علي الرصيف أمام أحد المطاعم في مدينة بورصا التركية جلست أتناول العشاء بصحبة صديق من أعضاء غرفة الصناعات الهندسية المصرية خلال زيارة لحضور واحد من المعارض الصناعية الكبري التي لايكاد يمر شهر إلا ويقام مثله في أحد المدن التركية وفي تخصص بعينه وتشارك فيه كبريات الشركات الصناعية في أوروبا وأمريكا.. سمعنا فجأة صوت ضوضاء شديدة صادر عن ماكينة للحفر.. وجهت بصري ناحية الصوت لأجد بعض العمال يقومون بعمل حفرة في مساحة من الأرض المتاخمة للرصيف أمام المطعم. بعد أن تعرفنا علي مصدر الضوضاء انشغلت مع صديقي في الحديث حتي انتهينا من العشاء.. غادرنا المطعم وقد اتسعت الحفرة ونزل بعض العمال في بطنها لإصلاح شئ ما.. في اليوم التالي مررت بنفس المنطقة عند المطعم الذي كان موقعة بالقرب من مقر إقامتنا بالفندق متعمدا أن ألقي نظرة علي موقع الحفر.. لاحظت أنه لا أثر ولا مخلفات علي الإطلاق لعملية الحفر التي جرت مساء اليوم السابق بعد إغلاق المحلات وانحسار أعداد المارة بالشوارع ،وشد انتباهي أن موضع الحفر قد تم رصفه بعناية شديدة، بل لا أكون مبالغا إذا قلت أن المكان صار أفضل مما كان! تذكرت الواقعة التي ظلت عالقة بذهني رغم أنه قد مرعليها سنوات وأنا أتابع توسعة «مطلع» زهراء المعادي المتجه ناحية طريق الأوتوستراد والتي بدأت بشكل جدي مما جعلني استبشر خيرا معتبرا ما يجري نموذجا علي تغير فكر إدارة المحافظات والأحياء في مصر خاصة وأن «المطلع» قد صار مشكلة تعطل حركة السير لضيقه وعدم قدرته علي استيعاب الأعداد المتزايدة من السيارات بعد أن تكدست المنطقة بأعداد غفيرة من السكان تفوق احتياجاتها مقدرة البنية التحتية من المرافق التي صممت لخدمة عدد من السكان يقل عن نصف أعداد المقيمين بالمنطقة الآن.. فجأة بدأت الحركة في التباطؤ.. يوم تري العمال واللودرات ويوم لاتراها، حتي وصل الأمر إلي أن توقفت حركة العمل تماما دون أن تستكمل التوسعة دون سبب مفهوم! قد يتصور أحد أنني أثير القضية لمصلحة شخصية باعتباري من سكان المنطقة المستفيدين من الانفراجة النفسية التي كانت ستترتب علي التوسعة، لكن- لاوالله – ما قصدت بضرب المثل إلا أن أشير إلي مستوي الأداء وفكر الإدارة الذي مازال لم يتغير والذي كان ومازال يتعامل بفلسفة « اللي مايخلص النهاردة يخلص بكرة أويخلص الأسبوع الجاي أو الشهر الجاي.. إيه المشكلة يعني.. يولع المواطن ويغور في ستين داهية»؟ ! مكمن الخطورة في مثل هذا الفكروهذا الأداء سواء كان عن عمد أو عن اهمال وتراخ أنه يرسخ في أعماق المواطن المصري - الذي استبشر خيرا بالنظام الجديد- بأن عليه ألا يتمادي في التفاؤل أو يتخيل أن شيئا تغير.. الأسوأ أن كثيرين بدأوا يشيعون أن مصر الفساد والرشوة والمحسوبية قد عادت، وأن الكلام عن إعطاء الفرصة للكفاءات هو ضرب من الخيال، وأن الصداقة والشللية والمجاملات وتبادل المنافع طبقا لنظرية « شيلني وأشيلك» المدمرة التي يبدو أنها ستظل المعيار والفيصل في اختيار الأشخاص لتولي المواقع القيادية وغير القيادية! لست من المتشائمين بل من النوع المتفائل لدرجة أنني – من خيبتي -- كنت أضرب المثل بتوسعة مطلع الزهراء لأثبت لأحد أصدقائي وجيراني من المنتمين لجماعة الأخوان أن فكر الإدارة قد تغير وأن مصر ستتسع أكثر وأكثر، وأن الحكومة جادة في أن تشعر المواطن بوجودها إلي جواره كتفا بكتف من خلال تحسين الخدمات، وأنها تعمل جاهدة علي توسعة الدنيا من حوله، وعندما توقف العمل في مطلع الزهراء أخذ صديقي الأخواني كلما يلقاني يمازحني ويذكرني بكلامي عن تغير الفكر ويقول لي» شفت مصر اتغيرت ازاي.. مش قلت لك ان مافيش فايدة «؟! لقد أصبحت أربط بين ما أصبح مترسخا في أذهان الكثيرين بأن مصر لم تتغير وبين حجم التبرعات التي يتلقاها صندوق «تحيا مصر» وتقاعس الأثرياء ورجال الأعمال عن المبادرة بدعم الصندوق بالشكل الذي يساعد علي إطلاق مجموعة من المشروعات الضخمة التي تبعث الحياة في شرايين الاقتصاد وتوفر فرص عمل محترمة لملايين العاطلين.. وأستطيع أن أؤكد أن تقاعس الأثرياء نابع من يقينهم بأنه لاشئ تغير في مصر وأن الغربال الجديد – الذي هو الرئيس – له شدة سوف تعود بعدها ريمة لعادتها القديمة، ويعودوا هم ليفسدوا – من تحت الطرابيزة - الحياة السياسية لتدور من جديد عجلة الفساد والرشوة والمحسوبية التي تصب في مصلحتهم وفي خانة حساباتهم البنكية.. وليذهب الشعب البائس إلي الجحيم. الآن تعالوا نغير السؤال.. فبدلا من أن يكون كما في العنوان: « هل تغيرت مصر فعلا « يكون: «هل يمكن أن تتغير مصر».. ؟