الفريق أحمد خليفة يشهد انطلاق المؤتمر الدولى للاتصالات    مدبولي: معدلات استهلاك وإنتاج الكهرباء في مصر سجلت أرقامًا غير مسبوقة    جامعة القناة تواصل تمكين شبابها عبر "كن مستعدا" لتأهيل كوادر مراكز التوظيف    بدء تسليم أول وحدة صحية بمنطقة غرب المطار بأكتوبر الجديدة.. استعدادا لتشغيلها    وزير الخارجية والهجرة يلتقي الكاتب الأمريكي توماس فريدمان    ترامب: سأسمح للاجئين الأوكرانيين بالبقاء في الولايات المتحدة حتى انتهاء الحرب    نادي الشمس يهنئ ياسر إدريس بعد فوزه بمنصب نائب رئيس الاتحاد الدولي للألعاب المائية    الزمالك يعلن رسمياً التعاقد مع محمد إسماعيل لمدة 5 مواسم    محمود بنتايج يعود لتدريبات الزمالك بعد التعافي من الإصابة    النيابة تعلن انخفاض نسبة المخالفات المرورية 25% وحوادث الطرق 37%    السجن المؤبد لمعلم هدد وتعدى على 10 طالبات داخل مدرسة بالإسكندرية    تحرير 182 مخالفة وضبط 7 أطنان دقيق وزيت وسكر بحملة تموينية بالدقهلية    وزارة التعليم ردا على إدعاء طالب تغيير إجابته بالثانوية: إجراءات التصحيح لا تقبل مجالا للشك    تجديد الثقة في اللواء مصطفى إبراهيم مديرًا للإدارة العامة لمرور الجيزة    وداعًا لطفى لبيب    أمير المصرى فى مهرجان فينيسيا    أمين الجبهة الوطنية: الرئيس السيسى يبذل كل ما يملك فى سبيل الدفاع عن قضية فلسطين    زياد الرحباني والتعبير عن هموم لبنانية وعربية    ساموزين.. يطلق «باب وخبط» ويعود إلى الإخراج بعد غياب 15 عامًا    خدمة طبية متكاملة داخل المنازل    "هواوي" تطلق الإصدار 8.5 من حزمة السحابة في شمال إفريقيا لتعزيز الذكاء الاصطناعي    "مدبولي": مصر تكبدت خسائر كثيرة منذ بدء الأزمة في قطاع غزة    الكرملين ردا على تعليقات ترامب: روسيا اكتسبت مناعة من العقوبات    تحليل مخدرات والتحفظ على السيارة في مصرع شابين بكورنيش المعادي    في شهرين فقط.. تامر حسني يجني 99 مليون مشاهدة بكليب "ملكة جمال الكون"    البيت الفني للمسرح ينعى الفنان لطفي لبيب    مصر تواجه تونس في ختام الاستعدادات لبطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عامًا    اجتماع موسع بشركة الصرف الصحي بالإسكندرية استعدادا لموسم الأمطار    ناجلسمان: تير شتيجن سيظل الحارس الأول للمنتخب الألماني    رئيس جامعة المنيا يحفّز الأطقم الطبية قبيل زيارة لجان اعتماد مستشفيي الكبد والرمد الجامعيين    أهمية دور الشباب بالعمل التطوعي في ندوة بالعريش    ركود السوق يهبط بأسعار الأجهزة الكهربائية 35%.. والشعبة: لا تشترِ إلا عند الحاجة    توقعات الأبراج في شهر أغسطس 2025.. على برج الثور الاهتمام بالعائلة وللسرطان التعبير عن المشاعر    محافظ المنوفية تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 ب 469 لجنه انتخابية    ترامب: الهند ستدفع تعريفة جمركية بنسبة 25% اعتبارًا من أول أغسطس    أحمد درويش: الفوز بجائزة النيل هو تتويج لجهود 60 عاما من العمل والعطاء    تغطية الطرح العام ل "الوطنية للطباعة" 8.92 مرة في ثالث أيام الاكتتاب    سباحة - الجوادي يحقق ذهبية سباق 800 متر حرة ببطولة العالم    جامعة بنها الأهلية تختتم المدرسة الصيفية لجامعة نانجينج للطب الصيني    النيابة العامة: الإتجار بالبشر جريمة