أليس مخجلا وعجيبا أن نلجأ لتلويث البيئة وتسميم الهواء باستخدام الفحم.. ونترك الطاقة النظيفة أظن، وليس كل الظن إثما، اننا نعلم، أو غالبيتنا علي الأقل يعلمون، ان أي شيء في الحياة هو نوع من أنواع الطاقة، وهو في شكله ومحتواه مجرد صورة من صور الطاقة المتعددة والمتنوعة،..، وأعتقد، وبعض الاعتقاد صحيح، اننا لن تختلف علي ان كل الأشياء في هذه الدنيا هي مجرد مواد، حيث ان كلمة «المادة» هي ما توافق عليه العلماء والعارفون لتسمية الأشياء المحسوسة في عالمنا الذي نعيش فيه ونحيا. والحياة هي في حقيقتها صورة من صور الوجود المادي والمعنوي، الذي هو في جوهره صورة من صور الطاقة،..، ولمن لا يعلمون نقول أن الفعل طاقة، والحركة طاقة، والتفكير طاقة والتعبير طاقة، والسكون ايضا طاقة، والتواصل طاقة، و، و،..، وكل شيء حي فيه طاقة أو هو عبارة عن طاقة،..، والحياة كي تستمر يلزمها طاقة، وبهذا لا يمكن ان تكون هناك حياة دون طاقة. والطاقة نعمة من نعم الله علي الانسان، خلقها له ومن أجله، وهيأ له العقل والمعرفة والعلم والحكمة كي يستطيع الانتفاع بها واستخدامها في حياته ومسيرته علي الأرض وحتي تقوم الساعة،..، ومن أجل ذلك كانت الرياح التي هي طاقة هائلة لو أحسن الانسان استخدامها، وايضا طاقة مدمرة لو أساء الانسان استخدامها،..، ولهذا ايضا كانت الشمس، وكانت البحار، وكانت الأرض، والجبال والصحاري والمرتفعات والمنخفضات والأنهار والسهول و، و.. وكل شيء خلقه الله سبحانه وتعالي ويسره لخدمة البشر واستمرار الحياة. الكهرباء ونحن نعاني الآن نقصا في الطاقة، أو إذا شئنا الدقة نعاني نقصا في أكثر صور واشكال وانواع الطاقة شيوعا واستخداما في الحياة الآن، وهي طاقة المحروقات والطاقة الكهربائية،..، والمحروقات هنا هي المواد البترولية والغازية، وأيضا المواد الصلبة مثل الفحم وغيره من المواد التي يمكن ان تحرق لإنتاج الطاقة الحرارية أو الطاقة الكهربائية. وهذا العجز أو النقص في الطاقة لم يظهر الي الوجود فجأة بين يوم وليلة، ولكنه بدأ في الظهور كحالة واضحة ومحسوسة خلال الثلاث السنوات الماضية، وإن كان قد ظهر فعلا علي استحياء في نهاية عام 2009 وعام 2010، ولكنه ظهر جليا في عام 2011 ثم استفحل بعد ذلك بصورة فجة وملفتة. ولمن يهمهم الأمر نقول، أن ضرر بل وخطر استمرار هذا العجز أو النقص في الطاقة، لا يعني فقط اننا مضطرون الي تحمل انقطاع الكهرباء بعض الوقت، مع ما يعينه ذلك من تأثير سلبي وسيئ علي جميع نواحي وسبل الحياة، ولكنه يعني في ذات الوقت توقف انشطة وصناعات كثيرة في الدولة، وهو ما يعني توقف بعض أو كثير من المصانع وايضا تعطيل مصادر انتاج عديدة،..، أي مزيد من التدهور الاقتصادي، وزيادة البطالة، وهروب المستثمرين وعدم القدرة علي إقامة مشروعات جديدة، وذلك يؤدي بكل صراحة الي خراب اقتصادي، وليس أزمة اقتصادية فقط. استنكار واسمحوا لي في هذا الخصوص وفي تلك القضية بالذات، أن أقول بصراحة ودون موارية اننا تعاملنا مع هذه الأزمة بكل التهاون، وبأقصي قدر من العشوائية وغيبة المنهج العلمي في التخطيط والتنفيذ، حيث إن هذه المشكلة لم تنشأ بالأمس ولكنها بدأت منذ خمس سنوات ووصلت الي حد الكارثة خلال العامين الماضيين،..