افتقاد المعرفة والتعارف هما العلة في العلاقة بين الشعوب الاسلامية عامة وأمريكا، وأحدد - علي مسئوليتي - ما خلاصته ان : الجهل الامريكي بالاسلام والمسلمين من ناحية، والفجوة العلمية والاقتصادية للشعوب الاسلامية من ناحية اخري، هما أهم أسباب المد والجزر في العلاقة ما بين الانبهار والكراهية والعلاج ؟ يحدده عنوان هذا المؤتمر: التعليم الثقافة. العلوم ، مفاتيح البداية جديدة ، هذا ان كانت امريكا جادة ... هذا ما خلصت اليه من »متابعة« لهذا المؤتمر و»مشاركة« في ورشة العمل التي أعدت له بدعوة من جامعة »ييل« في فبراير الماضي، وفد محدود ليناقش أفكارا تعد لهذا المؤتمر الدولي المنعقد في الاسبوع الماضي من 16 الي 18 يونيو بالاسكندرية ... فكرة المؤتمر انطلقت من مكتبة الاسكندرية وتقوم علي تحويل الفكر الذي أطلقه اوباما من منبر جامعة القاهرة من مرحلة أقوال ونوايا الي أرضية واقع فعال بمعني مشاريع وبرامج محددة . انعقد المؤتمر وهو بالقطع من أكبر المؤتمرات الدولية التي شهدتها السنوات الاخيرة قاطبة فقد وسع وفودا من الولاياتالمتحدة و40 دولة اسلامية . لا يفوتني التعليق عن خفوت نبرة أو اللا تركيز علي أي ذكر لخطاب اوباما طوال انعقاد المؤتمر رغم ان محتوي ذلك الخطاب هو منطلق فكرة المؤتمر انما لا يخفي ان عدم استفزاز مشاعر احد مع مشاعر الاحباط الذي يسود عموم المشاعر كان سببا في تحاشي ذكر مباشر للخطاب وهذا دليل علي فرط ما كان من ارتفاع سقف التوقعات منذ عام وما ادي اليه الواقع من ضمور التوقعات ، واحصائيات معهد جالوب أكدت علميا هذا التراجع البائن في الشعبية التي سبق واكتسبها اوباما بعد الخطاب ومدي الانحسار الحالي بالاخص لدي الدولة المضيفة للمؤتمر مصر ... انما في تقدير كاتبة هذه السطور أن عدم الالمام الكافي بنظام الحكم في الولاياتالمتحدة ، ومساحة السلطة وحدود دور الرئيس الامريكي يرجع اليها أسباب الشعبي تجاهه ، الا ان الانصاف يتطلب تسجيل الآتي : فما من احد من المسلمين المشاركين في المؤتمر ممن يعيشون في الولاياتالمتحدة الا وأكد مدي الفارق الذي يجدونه الآن بين ما قبل هذه الادارة والآن من افضلية في النبرة والتعامل المحسوس المباشر ... أما واننا هنا في مصر والدول العربية الأخري بل ومعظم الدول الاسلامية لا ننظر الي العلاقة مع امريكا الا من خلال عدسة الصراع الاسرائيلي الفلسطينيي فهذه حقيقة اخري وامر واقع أيضا .. وأضيف الي ذلك الاوضاع القائمة في أفغانستان والعراق والحرب المحتملة ضد ايران وكلها دول اسلامية ومؤثراتها مباشرة علي الشعوب ، ثم بقي شيء : هذه الاجابة التي نسمعها دوما وتسائلنا : ماذا فعلتم أنتم يا أنظمة عربية لتدفعوا السياسة الامريكية دفعا الي التغيير ؟ لا شيء ، هذه نظم لا تضر ولا تنفع يعني بالعربي لا تهش ولا تنش! لذا كان من الطبيعي ان ينفجر واحد او اكثر خلال المؤتمر للتنفيس عن مثل هذا الشعور المكبوت المضاد للولايات المتحدة سياسيا ، وما كان من مبرر للانزعاج الذي يجعل مؤتمرا دوليا بهذا الحجم ليقصر مداخلات الحضور بعدها علي تقديم الأسئلة فقط دون التعليقات والمداخلات ، فمثل هذه المؤتمرات ليست من قبيل المحاضرات ولا يتلقاها طلبة جاءوا ليحصلوا العلم والدروس .. ثم تحفظ آخر علي تفرع الندوات بكثرة وكذلك العدد الزائد للمتحدثين من المنصة وكان أكثر من اللزوم مما اوضح تفاوتا واضحا في المستوي بين الامتياز والتمكن عند البعض وسطحية وتكرار عند عديدين انما »الاوراق« المقدمة الي المؤتمر تعوض الكثير ، بل ادعوا الي ضرورة أن تترجم الي اللغة العربية لشمولها علي معلومات وتحليلات قيمة يجدر ان تصل الي نطاق واسع . في نهاية المؤتمر أعلن د. اسماعيل سراج الدين عن تلقي 18 اقتراحا لمشروعات وبرامج من جهات أمريكية شتي وهي مقترحات لم تعلن علي الملأ بعد ، لمراجعتها أولا علي ما أعتقد ودراسة صلاحياتها من كل الوجوه وبهذا يكون المؤتمر قد حقق شوطا كبيرا في اتجاه الهدف منه وبقيت المتابعة بمثابرة وتواصل . مدير قسم النشر بجامعة ييل قدم عرضا شاملا لحركات الترجمة الكبري علي مر التاريخ ودورها في تخصيب وازدهار الحضارات فالفكر الوافد يكون ملهما ويحفز علي البناء فوقه و.. بالدراسة والحصر يتبين ان حركة الترجمة والنشر من العربية الي اللغات الاوروبية والعكس تعتبر في حالة قصور شديد من الجانبين .. وعدد الكتب المترجمة للعربية منذ عصر الخليفة المأمون لليوم لا تتعدي حدود العشرة آلاف كتاب وهذا رقم يوازي ما تترجمه دولة مثل اسبانيا الي لغتها في عام واحد ! وقطاع النشر بجامعة ييل عرض مشروعا لتشاركه فيه مكتبة الاسكندرية يفتح خطوطا جديدة للاتصال الثقافي باللغة الانجليوية يستهدف ترجمة الدراسات الاسلامية للقرآن والنصوص التاريخية، لسد فجوة عدم المعرفة لدي الامريكيين والغرب بالاسلام وبالمسلمين . أخيرا لا يمكن اغفال من قام علي كتفيه عبء اعداد وتنظيم هذا المؤتمر من الالف الي الياء د. محسن يوسف الذي اوكل اليه د. سراج الدين المهمة وأوفاها بجدارة حتي ايجاد مصادر التمويل المطلوب وقد تحقق رغم الصعوبات الي أن بقي جزء بينما العد التنازلي يتوالي مع القلق بقرب موعد المؤتمر ثم فرجت بفضل ثلاثة تدخلوا لتغطية الجزئية الاخيرة من التمويل : د.أحمد درويش وزير التنمية الادارية وسفير كندا فيري دوكيركوف و.. سيدة الاعمال حسنة رشيد. خاتمة أخيرة : أصعب الصعب تقديم عمل ضخم كهذا في مساحة قليلة أومحدودة ولا يدرك ذلك مثل من يحاول !