تتعارض مع المبادئ الإنسانية والقيم الدينية    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل ب 300 دينارًا بالأردن    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    أبو مسلم: جراديشار "مش نافع" ولن يعوض رحيل وسام ابو علي.. وديانج يمتلك عرضين    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    ترامب يكشف عن تأثير صور مجاعة قطاع غزة على ميلانيا    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    33 لاعبا فى معسكر منتخب 20 سنة استعدادا لكأس العالم    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    إعلام كندي: الحكومة تدرس الاعتراف بدولة فلسطين    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مياه النيل بين دول المنبع ودول المصب‏21‏ يونيو‏2010‏
بقلم‏:‏ الصادق المهدي

الإمام الصادق المهدي‏:‏ منذ مؤتمر ستوكهولم‏1982‏ م قيل إن الماء سوف يحل مكان الطاقة كقضية سياسية أساسية في العقد القادم‏,‏ ومنطقة الشرق الأوسط هي الأكثر حساسية في هذا الصدد وتبين أنه نتيجة لعوامل كثيرة فإن المنطقة منذ بداية القرن الحادي والعشرين سوف تحتاج في عام‏2025‏ لأربعة أضعاف ماتستهلكه يومئذ‏.‏
لذلك ينبغي أن تتبع في كل الدول خطة أمن مائي تزيد من العرض وترشد الطلب
‏1‏ هناك مصادر مختلفة للمياه غير مياه الأنهار ان ربع سكان المنطقة العربية يعتمدون علي المياه الجوفية أو المياه المحلاة من مياه البحار‏.‏
ولكن أكثر من‏50%‏ من سكان المشرق العربي يعتمدون علي مياه الأنهار‏.‏
‏2‏ مجري نهر السنغال مشترك بين خمس دول هي‏:‏ السنغال مالي وموريتانيا وغينيا وتوجد احواض مشتركة بين تونس والجزائر وبين الجزائر والمغرب ولكن الأحواض الكبيرة ذات الأهمية الإستراتيجية في المنطقة هي ثلاثة أحواض وهي الأكثر عرضة للتأزم وهي‏:‏ حوض النيل حوض دجلة والفرات وحوض الأردن‏(‏ حوض نهر الأردن يشمل الأردن‏,‏ سوريا‏,‏ وإسرائيل‏)‏ وهناك أنهر أخري‏:‏ العاص وهو ينبع في لبنان ويمر بسوريا‏,‏ ولواء الاسكندرون التابع لتركيا‏,‏ والليطاني الذي ينبع ويصب في لبنان ولكنه في جزء من مجراه الأسفل تحت سيطرة إسرائيل أما الرافدان فمنابعهما في تركيا ومجراهما في سوريا والعراق‏.‏
إن لحوض الأردن مشاكل كثيرة مرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي‏.‏
والآن إسرائيل تعتمد في ثلثي المياه التي تستخدمها علي نهر الأردن وتفرض إرادتها بالقوة الأوضاع فيما يتلق بنهر الأردن خاضعة لقرصنة مائية ولا حل يرجي إلا ضمن سلام عادل يحسم النزاع علي الأرض وعلي المياه‏.‏
أما في حوض الرافدين فمصدر التأزم هو أن تركيا تعتبر المياه كسائر الموارد الطبيعية ملكا للبلاد التي تنبع فيها وهي التي تتحكم فيها وفي الأنصبة التي تقررها لدول المجري والمصب‏.‏
الأمر في حوض النيل مختلف فلا توجد تعقيدات المشكلة العربية الإسرائيلية كما في حوض الأردن ولا ادعاء دول المنابع ملكية المورد المائي‏.‏
‏3‏ حوض النيل يجمع عددا من الدول من المنابع حتي المصب كالآتي‏:‏
‏*‏ النيل الأبيض ينبع من بحيرة فكتوريا وهي مشتركة بين أوغندا‏,‏ وكينيا‏,‏ وتنزانيا
‏*‏ أكبر الروافد المغذية لبحيرة فكتوريا نهر كاجيرا وهو ينبع من رواندا وبوروندي‏.‏
