نعم الباز من أين أتوا برخصة دينية ليفعلوا ذلك؟ ومن أين أتوا برخصة أخلاقية ليخربوا دور عبادة؟ »قال القس بشاي لطفي راعي كنيسة العذراء بالوراق.. هذه العمليات تستهدف الوطن.. وقال الأنبا بسطس كامل إنها كارت محروق.. لا يصيب علاقتنا بالمسلمين!!« وهكذا يظهر معدن قبط مصر العظام الذين تجري في عروقهم چينات المصريين الأذكياء الذين وقفوا أمام اضطهاد الرومان بمقولة لعمرو بن العاص فقد سألوه: ماذا يقول الدين الجديد.. هل يقبل التعامل مع ديننا؟ فقال عمرو: نعم.. وأنتم أهل ذمة وأنتم أكثر الناس مودة لنا. فقال قبط مصر: ولماذا لا تأتون؟ تعالوا لتنقذونا من الرومان! ودخل الإسلام مصر بطلب من قبطها العظام الذين لا يخافون من دين جديد يعترف بالمسيح عيسي بن مريم وله احترامه في القرآن الكريم بسورة كاملة هي سورة »مريم«.. وبعض الآيات في سور كثيرة. دخل الإسلام مصر ليس غازياً ولا رافضاً للمسيحيين، وإنما عارض للدين الجديد ومن يرد فليدخل في حرية وإخاء ديني مازال حتي الآن. ولا يمكن أن يكون رافضاً للمسيحية وهي في صلب القرآن ولم يكن لمحمد عليه الصلاة والسلام أفضل وأقوي من مؤازرة نصاري المدينة له عند نزول الدين الجديد.. وقد أتاه نصاري نجران مرحبين! وفي القرآن »ولتجدن أقربهم مودة الذين أمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون« وحتي الآن يمتاز قبط مصر بأنهم لا يستكبرون ولهم احترامهم دائماً.. وكانت المسيحية هي حلقة مهمة في السلسلة بين الفرعونية والإسلام فالفراعنة لم يعبدوا الصنم وإنما عبدوا الروح فيما صنعوه من تماثيل.. فالإله حتحور إله الحب والمرح والجمال هي البقرة التي عبد المصريون القدماء فيها العطاء فهو نوع من الحب المشبوب والاعتراف بالفضل، فقد أقاموا لها التماثيل والجداريات البارزة علي جدران المعابد ولكنهم أيضاً سجلوا كيف يحلبون لبنها وكيف يأكلون لحمها.. المصري القديم عاش بالحكمة، فقد عبد فيها العطاء أما الإله حورس فهو حارس السماء ومنقي الأرض من الآفات من أجل نقائها للزرع، والتمساح ينقي ماء النيل.. لم يعبد المصري الصنم وإنما عبد العطاء في الإله الذي يختاره. الحادث كارت محروق حينما استهدفت كنيسة الوراق بالاعتداء الغادر الذي راح ضحيته 4 من قبط مصر غير الجرحي منهم طفلة بريئة لا ذنب لها.. ولكي نعلم أن هذا البلد هو هبة أبنائه وليس هبة النيل (مع حبي الشديد وولائي للنيل) إلا أنني شديدة الإعجاب والوله بالشخصية المصرية لقبط مصر.. فإنني كلما تأملت قبط مصر العظام أحسست أن هذا البلد لن يناله تفسخ أبداً فبرغم من ضرب الكنيسة في الوراق ووقوع شهداء وجرحي إلا أن القس بشاي لطفي راعي كنيسة العذراء بالوراق استدعي مصريته ووعيه وقبطيته العظيمة وقال: هذه العمليات لا تستهدف الأقباط، إنما تستهدف أمن الوطن.. ولكن الوطن سيظل قوياً وبخير. وقال الأنبا بسطس كامل كاهن الكنيسة: حادث الكنيسة سوف يزيدنا ترابطاً مع إخواننا المسلمين وذلك ما هو إلا »كارت محروق«.. ونقول لهؤلاء الإرهابيين دماؤنا جميعاً أقباطا ومسلمين فداء للوطن.. هؤلاء هم قبط مصر العظام.. يقولون شهادتهم في موقف عظيم. هدم مصر مستحيل وقالت الأخت ماري قلدس: ماذا يفعلون؟ إنه أمر مستحيل، إن هدم مصر حلم لهؤلاء الضعفاء الذين يملأون الشوارع صياحاً ولا يعلمون أننا نتخطي سريعاً هذه المرحلة.. لقد مررنا بمحاولات كثيرة مرت مروراً سريعاً.. إنني كمعلمة للأطفال أري فيهم مستقبلاً عظيماً.. أري فيهم وعياً وفهماً بقيمة الوطن.. أري في تلميذاتي إصرارا علي حب الوطن.. ويحاولون باستمرار معرفة الأخبار.. وقد بكوا الطفلة ماري التي استشهدت في كنيسة الوراق.. إن الصغار يعرفون قيمة الكنائس كما يعرفون قيمة المساجد سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، وقد قالت لي طفلة مسلمة حينما ذهبنا في رحلة إلي كنيسة ماري جرجس البطل: يا مس ماري هو ده الحسين بتاعكم؟ لقد فهمت الصغيرة من الشرح عملية الصراع وكانت تعلم بقتل الحسين فسألت هذا السؤال.. إن أطفال مصر مثل كبار مصر أذكياء ولديهم وعي بكل ما يحدث.. وليس عندي في الفصل أي فارق بين طفلة مسلمة وطفلة مسيحية. لقد أخذتهم في رحلة إلي كنيسة الوراق ليروا ما حدث وليعلموا جيداً أن الذين قاموا بهذا العمل أشرار لا يعرفون الدين جيداً وأن الكنيسة مثل المسجد مكان يذكر فيه اسم الله ويصلي الناس كل حسب دينه في الكنيسة صلاة المسيحيين وفي المسجد صلاة المسلمين وأن أهل مصر أهل دين منذ العصر الفرعوني ويعبدون الله الأحد .. كما قالت د. ليلي تكلا في كتابها إنها واحدة من قبط مصر العظام مسلمين ومسيحيين سواء خلقاً أو علماً أو سماحة، لقد حرصت علي تأليف وتوثيق كتاب عن الدين في مصر بعنوان »التراث المسيحي الإسلامي« وتمنيت أن يبسط هذا الكتاب ويلخص ويقرر علي طلبة وطالبات المرحلة الإعدادية وهم في سن يكثر فيها التساؤل والرغبة في معرفة الأديان حيث يخرج الصغار من عباءتهم إلي عالم المراهقة ثم الكبار ويبدأ تفتح العقل نحو الفهم الصحيح للدين. (أنا مسلم لماذا؟) و(أنا مسيحي لماذا؟). كتاب د. ليلي تأتي أهميته في مقدرة الكتاب علي شرح الفروق بين المسيحية والإسلام والتقارب بينهما.. وتقول إن الاختلاف لا يبرر العداوة، فمثلاً التقارب في النقط التالية: أوصي الإسلام بأهل الكتاب. والسيد المسيح أوصانا بالصلاة حتي من أجل الذين يسيئون إلينا كما يقول المسلمون »ربنا يهديهم«. الإسلام يكرم المسيحية.. السيد المسيح قال »من ليس علينا فهو معنا«.. إن هناك مبادئ كثيرة تجمع بين العقيدتين. وتقول د. ليلي في كتابها الإسلام يدعو إلي الحرية فالآية 92 في سورة الكهف تقول »وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..« إلي آخر الآية التي تصل إلي تفسير مهم وهو جزاء المؤمن، وما هو جزاء الكافر وأنت حر!! المسلمون والكنائس هذه هي الكنيسة رقم 8 التي تهاجم وتحرق!! هل قرأ هؤلاء المسلمون الذين أحرقوها القرآن؟ لعلهم لا يعرفون حرفاً من القرآن الكريم الذي أنزله الله علي سيدنا رسول الله هدي ورحمة للعالمين.. إن للمسيحيين في القرآن الكريم توثيقاً واحتراماً في أكثر من موضع، ويكفي سورة مريم سيدة نساء العالمين المرأة الوحيدة التي ذكر اسمها في القرآن. إن ما يحدث في مصر الآن من أعمال الرعاع والسوقه والذين لا يعرفون طريق الله وإنما هم فاجرون من خارجنا ليعبثوا بالوطن ويحطموا تاريخه ويقفوا أمام مستقبله.. إنهم رعاع مدفوعو الأجر، ويا ليت الأجر ينفعهم وهم يملأون الشوارع والأزقة وقد فقدوا عقولهم، وللأسف انساق معهم الشباب طلبة الجامعة الذين ذهبوا إلي دور العلم ليستنيروا فاستداروا للعلم وباعوا أنفسهم لهؤلاء الذين يستأجرونهم لخراب الوطن.. إن الطعنة التي تحاول قتل مصر من الداخل ولكن هيهات، إن مصر أكبر وأعمق وأعلي تاريخاً من هؤلاء الذين أغوتهم المادة فجنوا بها حتي وصلوا إلي هدم وتهديد وحرق الكنائس.. التي فيها يذكر اسم الله واسم سيدة نساء العالمين. علاقتنا بالكنائس وثيقة إن علاقتي بالكنائس مثل كل المصريين وثيقة فكم من فرحة بعرس حضرناها في الكنائس وكم من حبيب وصديق ودعناهم في الكنائس.. إنها دور عبادة مثل المساجد تماماً يذكر فيها اسم الله وتزينها صور متخيلة للعذراء والسيد المسيح وكل دين وله تراثه.. إن المسيحية جزء من تاريخ مصر فقد لجأت السيدة العذراء سيدة نساء العالمين لتحمي طفلها من القتل في مصر حينما كان هيرودوت ملك اليهود يذبح الصغار خوفاً من قدوم المسيح!