في الاسكندرية اتفق وزراء مياه دول حوض النيل العشرة »يوليو 2009« علي اعادة مراجعة صياغة نقاط الخلاف المعلقة لتوقيع الاتفاقية الاطارية لادارة مياه حوض النيل، ويأتي ذلك ضمن 39 بندا رئيسيا اتفق علي 38 منها بالاضافة إلي 66 بندا علي ثلاثة ارباعها. فهل كانت تعني المهلة التي اتفق عليها في ختام اجتماعات الاسكندرية لحسم الخلاف بين دول المنبع الثماني ودولتي المصب ان خطر الحرب المائية قائم باعتبار ان مصر لن تقبل ان يمس أمنها المائي الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من الامن القومي المصري؟ فالمفروض بعد ستة أشهر ان يتم حسم الخلاف بين دول الحوض إلا ان مفاوضات شرم الشيخ انتهت ببيان ختامي غير شرعي اذ قررت فيه دول المنبع فتح باب التوقيع علي الاتفاق الناقص والمفوضية اعتباراً من 14 مايو 2010 ومنح مهلة قدرها عام واحد أمام من يرغب في الانضمام او ان التوقيع سيتم حتي ولو لم توقع عليه دولتا المصب »مصر والسودان« وهذا البيان لم يتم عليه توافق آراء وبالتالي فهو بالنسبة لمصر كأن لم يحدث فمصر تعتمد بنسبة 95٪ في تلبية احتياجاتها المائية علي نهر النيل لانها الدولة الوحيدة في الحوض التي ليس لها مورد مائي آخر، وكانت حصة مصر 55 مليار متر مكعب منذ عام 1959 وكان عدد سكانها آنذاك اقل من 20 مليونا فحتي الآن لم يزد نصيبها من المياه في حين تضاعف عدد سكانها ليصل 90 مليون نسمة ويضم عدد سكان السودان ليصل إلي 125 مليون نسمة للبلدين بما يعادل 40٪ من سكان دول الحوض فإن نصيبهما لا يفي باحتياجات السكان ومطالب التنمية المستدامة. وفي هذا المجال أبرمت اتفاقية شبكة المجاري المائية الدولية عام 1997 التي أقرت مبدأ المشاركة بين دول المجري في استخدامه وتنميته وحمايته وواجب التعاون علي اساس المساواة في السيادة والسلامة الاقليمية والفائدة المتبادلة من أجل الحصول علي امثل انتفاع بالمجري المائي الدولي وتوفير حماية كافية له، كما اكدت الاتفاقية علي معاملة حوض نهر النيل كوحدة واحدة وان يكون استخدام مجراه بطريقة مقبولة وعلي قدم المساواة ومراعاة الحقوق المكتسبة للدول والتزاماتها بعدم الاضرار ببعضها إلا ان ذلك يصطدم بصعوبة تحديد معني الاستخدام المعقول المنصف وبتطبيق التزام الدولة بالعناية اللازمة للانتفاع بالمجري حسب نص المادة وليس بنتيجة، فصيغة هذه المادة ليست حاسمة في تقرير مسئولية الدولة عن دفع الاضرار المتبادلة، وإلي أن يتم هذا سنري الازمة تتزايد وسنري الدول تسعي إلي توزيع عادل لنصيبها في المياه العذبة من خلال الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الاطراف علي الرغم من الجهود التي تبذلها الوكالات المتخصصة التابعة للامم المتحدة فتهدف هذه الاتفاقيات الاقليمية الي تطبيق مباديء »دبلن« الصادرة عن المؤتمر الدولي للمياه والبيئة 1992 وهي ان المياه العذبة مورد محدود وضعيف وضروري لاستمرار الحياة والتنمية والبيئة وانه ينبغي ان تقوم تنمية وإدارة المياه علي منهج تشاركي يضم المستخدمين والمخططين وصناع القرار علي جميع المستويات وان تلعب المرأة دورا محوريا في توفير وصيانة المياه، وان للمياه قيمة اقتصادية وهذا الاتجاه يتلاءم مع الاهمية التي تشكلها ازمة المياه باعتبارها قضية تتصدر الآن الاجندة السياسية منذ ان وضعت اهداف الالفية التنموية الوثيقة الصلة بالمياه وهي خفض نسبة الافراد المحرومين من مياه الشرب النقية الي النصف. وعلي الرغم من أن اتفاقية 7991 أقرت مبدأ مشاركة دول المجري المائي في استخدامه وتنميته وحمايته كما أرسلفنا القول ومع ذلك لم تكن الاتفاقية حاسمة في وضع قواعد دولية حاسمة ذلك انه بمراجعة المادة »3« نجد انها تبقي علي الاتفاقيات القائمة ومع انه يجب ان يكون التناسق مع الاتفاقية ملزما أكدت علي الدعوة إلي تشجيع الدول الاطراف علي ان تضع في اعتبارها تناسق الاتفاقيات القائمة علي المباديء الاساسية للاتفاقيات الدولية للمياه، وترجع الصعوبة في ذلك إلي تحديد الحقوق المكتسبة والتاريخية للدول والالتزامات المتبادلة فيما بين دول حوض المجري المائي الدولي إذ يلاحظ ان المنازعات العديدة التي ثارت في هذا الشأن كانت تنتهي عندما تحترم هذه الحقوق التي تؤكدها ايضا آراء الفقهاء واحكام المحاكم الدولية واساسها علاقات حسن الجوار ومبدأ عدم التعسف في استعمال الحق وهو المبدأ الراسخ في الممارسة الدولية في الوقت الحاضر. وبما ان المعاهدة الدولية 1997 تعامل حوض النهر كوحدة واحدة، ولذلك يلزم موافقة دولتي المصب »مصر والسودان« بالاضافة إلي باقي دول المنبع السبع مسبقا علي اي مشروع يقام علي مجري النهر او عند منابعه وعلي أي تعديلات قد تدخل مستقبلا علي بنود الاتفاقية الاطارية المرتقبة لاسيما ان البنك الدولي للانشاء والتعمير قد اشترط موافقة جميع الدول المعنية علي أي اتفاقات تتعلق بالاستفادة بنهر النيل كرفع الطاقة الكهربية المولدة من المساقط المائية علي مسار النهر بما يفيد التنمية الشاملة لدول الاقليم ولهذا كان ينبغي علي اثيوبيا تأجيل البدء في انشاء سد النهضة إلي ان تعرض نتيجة الابحاث المنبثقة عن اللجنة الفنية الدولية ثم موافقة دول المجري جميعا وخاصة دولتي المصب »مصر والسودان« وفقا لاتفاقية شبكة المجاري المائية باعتبار نهر النيل نهراً دوليا ومعاملة حوض النهر كوحدة واحدة.