إنها مثال صارخ لغياب الضمير، وباب مفتوح علي مصراعيه للتربح والفساد، ودليل علي فشل السياسات وعشوائيتها كانت غريبة علي مسامعي هذه الكلمة حين طرقت أذني وسط رهط من الأهالي، لكني وجدتها مألوفة بينهم يتحدثون عنها كإحدي أبجديات وبديهيات العصر. إنها «نحتة» عبقرية من عبقريات اللغة العربية وجمع تكسير للكلمة الإنجليزية «سنتر» . يعرفها كل من لديه ابن أو إبنة في الثانوية العامة أو تجاوزها خلال العقود الماضية. هي الصورة العصرية «الشيك» للدروس الخصوصية، والبديل الموضوعي للمدارس بجميع أنواعها ومستوياتها.. سواءً كانت حكومية أو خاصة. هي التحدي الأكبر لكل أفكار وإبداعات ومحاولات إصلاح منظومة التعليم. تنعقد المؤتمرات لإصلاح التعليم، تتشكل اللجان، تصدر القرارات، تُسن القوانين، و«السناتر» قائمة لا مساس بها. الثانوية العامة تحصّل في سنتين أم في سنة واحدة لايهم.. السناتر قائمة. كادر المعلمين يطبق أو لايطبق لايهم فالسناتر قائمة. تتطور المناهج الدراسية أم تظل عقيمة لايهم.. السناتر قائمة. كليات التربية التي تخرج المعلمين المدربين تنهض بخريجيها أم لاتنهض لايهم السناتر قائمة. تُري من الذي يحارب الدروس الخصوصية؟ هل هم الأهالي؟ قطعا لا. لقد أذعنوا واستسلموا للأمر الواقع. يدفعون الرسوم المدرسية كاملة ولا يتلقون الخدمة المقابلة يعرفون ذلك لكنهم يحتاجون لتسجيل أبنائهم في صفوف دراسية منظمة، ثم يدفعون الآلاف في تلك المراكز الخاصة وهم صاغرون لأن هذه هي الطريقة المضمونة للعبور من عنق الزجاجة وحش التعليم الثانوية العامة. هل هي المدارس؟ كلا أيضاً. فالتلاميذ لا يذهبون لتلقي العلم في مكانه الطبيعي رغم أن هناك نسبة حضور بالمدرسة يجب أن يحققها الطالب. المدارس تعرف هذه الحقيقة وتتغافل عنها في تواطؤ شائن بل إنها تشجع التلاميذ علي عدم الحضور وتقوم بتسديد نسب الغياب نيابة عنهم حتي تكون الأوراق الرسمية سليمة ولا أحد يراقب أو يحاسب. وماله الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا (علي رأي الفنان حسن البارودي في فيلم الزوجة الثانية). المدرسون في تلك «السناتر» من ذوي السمعة الطيبة في مهنتهم. هم خبراء أو استشاريون لكل واحد منهم عدد من المساعدين يعني نفذوا «الكادر» علي طريقتهم! أعداد الطلاب في المحاضرة الواحدة تتجاوز المائة علي أقل تقدير. يمكنك ان تتساءل كيف يمكن للطلاب أن يحصلوا ويفهموا الدرس وسط هذا العدد الهائل ولايفهمونه في فصولهم المدرسية التي لا يمكن ان تصل أعداد طلابها الي نصف عدد طلاب السناتر؟ هل هو الجو الجامعي الذي تحققه تلك المحاضرات من قاعات واسعة خاصة وتحرر من الزي المدرسي وقيود التعليم النظامي؟ أم أنها طريقة الشرح الجذابة التي يفتقدونها في مدارسهم وحرفية المعلمين . أليس هؤلاء مدرسين أيضاً في مدارس؟ هل يقدمون نفس الخدمة المتميزة في مدارسهم؟ هل هي الدولة؟ أيضا الإجابة هنا بالسلب ولتأكيد ذلك دعونا نتحري عن كيفية تعامل الدولة مع تلك المراكزالتي تمتلك هياكل إدارية متكاملة. هل ثمة رقابة تعليمية وإدارية وماليةعليها؟ هل تعمل بترخيص؟ هل يدفعون الضرائب للدولة؟ إن بعض كبار المدرسين يستأجرون قاعات ضخمة في مراكز مخصصة للمؤتمرات لكي تستوعب أعداد التلاميذ الهائلة. هذه التجارة مثال صارخ لغياب الضمير، وباب مفتوح علي مصراعيه للتربح والفساد، ودليل علي فشل السياسات وعشوائيتها تقوض أي جهود حكومية للنهوض بالبلاد تقويضاً منظماً.