كنت أقرأ القرآن وأنا صغيرة تبركاً.. الآن أقرأه تفهماً واستمتاعاً.. بالدراما في كل سوره تعلمنا في منزلنا أن نختم القرآن في رمضان منذ أن كنا في سن المراهقة وكانت جدتي لا تقرأ ولكنها كانت تجلس إلينا وتفتح مصحفها القديم الكبير علي رجليها وهي متربعة علي الكنبة وكلما طوينا صفحة طوتها وتقول »الله يبارك فيكم ببركة القرآن« وكنا قد طلبنا من أبي مصاحف كبيرة حتي نقرأ الآيات صحيحة بالشكل الواضح.. كنا إذا قرأنا الآيات بسرعة تقول »علي مهلكم.. استطعموا الكلام« فكنا نضحك من كلمة استطعموا الكلام.. الآن أحسست فعلاً بأن القراءة المتأنية فيها استمتاع جداً وكنت دائماً حينما أقرأ سورة »طه« وأنا أحبها جداً للجرس الجميل ولأدب الخالق وهو يخاطب الرسول سيد الخلق ولكن كنت دائماً أتعجب للنقلة الغريبة حينما يخرج من الآيات: »طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَي (2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَي (3) تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ العُلَي (4) الرَّحْمَنُ عَلَي العَرْشِ اسْتَوَي (5) لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَي (6) وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَي (7) اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَي (8)«. ثم أتعجب للنقلة العجيبة عند »وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَي (9) إِذْ رَأَي نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَي النَّارِ هُدًي (10) « إلي آخر السورة. أتعجب للنقلة الدرامية العجيبة ولكن بتعمق في دراما سورة »طه« وجدت أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد أعلن تعبه وإرهاقه من مقاومة الكفار له في رسالته ومن تكديرهم الدائم وإيذائهم له حتي جاءه الإذن بالهجرة من غلظة أهل مكة إلي المدينة ضيقاً من عذابهم له وتعذيبهم لمن أسلم معه من المسلمين بالرغم من إسلام عمر الذي دعا الرسول صلوات الله عليه الله أن يعز الإسلام بأحد العمرين عمرو بن هشام أبو جهل أو عمر بن الخطاب لقوتهما فأعزه بإسلام عمر بن الخطاب ولكنهم زادوا في إيذائه ومحاصرته وتعذيب الفقراء منهم. توصلت إلي فهم الغرض الذي من أجله انتقلت دراما القرآن العظيمة من كلمات الخالق إلي الرسول الكريم أنه لم يكن يريد عذابه وشقاءه بالقرآن ولكن أصحاب الرسالات دائماً يعذبون، فقال له سبحانه وتعالي »وهل أتاك حديث موسي« ثم قص عليه كيف تعذب سيدنا موسي عليه السلام حينما أمره الله بالذهاب إلي فرعون بعد أن طغي وأراد الله سبحانه وتعالي أن يدعمه بقوة عصاه فأمره أن يلقيها فإذا هي حية تسعي وهذا ما يجعله أقوي بتلك العصا والتي له فيها مآرب أخري وكيف قد مَن الله عليه بمسح يده التي كان فرعون قد امتحنه بها وهو طفل فأعطاه جمرة من النار وثمرة فأمسكها فحرقت يده ولكن الله جعله يضعها في فمه ليعلم فرعون أنه طفل لا يعلم الثمرة من الجمرة فحرقت يده وعوقت لسانه بلدغة في الأحرف فطلب من الله أن يدعمه بشقيقه هارون لأن لسانه سليم فدعمه به حتي يفهموا ما يقول.. الدراما كلها ليوصل سبحانه وتعالي للرسول الكريم أنه لم يرسله إلي الناس ليشقي ولكن ليذكره بما سبقوه من الأنبياء وأيضاً يوصل للرسول الكريم كم عاني سيدنا موسي وتعب وقوبل بالعذاب ليوصل الرسالة وكم كان طريق موسي عليه السلام صعباً لأن طريقه إلي فرعون وليس إلي الناس البسطاء الذين ينتظرون رسالة السماء من سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم.. كنت لا أستطيع أن أجد سبباً لهذه النقلة الدرامية وأنا صغيرة.. فقد كانت قراءة القرآن تبركاً وطاعة وحب استطلاع لهذا الكتاب العجيب الذي ليس لنا اختيار في قراءته نحن المسلمين ولكنه جزء مهم بل هو السبيل إلي تفاصيل ديننا وأنه ضرورة لمعرفة ما حدث في القرون الأولي وكيف كافح الأولون وكيف كانت عاقبة الذين لم يؤمنوا ولكن فكرت كثيراً في قدرته سبحانه وتعالي وكيف يعاقب الذين لا يفهمون ولم يؤمنوا ولم يدخلوا في الإسلام جهلاً وليس رفضاً ولكن الله سبحانه وتعالي أعطي سبلاً كثيرة للدخول إلي هذا الدين العظيم الرحب الذي يستوعب كل الأديان المُنزلة حتي أرسل الآية الكريمة »قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين« ويقول سبحانه في سورة الكهف الآية 92 »وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر« إلي آخر الآية أي أن الحرية مكفولة لمن لم يفهم ويعي ما هو الإسلام. في القرآن إيضاح وكشف لكل الأديان وفي سورة مريم