الامة التي تنكر اصحاب الفضل ستكون يوما فريسة لجحود الابناء والاحفاد فالجحود هو المرض الوراثي الوحيد الذي يكتسب فهذا الرجل هو الذي كسر قيودنا بعد طول معاناة وله دين مستحق في اعناقنا، وشكر واجب الاداء. بعد أن ينتصف ليل القاهرة، وفي هدأة السكون، كثيرا ما أخلو الي نفسي، أسجل أحداث ما مر بي في هذا اليوم واستعيد مشوار حياتي في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة.. منذ ان كنت طالبا متدربا بدار أخبار اليوم فترة الستينيات من القرن الماضي، ومن كتبت عليه خطي مشاها.. سواء كانت مفروشة بالورود أو الأشواك.. ويطيب لي أحيان كثيرة ان اقف عند بعض المحطات الفارقة.. وفي هذه الحالة اتذكر اصحاب الايادي البيضاء، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف في الرأي، أو في المعتقد السياسي، فيظل فضلهم قائما لا تمحوه الايام، يكفي ان هذه الايادي البيضاء ساندوك خلال هذه المسيرة الشاقة والمضنية.. وما أكثر الاشواك التي وضعت في طريقك، وما اكثر الطوب الذي ألقي عليك، وهو مستمر حتي الآن، لشغلنا عن الهدف المرجو في مهنة اخترتها طواعية وأحببتها فهي رسالة سامية، تدعو الي الحق والعدل ونصرة المظلوم وكشف الاعيب الفاسدين. الآن أمامي أوراق، والقلم في يدي، والقلم هو الصديق الوفي، الأمين، رفيق دربي الذي الجأ إليه استشيره، ولا اذكر أننا اختلفنا يوما، فقد امتزج بي وامتزجت به، هدفنا واحد نقول للمحسن أحسنت، وللمسيء أسات، مهما كان موقع هذا الشخص في السلطة، لا نخشي في الحق لومة لائم وبعدها لا نبالي، ونحرص ان يكون نقدنا للمسئول وفق المعايير المهنية السليمة، مبرأ عن الهوي والغرض الشخصي، ننقد الافعال والسياسات ولا نتعرض للحياة الخاصة للاشخاص، الا اذا كان هذا السلوك يتعارض مع صالح المجتمع والوطن، ولا نقلل من شأنهم أو نسخر منهم بأساليب ملتوية. وقلت أن أول من يستحق ان يذكر بالخير الكاتب الكبير الاستاذ محمد بركات رئيس «الأخبار» ورئيس مجلس ادارة «دار أخبار اليوم» الأسبق متعه الله بالصحة والعافية وراحة البال. وأكبرت في القلم الوفاء، فالامة التي تنكر اصحاب الفضل ستكون يوما فريسة لجحود الابناء والاحفاد فالجحود هو المرض الوراثي الوحيد الذي يكتسب فهذا الرجل هو الذي كسر قيودنا بعد طول معاناة، وله دين مستحق في اعناقنا، وشكر واجب الاداء. ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.. واليوم جاء وقت الشكر خاصة اذا كان هذا الشكر مبرأ من كل غرض، فالكلمة الطيبة في حق انسان كبير تثلج قلوب المحبين، واذا لم نقلها اليوم فمتي تقال؟.. نقولها اليوم لانها أخلد وأبقي علي الدوام، ووجدتها فرصة مواتية ايضا لقرب مرور عشر سنوات علي عضويتي في نادي القلم.. نادي كتاب: يوميات «الأخبار» .. وليس لدي ما أقدمه للاستاذ بركات سوي كلمة شكر، وتذكرت قول الشاعر المتنبي عندما اكرمه احد الولاه، وقدم له يد العون، والمتنبي لا يملك سلطة ولا مالا ولكنه يملك فكرا، فماذا يفعل، فأنشده أبياتا من الشعر، خالدة علي مر الأيام. يقول الشاعر: لا خيل عندي نهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال وتوقف شريط الذكريات عند يوم الاحد 12 ديسمبر 2005 فهو يوم لا ينسي في حياتي، عندما ذهبت اليه لتهنئته برئاسة تحرير «الاخبار».. فاجأني قائلا: لماذا لم تكتب يوميات «الأخبار» حتي الآن.. قلت ظروف حالت دون ذلك، وأضفت قائلا: إن غاية ما يطمح اليه الصحفي ان يكون عضوا بنادي «اليوميات».. زميلا لكوكبة من عمالقة الفكر والادب والثقافة والخبرة والتجربة، يضيئون سماء الفكر والثقافة والتنوير. إن حياة الصحفي هي كل كتاباته، قال الاستاذ محمد بركات: علي بركة الله سنبدأ من هذا الاسبوع .. قلت له هذا تقدير أعتز به وفضل لا ينسي. قال الاستاذ بركات: انس ما فات ولنبدأ من اليوم، وان نغفر.. قلت: نعم نغفر، ولكن علينا الا ننسي، وهذه حكمة بليغة استعيرها من الزعيم الافريقي مانديلا عندما تولي مسئولية حكم جمهورية جنوب افريقيا بعد ان ذاق مرارة التعذيب في نضاله ضد التفرقة العنصرية المذلة لبني الانسان. أستاذ بركات: كل عام وأنتم بخير وكل من حولك طيبون.