الطبيب المصري محمد حلمي الذي عاش في المانيا في ثلاثينيات القرن الماضي وقام كإنسان بمساعدة فتاة يهودية علي الاختباء من النازيين عام 1942 وحتي نهاية الحرب العالمية الثانية. هذا الطبيب منحته مؤسسة يهودية مقرها القدس مؤخرا لقب "منصفون بين الأمم" وذلك بعد 31 عاما من وفاته، تقديرا لجهوده في ايواء الفتاة اليهودية ومساعدة اهلها، وبالطبع الطبيب المصري تصرف بضميره الإنساني بصرف النظر عن اي تعصب ديني وهو ماعليه غالبية المصريين الشرفاء، ولقد عاني الطبيب محمد حلمي من أثار التعصب والعنصرية كونه مصريا من الجنس الحامي وليس الجنس الآري الذي ينتمي له النازيون، محمد حلمي ولد في الخرطوم عام 1901 وانتقل عام 1922 الي برلين لدراسة الطب وبعد تخرجه عمل في معهد "روبرت كوخ" ولكنه سرعان ما فصل منه لأسباب عنصرية بعد وصول النازيين الي الحكم في المانيا، وبعد ما انتهت الحرب بقي حلمي في برلين الي ان توفي فيها عام 1982 تاركا خلفه إنسانيته وضميره الحي، لم ينجب محمد حلمي من زوجته الألمانية. كان حلمي الطبيب الذي يعالج الفتاة اليهودية وكل أفراد عائلتها،ولقد خبأها في كوخ خشبي في حديقة منزله وبعد تأزم الأوضاع في برلين انتقل بها الي مدينة اخري حتي هدأت الأوضاع، المنصفون بين الأمم والذين اختارتهم هذه المؤسسة اليهودية يبلغ عددهم 25 الف شخص من جميع الأديان وبينهم ملحدون وينتمون الي جميع الفئات العمرية ومن مختلف المهن، منهم اساتذة جامعيون وأميون وبائعات هوي! تجمعهم صفات واحدة وهي حب الخير وإنقاذ حياة الآخرين، وتعتمد المؤسسة اليهودية علي مقولة في التلمود تقول"من ينقذ حياة إنسان واحد ينقذ عالما بأكمله" نفس المعني نجده في الدين الإسلامي والمسيحي وفي البوذية والهندوسية، الكل أجمع علي ضرورة الحفاظ علي حياة البشر، الشاهد من حكاية الدكتور محمد حلمي هو انتصار قيم الإنسانية مهما طال الظلم والاضطهاد، فالحكم النازي ارتكب جرائم يشيب لها الولدان ولكنه مضي الي مزبلة التاريخ وتقدمت اسماء مثل الدكتور المصري محمد حلمي قائمة الشرفاء الذين خلدت اسماؤهم بحروف من نور لأنهم تمسكوا بإنسانيتهم ولم يخشوا سوي ضميرهم ولم يشاركوا في جرائم حكام نازيين ضد الإنسانية. استدعاء هذه التجارب من التاريخ ضرورة حتمية في أيامنا هذه بعد سيريالية المشهد الإنساني الذي يعيشه المسلمون الآن في كل مكان في بورما والصين وروسيا وافغانستان والشيشان وغيرها من بلدان العالم ،كل هذا التعذيب والقتل والتشريد بسبب الدين وهو ما يتنافي مطلقا مع حقوق الإنسان الذي كفلته المواثيق الإنسانية، إبادة المسلمين الآن توازي تماما جرائم المحرقة النازية لليهود، فهل يمكن لنا كشعوب مسلمة ان نوثق هذه الجرائم والاضطهاد في حق مسلمي بورما وأنجولا والشيشان والهند وباكستان وغيرها، ونوثق معها منصفين ساعدوا المسلمين وهم أيضا كثر، منهم علي سبيل الذكر وليس الحصر المستشرقة الألمانية "آن ماري شيميل" التي قالت شهادتها الحقيقية لما يحاك ضد الإسلام: »يكاد يكون من المستحيل في هذا العصر التعرف علي الجوانب الإيجابية في الإسلام في الحياة اليومية، لأننا نكاد نغرق في الطوفان الإعلامي الغربي، وفي غمرة نشرات الأخبار المتتالية الموجهة إلينا بأسلوب الإعلانات التجارية، والذين يعادون الإسلام يفعلون ذلك عن جهل به، لأن الإنسان عدو ما يجهل».« لم يحظ أحد من المستشرقين بتقدير العالم الإسلامي مثلما حظيت آن ماري شيمل وهو ما حدا إلي تكريمها والاحتفاء بها أينما حلت في عواصم عالمنا العربي والإسلامي، فكانت تمنح أرفع الأوسمة والجوائز والنياشين، في أنقرة، الرياض، القاهرة، لاهور، وطهران. ومرجع هذا التقدير والاحتفاء دعوتها التي كانت ترددها بلا كلل للتسامح ودعمها المتواصل للتبادل والتفاهم بين الأديان. لقد كانت آن ماري تمثل جسرًا مهمًا بين الثقافة الإسلامية والحضارة الغربية بصفة عامة. ما أحوجنا في هذه الأيام لاستدعاء مثل هذه الشخصيات المتسامحة التي انتصرت لإنسانيتها قبل دينها، لنعيد الأمل مرة أخري في استرداد قيمنا الإنسانية بعيدا عن التعصب الديني أو العرقي.