القطار يسمح لهما باستقلال القطار فى أى وقت.
عم مصطفى بشرى بائع شاى تعثر أن يدخل إلى القطار بسبب التزاحم الشديد بداخله، فراح يتجول أمام عربات القطار من على الرصيف وينادى من خلال النوافذ على الركاب «حد عايز شاى يا أفندية بجنيه الشاى»، عله يجد من يشترى منه طالبا من الله أن يرزقه بقوت يومه. فاستوقفناه وسألناه عن رأيه فى عودة القطارات فأجاب أنه تمنى هذه العودة منذ فترة، نظرا لأن لقمة عيشه يجمعها من خلال بيع الشاى داخل القطارات، وجاء توقف حركة القطارات بخسارة مادية كبيرة له، وقال بالحرف الواحد: «احنا اتخرب بيتنا فى الفترة دى يا بيه»، ورغم عودة القطارات، أضاف أن أداء عمله لم يصبح مثل السابق نظرا لازدحام القطار الشديد فهو لا يستطيع الركوب والتجول داخل القطار أثناء وقوفه وأثناء سيره مثل السابق وناشد بعودة جميع القطارات حتى يتسنى لجميع المواطنين قضاء مصالحهم وحتى تعود الحياة لطبيعتها.
ويقول هشام ممدوح أحد الكمسرية أنه رغم نعمة عودة القطارات فالناس لم تلمس هذه النعمة والتى وفرت على الناس الكثير من الوقت والجهد والأعباء المادية، إلا أن مخالفات وتجاوزات الركاب ازدادت عن ذى قبل وبدا ذلك واضحا فى التهرب الدائم من دفع الرسوم.
محمد عبدالسلام سائق قطار يقول لنا: إن عودة القطارات لبت مطالب الشعب وسوف تعود حركة القطارات بكامل قوتها قريبا، وأن الظروف الأمنية والتصليحات التى تقوم بها هيئة السكة الحديد هى السبب فى توقف حركة القطارات.
أشرف شعبان مرسى ومحمود سعيد عاملا نظافة من القليوبية قالا إن مجال عملهما لم يتأثر بتوقف القطارات أو عودتها فهما يمارسان عملهما يوميا.
وأثناء التحدث مع عاملى النظافة وجدنا هرولة عدد كبير من الناس خارج الرصيف وتجاه المخازن التى يأتى منها القطارات، وبدا أن هناك قطاراً يستعد للدخول إلى الرصيف وأن الناس قامت بالتوجه إليه والتسابق لكى يحجزوا أماكن لهم، قبل أن يمتلئ القطار وكان هذا القطار سيغادر إلى مدينة الإسماعيلية.
فتوجهنا صوب القطار فوجدنا احتشاد عدد كبير من الناس على قضبان السكة الحديد فى انتظار تحرك القطار، وامتلأت جميع المقاعد المخصصة للجلوس وحدثت مناوشات ومشادات كلامية بين بعض الركاب بسبب بعض المقاعد التى يحجزها البعض لأصدقائهم أو أقاربهم وصلت إلى حد التراشق بالألفاظ والشجار بالأيدى إلى أن تدخل بعض الركاب وفضوا النزاع، وهناك بعض الركاب اتخذوا أماكن بين عربات القطار رغم عدم ازدحام القطار حتى يتهربوا من دفع الرسوم المخصصة داخل عربات القطار وانتظرنا قرابة النصف ساعة حتى بدأ القطار فى التحرك مغادرا القاهرة.
ومن داخل القطار هناك من جلس بجوار باب عربة القطار وقد بدا عليهم الإرهاق وعدم القدرة على الوقوف مترجلين وهناك من جلس على حاملات الأمتعة ومنهم من خلد إلى النوم وهناك من فازوا بالمقاعد فمنهم من بدأ يقرأ الصحف ومنهم من بدأ يتحدث مع الآخرين، وقد بدت النقاشات السياسية هى المسيطرة على الناس داخل القطار.
وأشار على لاشين وهو موظف على المعاش من الزقازيق أنه رغم قلة سفره بالقطار، إلا أنه يخشى أن تنال القطارات العمليات الإرهابية الموجودة بصفة مستمرة فى سيناء لأن تهديدات جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم موجودة ومستمرة، ولابد أن تتخذ الحكومة قرارات حاسمة تجاه هذه الجماعة المحظورة لأن وجودها بين الشعب المصرى يمثل خطرا كبيرا على الحاضر والمستقبل.
فيما أكد أحمد الشرقاوي وهو محام بالقاهرة، ومحمد شحتة عامل بشركة ملابس ويقيمان بمدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية أنهما يخشيان دائما من استهداف القطارات من قبل بعض الإرهابيين المناصرين لجماعة الإخوان.