، وقد يقول قائل اننا معذورون نظرا للظروف الخاصة والاستثنائية التي نحن فيها منذ ثلاث سنوات، وما نعانيه من نقص في الموارد المالية والبترولية وايضا من تعدد وتنوع وإختلاف المسئولين والوزراء ذوي الاختصاص في البترول والكهرباء خلال السنوات الثلاث،..، ولكني أقول ألم يكن من بين هؤلاء جميعا من فتح الله عليه ليعمل علي اعداد دراسة شاملة ودقيقة للأزمة، ويضع لها طرق ووسائل الحل والعلاج الناجع، بدلا من اللجوء الي المسكنات والحلول المؤقتة وترحيل الازمة الي من سيأتي بعده! هذا في الحقيقة ليس مجرد سؤال لكنه رسالة استنكار لهذا السلوك المؤسف وغير المسئول، ممن وضعتهم الدولة في موقع المسئولية خلال هذه السنوات الثلاث، فكان ان تفاقمت الأزمة ووصلت الي ما نحن فيه الآن، بحيث لم نجد بداً أو لم نجد حلا سوي اللجوء الي استخدام الفحم، بدلا من المواد البترولية والغاز في بعض الصناعات حتي لا نجبر علي توقفها وتعطلها، رغم ما في ذلك من أخطار لا يستطيع أحد انكارها،..، وهو ما يحتاج الي وقفة ونظرة متأنية وفاحصة لا تجمل الصورة، ولا تخفي المساويء والسلبيات، ولا تتجاهل المخاطر القائمة فعلا والتي يعرفها ويقر بها القاصي والداني في العالم كله. أخطار ومخاطر استخدام الفحم في الصناعة معلومة ومعروفة في العالم كله، وهناك اتفاق عام وشامل لدي جميع العلماء والخبراء، في كافة دول العالم المتقدمة والنامية وكذلك ايضا ما دون ذلك -أي المتخلفة- علي وجود هذه الأخطار، والتي تتركز حول التأثيرات السلبية للغازات والأبخرة الناجمة عن احتراق الفحم في حالة استخدامه كوقود، علي الصحة العامة للبشر نظرا للتلوث البيئي الذي تسببه هذه الغازات وتلك الأبخرة في المنطقة المحيطة بعملية الاحتراق وما حولها. وليس خافيا علي احد من هؤلاء جميعا ولا خافيا علينا نحن ايضا، ان هذا التلوث يعود اساسا الي الكمية الهائلة من الغازات الخانقة والسامة الناتجة عن احتراق الفحم والتي تضم في جنباتها ثاني اكسيد الكربون الخانق، وأول اكسيد الكربون السام، وكذلك الغازات الكبريتية والنتروجينية ولا يوجد خلاف بين أحد من العلماء أو الخبراء في الصحة العامة للبشر وأيضا للحيوان والنبات، علي التأثير المدمر لهذه الغازات علي الحياة بصفة عامة، لو تعدت نسبة تواجدها في الهواء النسبة الآمنة والمأمونة،..، وذلك شيء معلوم للكل وليس خافيا علينا بالتأكيد. وقد يقول قائل، وبالفعل هناك من يقول إن هناك دولا كثيرة في العالم تستعمل الفحم كمحروقات في الصناعة بنسب معينة حتي الان، ومنها دول كبيرة وقوية ومتقدمة علميا مثل المانيا وانجلترا وفرنسا والولايات المتحدة وايضا الصين وغيرها،..، وفي ذلك أقول: ان هذا صحيح نسبيا، ولكنه في ذات الوقت قو ل منقوص وغير كامل، وان المسألة لها جوانب أخري. تلوث وفي هذا الاطار لابد ان تذكر ما قد يعرفه البعض وما قد لا يعرفه البعض الآخر من قصة الفحم مع الانسان، والدور الكبير الذي لعبه الفحم كمصدر للوقود والطاقة في بناء الحضارة الانسانية منذ اكتشاف الانسان لهذا المصدر الطبيعي المتوافر في دول كثيرة. وكانت هذه الوفرة هي السبب وراء انتشار وشيوع مناجم الفحم في كل البلاد الاوروبية تقريبا ودون استثناء، والاستخدام الكثيف له كمصدر للوقود والطاقة في التدفئة والطهي أولا، ثم كقوة لازمة وضرورية لإدارة الآلات وتشغيل المصانع والمحركات وغيرها،..