‏*‏بعد خروج النيل من بحيرة فكتوريا يدخل بحيرة ألبرت وهي مشتركة بين الكونجو وأوغندا‏.‏
‏*‏نهر السوباط والنيل الأزرق‏,‏ ونهر عطبرة‏,‏ روافد منحدرة من أثيوبيا وأحد روافد نهر عطبرة‏,‏ هو نهر ستيت الذي يمر باريتريا‏.‏
‏*‏ النيل الأبيض بتكوينه المذكور‏,‏ والنيل الأزرق‏,‏ يلتقيان في الخرطوم ومعا يشكلان النيل الذي يصب فيه شمالا نهر عطبرة ومنها جميعا يتكون النيل الذي يجري في السودان الشمالي ويخترق مصر من جنوبها حتي البحر الأبيض المتوسط حيث مصب النيل‏.‏
لأسباب كثيرة طبوغرافية‏,‏ وجغرافية‏,‏ واقتصادية صار النيل شانا مصريا علي طول تاريخه وهذا الواقع قننته الاتفاقيات التي أبرمتها السلطات السياسية التي حكمت مصر ودول المنابع‏.‏ وهي اتفاقيات تلتزم بموجبها دول المنابع ألا تحدث شيئا في النيل يؤثر سلبيا علي تدفق مياهه نحو الشمال‏.‏
مقدار الأمطار التي تهطل علي مناطق أعالي النيل مع اختلاف في التقديرات تبلغ‏2000‏ مليار متر مكعب ولكن الذي ينحدر منها في مجري النيل‏84‏ مليار متر مكعب في المتوسط مكونة من الوافد المختلفة كالآتي‏:59%‏ من النيل الأزرق‏(‏ أثوبيا‏)14%‏ من السوباط‏(‏ أثيوبيا‏)‏
‏12%‏ من نهر عطبرة‏(‏ أثيوبيا وأريتريا‏)15%‏ من بحر الجبل‏(‏ منطقة البحيرات‏)‏ أي جملة الوارد من الهضبة الأثيوبية‏85%‏ و‏15%‏ من منطقة البحيرات
‏4‏ أول تعديل في التعامل مع النيل حصريا لمصر حدث في عام‏1929‏ م عندما أوقعت بريطانيا عقوبات علي مصر بسبب اغتيال السير لي إستاك في القاهرة عام‏1924‏ م اتفاقية مياه النيل لعام‏1929‏ م خصصت‏4‏ مليارات مترمكعب للسودان بموجب اتفاقية مصرية بريطانية‏.‏
السودان هو أوسع بلدان حوض النيل امتلاكا لأراض زراعية لذلك كانت أولي المشاكل بين السودان ومصر بعد استقلال السودان متعلقة بمياه النيل ومطالبة السودان المستقل بمزيد من المياه علي لسان السيد ميرغني حمزة وزير الري السوداني رحمه الله وفي منتصف عام‏1958‏ م سمعت الإمام عبد الرحمن المهدي عليه الرضوان يقول إن الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله قال له لماذا تحرصون علي التعامل مع البنوك البريطانية لا المصرية؟ قال‏,‏ قلت له تعاملنا معها للضرورة نوافق علي أن تحل البنوك المصرية محلها‏.‏ وفي نفس السياق تحدث عن ضرورة الاتفاق مع مصر حول مياه النيل لاسيما ومصر تستعد لإنشاء السد العالي‏.‏
وذكر استعداد مصر أن يخصص للسودان‏17‏ مليار متر مكعب زيادة علي حصته الحالية لتكون‏21‏ مليار متر مكعب وأن يكون تعويض أهالي حلفا مبلغ‏30‏ مليون جنيه هذه المعلومة أيدها السيد عبدالفتاح المغربي رئيس الدورة لمجلس السيادة في نوفمبر‏1958‏ م ودونها في خطاب نشره في صحيفة الأيام العدد‏5013‏ بتاريخ‏1967/4/7‏ م ولكن في‏1958/11/17‏ م وقع الانقلاب العسكري الأول وبعد عام أبرم اتفاقية مياه النيل المصرية السودانية لعام‏1959‏ م كانت مياه النيل شأنا مصريا وبعد هذه الاتفاقية صارت شانا مصريا سودانيا أي ثنائيا‏.‏
‏5‏ بطرق مختلفة أبدت دول المنابع تحفظها علي هذه الاتفاقية‏,‏ وفي الاجتماعات الكثيرة التي عقدت تحت عنوان مؤتمر النيل لعام‏2002‏ م أبدت دول المنابع استعدادها للتعاون في المسائل الفنية والتنموية وطالب بعضها بأساس قانون جديد لمياه النيل‏.‏