، وعبرت النيل ووصلت إلي الصعيد وحفر لها الله الكهف وخبئا في جبل أسيوط والذي يعتبر مزاراً مسيحياً للآن. ولا أدري كيف يفعل هؤلاء الرعاع الذين لا دين لهم، كل ذلك في الكنائس وهي دور عبادة!! من أين أتوا برخصة دينية ليفعلوا ذلك؟ ومن أين أتوا برخصة أخلاقية ليخربوا دور عبادة؟! الدولة وحماية دور العبادة لا أجد عذراً للدولة في التقصير في حماية دور العبادة سواء المسيحية أو الإسلامية ناهيك عما حدث للمساجد وفيها أثناء أحداث »رابعة«، أحداث أقل ما فيها الدنس وعدم احترام الدين وإنسانية البشر وما يقال عن نكاح الكفاح!!! سبحان الله في إسلام هؤلاء الإخوان!!! لم يكن هناك حماية لمسجد رابعة وهو مسجد كبير.. وقد انتهك تماماً بكل ما في كلمة انتهاك ولو كانت به حراسة قوية وأغلق بابه في وجه الرعاع المتظاهرين لما حدث فيه كل هذا الدنس. فليست الكنائس فقط الضعيفة الحراسة والهشة الحماية ولكن المساجد أيضاً يسهل جداً تدنيسها ليلاً ونهاراً.. علي الدولة ووزير الداخلية الواعي الصالح أن يعيد النظر في خطة جديدة لحماية دور العبادة. إن دور العبادة بالنسبة للمصريين لها أهمية خاصة منذ قديم الزمن ولها قدسية في حياتهم خصوصاً في صلوات الجمعة في المساجد والأحد في الكنائس. كنائس الصعيد في عصر الاضطهاد الروماني هرب معظم قبط مصر إلي الصعيد وحتي الأنبا بنيامين هرب إلي الصعيد أيضاً لأن الرومان أرادوا قتله لشدة حب المصريين له والتفافهم حوله حتي يقال إنهم طاردوه في الصعيد وحينما وصلوا إلي جماعة كان هو بينهم فالتفوا حوله وأخفوه بأجسادهم وقتل الرومان بعضهم وفشلوا في الوصول إليه، لهذا كانت كنائس الصعيد من أهم كنائس مصر بداية من الدير المحرق الذي اختفت في جزء من مقدمته العذراء بابنها المسيح فبني الدير بعد ذلك. كنائس الصعيد التراثية المباني القديمة التي تعد من الآثار ومسجلة فعلاً في سجلات الآثار، طال بعضها الحرق والتدمير وهي تمثل تاريخ مصر القبطي الذي يحتوي علي فنون العمارة المصرية التي تتفنن فيها أيدي المصريين الذين احترفوا منذ القدم التقبل والصلاة في أسلوب بناء دور العبادة منذ العصر الفرعوني.. هذه الكنائس طالها العبث والتدمير أيضاً. التحية للسيسي وجيش مصر لقد أعلن الفريق السيسي »نن عيني« أن الجيش سوف يعيد إصلاح كل ما طالته يد العبث بالهدم والتدمير سواء من مساجد أو دور أو كنائس.. إن السيسي يستحق التحية والحب والدعاء من القلب بدوام المقدرة علي العطاء للوطن، وقد أعلن أن الجيش سوف يتولي إعادة كل ما دمرته أيدي العابثين والذين يتآمرون علي الوطن سواء في تراثه أو موروثاته.. وأن الجيش سوف يعيد بناء كل ذلك لعل هذا له مفهوم رائع هو أن الجيش لا يحمي حدودنا فقط من الغزاة أو الطامعين ولكنه يحمينا من الذين يوجهون لنا الطعنة من الداخل وما أكثرهم هذه الأيام.. شكراً للجيش من أول العسكري مروراً بالشاويشية ثم الضباط وصولاً إلي تاجه العظيم السيسي. مسك الختام: أوجه عزائي للبابا تواضروس العظيم في مصاب الكنيسة في هؤلاء الأحباء.. ألهم صبراً لذويهم.. »ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب«.