سيدة نساء العالمين كأنها فيلم رائع لميلاد المسيح وعذاب العذراء ثم عظمة المسيح ثم الآية العظيمة التي تشرح العلاقة بين الأديان والإسلام »ولتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أكثرهم مودة الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون« وحينما سألت مولانا العالم الراحل الشيخ الباقوري لماذا اليهود قبل الذين أشركوا قال رحمة الله عليه »لأن اليهود حاولوا التلاعب في آيات القرآن، أما الذين أشركوا فقد رفضوا الإسلام فقط« والآية توضح المودة بين المسلمين والمسيحيين الموجودة في مصر دون أن يعرفها الكثيرون وكأن الآية نزلت في أهل مصر وحدهم والحمد لله. مصر البشر أحب هذا العنوان جداً فقد اتخذته عنواناً لمقالي الأسبوعي لأننا لو قلنا إن مصر هبة النيل فهي مقولة خطأ وقد كتبتها عشرات المرات لأن النيل يجري في أراض كثيرة تصل إلي عشر دول، فلماذا الحضارة هنا؟ إن مصر هبة المصريين لأن مصر البشر لها تركيبة عبقرية قديمة ومستمرة.. مصر البشر يختلفون في مزاج اجتماعي وسياسي ولكن لا يصل إلي الخلاف أبداً ولا إلي الاختلاف إلي حد القطيعة ولكن كل يدافع عن قناعاته، مصر الإخوان المسلمين »عدا ما يحدث هذه الأيام من المأجورين« مصر الوفد ومصر الأحرار وزمان مصر السعديين نسبة للعظيم سعد زغلول ثم مصر الناصريين نسبة للزعيم القدوة العظيم جمال عبدالناصر.. مصر الجيش حماة الحدود وحماة الداخل حالياً وشرطة مصر حماة الداخل.. ولكن في حالة الثورات تصبح الخلافات عصبية وللإخوان ظروفهم الخاصة حيث عاشوا داخل المعتقلات أكثر مما عاشوا في حرية.. لهذا فإن الإخوان المسلمين متسرعون في استعمال الحرية في الوصول إلي كل أماكن صنع القرار للخوف من اعتقالات أخري، هذا التسرع يجعل الأخطاء متلاحقة والوصول إلي سفك الدماء وسيلة وهي وسيلة نهي الله عنها حتي مع أهل الذمة فلا سفك دماء في الإسلام وخطأ كبير من يقول إن الإسلام وصل بحد السيف. إن الإسلام وصل بالإقناع وفي مصر هنا يذكر التاريخ أن الرومان كانوا يقهرون المصريين ويجعلونهم يعيشون في خوف وعذاب وحينما جاء الرسول برسالته كان عمرو بن العاص من زوار مصر الدائمين لأنه ابن ذوات ويأتي في الصيف للاسكندرية فقال للمصريين وهم في عذاب الرومان »لقد جاءت لدينا رسالة دين جديد« فسأل المصريون عمرو: »هل تعترف الرسالة بالمسيحية« فقال لهم: »بل تحترم كل الأديان المنزلة« فطلب منه المصريون أن يأتوا إلي مصر ليخلصوهم من الرومان. فأوصل عمرو بن العاص الرسالة إلي عمر بن الخطاب وكان عمر مؤمناً بكل ما جاء بالقرآن وبالآية في سورة يوسف »ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين« وكان يعرف أن مصر بلد له دين منذ العصر الفرعوني وأنهم لم يعبدوا الأصنام فأذن عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص بعد فتح الشام بفتح مصر. ودخل الإسلام مصر بقوة أهل مصر في تقبل الدين الجديد الذي تآخي مع الدين المسيحي الذي وجدت له دعائم مهمة في القرآن الكريم بسورة كاملة هي سورة مريم وغيرها في آيات كثيرة ولكن الإخوان المسلمين خرج فكرهم منذ نشأتها في الاسماعيلية علي يد الشيخ حسن البنا من الدعوة إلي الوصول إلي الحكم لهذا فإن الإخوان المسلمين متسرعون في استعمال الحرية لأنهم عاشوا كثيراً في المعتقلات أكثر مما عاشوا أحراراً ولذلك الحرية بالنسبة لهم الوصول إلي أماكن صنع القرار ليس مثل أي حزب سياسي يريدون تنفيذ أجندة معينة ومشروع معين لتنمية البلاد ولكن لمجرد الوصول إلي الحكم، ولكن الغريب هذه الأيام ذلك الصراع بين الإخوان والعسكر من جانب واحد هو جانب الإخوان فالعسكر ليس لديهم طموحات في الحكم لأنهم يعرفون جيداً أن مصر تحكم مدنياً وليس عسكرياً وإنما العسكر لمهام الحماية من أي عدوان عليها.. إنه ليس هناك أي علاقة بين الإخوان والعسكر في شغل المواقع.. ولكن يصبح الشعب في صراع بين الاثنين ولابد أن نتساءل سواء كنا إخوان أو عسكر لماذا هذا الصراع؟ وكل منهما لا يعتنق وظيفة الآخر أو موقع الآخر داخل الصراع السياسي فالجيش ليس له دخل بالسياسة والإخوان ليس لهم علاقة بالجيش ولكن لأن الإخوان كل ما يطلبون هو قوة دافعة فإن الجيش بالنسبة لهم هو قوة ولكنهم تناسوا تماماً موقعه وتوظيفه لهذه القوة.. ويظل الصراع دائماً لأن الإخوان لا يريدون أي قوة حتي لو كانت قوة تدفق المياه من السد العالي!! حمانا الله من الشبق إلي كرسي الحكم لأنه شبق يحول أي فكر إلي محارب سلاحه الرغبة العارمة في الكرسي ليس إلا حتي لو لم يكن لديه مشروع لشغل الكرسي.