زيادة الطلب علي المياه العذبة ظاهرة كونية فقد زاد استهلاكها خلال القرن العشرين عشرة أضعاف ويتوقع أن يزيد بنفس القدر أثناء القرن الواحد والعشرين لسببين‏:‏ زيادة هائلة في عدد السكان وارتفاع مستوي المعيشة‏,‏ ثم أن تطور التكنولوجيا فتح مجالا لنقل المياه لمناطق أخري عن طريق الأنابيب‏,‏ وتوليد الكهرباء عن طريق السدود‏.‏
دول منابع النيل مدركة للاتفاقيات القديمة وبتوارث الاتفاقيات الدولية لكنها تحتج بغياب إرادتها السياسية في الماضي وبمستجدات جعلتها تطالب بحقوق في مياه النيل‏.‏
والنيل واحد من‏300‏ نهر متعد للحدود القطرية مما جعل الأمم المتحدة تبرم اتفاقية لاستخدامات المجاري المائية أي الأنهار في عام‏1997‏ م هذه الاتفاقية ليست كافية لحسم الاختلافات بين دول حوض النيل بل قامت علي مبدأين يمكن لطرفي النزاع الاستشهاد بهما هما‏:‏
الأول‏:‏ الالتزام بالحقوق المتعلقة بالمجري المائي‏(‏ النهر‏)‏ الناشئة من اتفاقيات سابقة‏.‏
الثاني‏:‏ يجوز للأطراف المعنية أن تنظر في تحقيق اتساق هذه الاتفاقيات مع المبادئ الواردة في هذه الاتفاقية‏(‏ وهي مبادئ تتطلع لتحقيق العدالة‏)‏
لذلك اختلفت مواقف دول حوض النيل من هذه الاتفاقية‏:‏ فالسودان وكينيا أيدتا الاتفاقية وبورندي عارضتها ومصر وأثيوبيا ورواندا وتنزانيا امتنعتا عن التصويت وأوغندا واريتريا والكونغو غابوا عن الجلسة هذا يدل علي اختلاف دول حوض النيل حول الأحكام العامة التي قررها القانون الدولي‏.‏
‏6‏ والقضية ليست فنية فالنيل بقيادة مصر من أكثر الأنهر العالمية توثيقا من الناحية الفنية وهو كذلك من أكثرها تعاونا بين دوله من الناحية الفنية وقد استطاع وزراء الري فيه عبر المنابر المشتركة أن يحققوا درجة عالية من تبادل الخبرات‏,‏ والمعلومات‏,‏ والتدريب‏.‏
‏7‏ القضية هي خلاف بين إرادة الإبقاء علي الوضع القانوني في مياه النيل علي ماهو عليه والذين يريدون تغييره لأنه لايعترف لهم بحقوق ويلزمهم بواجبات ومع أن هذا التباين صار واضحا منذ سنوات لم تنشأ خطة ذكية للتعامل معه مع أن التعاون الوفاقي بين دول الحوض ضروري لاستقرار الأوضاع‏,‏ ولحماية بيئة النيل‏,‏ ولمشروعات زيادة تدفق مياه النيل في مجراه‏.‏
‏8‏ وفي عام‏1997‏ م لمست خطورة الموقف لأن رئيس وزراء أثيوبيا قال لي‏:‏
مهما طالبنا مصر بالتفاوض حول استخدامات مياه النيل تمنعت وسوف يأتي يوم نتصرف انفراديا وبعد أسبوع من ذلك اللقاء التقيت الرئيس حسني مبارك ولدي الحديث عن مياه النيل قال لي‏:‏ مياه النيل خط أحمر لانسمح لأحد مسه هذه المواقف مع المناخ المشحون في تعليقات الكتاب والباحثين دفعني للتنقيب في قضية مياه النيل ونشر كتابي مياه النيل‏:‏ الوعد والوعيد
الكتاب بعد بحث الموضوع من جميع جوانبه يخلص لحقيقة أن القضية ليست فنية‏,‏ ولا هي قانونية‏,‏ بل قضية سياسية اقتصادية تتطلب القيام بتشخيص صحيح لجوانبها المختلفة ووضع مشروع اتفاق جديد تبرم بموجبه اتفاقية تحسم مسألة الحقوق والواجبات في حوض النيل‏,‏ وتفتح المجال لتعاون يصون بيئة النيل‏,‏ ويزيد تدفق مياهه‏,‏ ويمكن دول الحوض من تحقيق أمنها المائي والغذائي وتعاونها التنموي‏.‏
‏9-‏ الخلاف حول مياه النيل يقوم علي اختلاف حقيقي بين تطلعات دول منابع النيل ومصالح دولتي المجري والمصب صاحبتي الحقوق في الاتفاقيات الراهنة‏.‏ وعلينا‏:‏