، ولسنوات طويلة ظل الفحم هو الوسيلة الوحيدة المستخدمة لتشغيل السفن والقطارات والمصانع في كل بلاد العالم، رغم ما صاحب ذلك من إدراك للأضرار الناتجة عنه وما يسببه من تلوث للبيئة، وما يحمله من تهديدات مؤكدة لصحة الانسان، وما يمكن ان ينجم عن ذلك من مآس صحية وبيئية،..، وقد شغلت هذه القضية المجتمعات الأوروبية لسنوات وسنوات وتناولها أدباء كثيرون في قصصهم وكتاباتهم في تلك الحقبة، ومن يريد التعرف علي ذلك عليه بالرجوع الي روايات الكتاب الكبار منهم مثل إميل زولا، وتشارلز ديكنز، وغيرهم ممن تناولوا في رواياتهم الجوانب الانسانية والاجتماعية المتصلة بالعاملين في مناجم الفحم. سيطرة وقد استمرت هذه الحالة علي ما هي عليه من استخدام مفرط للفحم رغم مخاطره البيئية والصحية، حتي اكتشاف البترول والتوصل لإستخدامه كمصدر للطاقة والوقود اكبر قدرة علي انتاج الطاقة واكثر سهولة في الاستخدام، وهو ما أدي الي تقليص استخدام الفحم وانتهاء زمن الاعتماد عليه كمصدر وحيد للطاقة والوقود،..، وكان هذا إيذانا بتراجع المأآسي والأخطار الصحية والبيئية الناجمة عن الاعتماد المفرط علي الفحم كمصدر للوقود وللطاقة اللازمة للحياة وللتطور الانساني. ولكن العالم لم يتوقف ساكنا امام هذه الأخطار، فقد انشغل العلماء بها وقتا طويلا حتي استطاعوا خلال السنوات الماضية ومع نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضي التوصل الي طرق علمية ناجحة للسيطرة نسبيا علي ملوثات البيئة الصادرة عن عملية احتراق الفحم واستخدامه كمصدر للطاقة،..، ونقول نسبيا، لأن ذلك هو الصحيح، حيث انه لا يمكن الإدعاء بالسيطرة الكاملة علي هذه الملوثات، أو المنع الكامل لهذه الأخطار، حيث ان ذلك لا يمكن ان يتحقق إلا في حالة واحدة فقط، وهي امتصاص جميع الغازات المنبعثة والناتجة عن احتراق الفحم، وهو ما لم يتحقق حتي الآن،..، ولكن الذي تحقق هو الوصول بهذه الانبعاثات الي نسبة أقل خطرا. شك وطوال السنوات الماضية منذ الخمسينات من القرن الماضي والعلماء يواصلون جهدهم للارتقاء بمنظومة الحد من مخاطر الانبعاثات الملوثة للبيئة، ووضع علماء العالم وسائل وطرقا علمية ملزمة لمن أراد تجنب هذه المخاطر، وتم الالتزام بها في جميع الدول الأوروبية وامريكا بالطبع، وذلك في كل الصناعات والأنشطة التي تتسبب في هذه الانبعاثات،..، بل واكثر من ذلك فقد بدأت هذه الدول منذ السبعينيات في التخلص من الصناعات الملوثة للبيئة والخطر علي صحة الانسان، ونقلها من بلادها الي بلدان ومناطق أخري. وفي هذا وجدنا صناعات عديدة انتقلت من أوروبا وتكاد تكون غير موجودة الآن في دولها أو علي أرضها،..، ومنها علي سبيل المثال وليس الحصر صناعة الاسمنت وصناعة الارضيات والحوائط، مثل السيراميك والبورسلين والبلاط وغيرها وغيرها،..، ولا اعتقد انها مصادفة، ان هذه الصناعات من اكثر الصناعات الملوثة للبيئة، ومن اكثرها ايضا احتياجا لقدر كبير من الطاقة وكمية هائلة من المحروقات. وأعتقد أننا نعلم جميعا ونحن نتابع أزمة الطاقة وأزمة الكهرباء التي المت بنا، أن مجلس الوزراء قد قرر السماح لشركات ومصانع الأسمنت لاستخدام الفحم بنسبة محددة، في الوقود اللازم لتشغيل هذه المصانع، رغم التحفظات التي تحفظ بها بعض الوزراء علي ذلك وكذلك المخاطر الصحية،..، ونعلم ايضا انه قيل ردا علي هذه التحفظات انه سيتم الالتزام بكل القواعد والشروط الأوروبية والعالمية للسيطرة علي نسبة التلوث والتقليل من أخطارها. ونحن نأمل ان يتم ذلك، رغم تشككنا في القدرة علي الرقابة والمتابعة اللازمين للتأكد من الالتزام، وبالرغم من تخوفاتنا تجاه توافر الرغبة في الالتزام أصلا. رقابة ونحن صادقون كل الصدق، عندما نعلن عن أملنا في ان تقوم مصانع وشركات الأسمنت وغيرها بالالتزام بكل القواعد والشروط العالمية للسيطرة علي نسبة الانبعاثات الغازية وغيرها، الناجمة عن استخدامها للفحم حفاظا علي البيئة وتقليل نسبة تلوث الهواء قدر الإمكان،..، ونحن ايضا صادقون كل الصدق عندما نعلن عن تشككنا في توافر الرغبة لدي هذه المصانع وتلك الشركات في الالتزام بتلك القواعد، نظرا لما يحتاجه هذا الالتزام من تضحية مالية من جانب القائمين علي هذه المصانع من المستثمرين ورجال الاعمال،..، هذه واحدة، أما الثانية فهي، أن تطبيق ذلك يحتاج الي رقابة ومتابعة من جانب وزارة الصناعة ووزارة البيئة، لعملية الالتزام من جانب هذه المصانع، والتأكد من قيامها بالفعل باستخدام الأجهزة والمعدات اللازمة للسيطرة علي هذه الانبعاثات، طبقا لأحدث ما توصل اليه العلم،..، رغم التكلفة غير القليلة لهذه التكنولوجيا. ومن هنا جاء الشك.. وكان التشكيك. يا حكومة وأخيرا وليس آخرا يبقي تساؤل يقف غصة في حلقي ولابد ان يخرج الي النور والعلن حتي ارتاح، وهو، أليس شيئا مخجلا وعجيبا ان نلجأ لاستخدام الفحم رغم ما فيه من مخاطر، وما يسببه من أضرار للبيئة وصحة الإنسان، في الوقت الذي تتمتع فيه مصر بأنها من اكثر الأماكن في العالم سطوعا للشمس، ومن اكثر الأماكن في الأرض مناسبة للاستفادة من الطاقة الشمسية النظيفة، واستخدامها كطاقة حرارية أو تحويلها مباشرة الي طاقة كهربائية؟! وأليس مخجلا وعجيبا في ذات الوقت ان يلجأ لتلويث البيئة وتسميم الهواء، اكثر مما هما عليه من تلوث وتسمم، في الوقت الذي لدينا اكثر المناطق مناسبة لإنتاج الكهرباء من الرياح؟! وأخيرا.. لماذا لا نلزم جميع القري السياحية في الساحل الشمالي والبحر الأحمر، وجميع الفنادق الكبري، وكل المباني والمنشآت الجديدة في المدن الجديدة والتجمع الخامس وغيرها باستخدام الطاقة الشمسية وتركيب السخانات الشمسية والخلايا الضوئية في كل منها ونمنع تماما استخدام هذه الأماكن وتلك المنشآت للكهرباء من الشبكة العادية،..، علي ان تقوم الدولة برعاية وتشجيع شركات متخصصة لهذا الغرض؟! أحسب أن ذلك ممكن ويستوجب التفكير فيه من جانب الحكومة..