أولا‏:‏ ألا نطعن في وعيهم ووطنيتهم باعتبار مطالباتهم مجرد أصداء لتحريض الأعداء‏.‏ الأعداء علي استعداد دائم لاستغلال أي فرصة للوقيعة والتفرقة المهم ألا نتيح له الثغرات‏.‏
ثانيا‏:‏ ألا نفكر بأسلوب اللجوء للقوة لحسم الاختلافات فالقوة تزيد الأمر تعقيدا وتفتح أوسع المجالات للأعداء الاستراتيجيين وفي النهاية لا حل إلا عبر التراضي‏.‏
‏10-‏ منذ عام‏1999‏ م انطلقت مبادرة حوض النيل وقد ضمت جميع دول حوض النيل بهدف إبرام اتفاقية للتعاون بين دول الحوض‏.‏ الاتفاقية مجرد إطار عام تكون بموجبه مفوضية لبحث التفاصيل‏.‏
أقول‏:‏
أ‏-‏ الأسس المتفق عليها في هذا الاتفاق الإطاري لتحديد العدالة في حصص مياه النيل أسس معقولة‏.‏
ب البنود المتعلقة بالأمن المائي ملزمة ولا يجوز تعديلها إلا بالتراضي‏.‏
ج آليات التحكيم في حالة وقوع اختلاف بين الدول آليات معقولة وعادلة‏.‏
د أما الفقرة‏14‏ المختلف علي بعض ما ورد فيها فنصها كالآتي‏:‏ بالنظر للفقرة‏5,4‏ تدرك دول الحوض أهمية الأمن المائي لكل منها‏.‏ وهي تدرك كذلك أن التعاون‏,‏ والإدارة‏,‏ والتنمية لمياه النيل تحقق الأمن المائي لها ومنافع أخري لذلك اتفقت الدول بروح التعاون علي‏:‏
‏(‏أ‏)‏ العمل معا لتأكيد أن من حق كل دولة تحقيق الأمن المائي‏.‏
‏(‏ب‏)‏ هنالك نصان‏:‏
نص اتفقت عليه دول المنابع وهو‏:‏ الالتزام بعدم المساس المؤثر بأمن أي دولة من دول الحوض المائي‏.‏
النص المقترح من مصر والسودان وهو‏:‏ عدم السماح بأي تأثير سالب علي الأمن المائي لأية دولة‏.‏ وعدم المساس بالاستخدامات الحالية‏.‏ وبالحقوق الحالية‏.‏
وقرر الوزراء المجتمعون في كنشاسا في الكنغو في‏2009/5/22‏ م أن موضوع النص المختلف عليه وهو‏14(‏ ب‏)‏ يلحق بما فيه من اختلاف بالاتفاق الإطاري ويحول للمفوضية لحسمه في ظرف ستة شهور‏.‏
ومنذ أن قررت‏6‏ دول التوقيع علي الاتفاق الإطاري ورفضت دولتان تعكر المناخ السياسي في دول حوض النيل وتبودلت الاتهامات والتهديدات‏.‏
ولكن بصرف النظر عن تلك المساجلات فإن الأمر يتلخص في اتجاهين‏:‏
الأول‏:‏ الذين يريدون تغيير الواقع الحالي مع الالتزام بضمانات إيجابية لمصلحة دولتي المجري والمصب‏.‏
الثاني‏:‏ دولتا المجري والمصب اللتان تريدان الإبقاء علي الواقع كما هو‏.‏
‏11-‏ أقول‏:‏ الإبقاء علي الواقع كما هو مستحيل لأنه يفرض علي دول المنابع واجبات دون أدني حقوق‏.‏ والإبقاء علي الواقع كما هو غير صحيح لأنه يقفل الباب أمام أي مشروعات تنموية كبري وأي خطط تعاونية وهي مجالات يفتح المجال لها الاتفاق ويمنعها عدمه‏.‏ والإبقاء علي الواقع كما هو غير صحيح لأنه يمنع مشروعات زيادة دفق مياه النيل‏.‏ زيادة ممكنة عن طريق تحسين حصاد المياه علي طول النيل في مناطق هطول الأمطار في المنابع وفي المجري‏,‏ ويمنع تنفيذ مشروعات الزيادة في مناطق أعالي النيل المقدرة في جونجلي الأولي والثانية ومستنقعات بحر الغزال‏,‏ والسوباط بجملة‏20‏ مليار متر مكعب‏.‏
‏12‏ هنالك خطآن كبيران ارتكبا في مسألة حوض النيل‏:‏
الأول‏:‏ هو إغفال ملف مياه النيل في بروتوكول الثروة في اتفاقية السلام وهو ما نبهنا له في الماضي‏.‏ وكان ينبغي الالتزام بمشروعات زيادة دفق مياه النيل والاتفاق علي الوضع القانوني في النيل وعلي استخدام مياه النيل داخل السودان بصورة عادلة‏.‏ إن غياب أي اتفاقية حول مياه النيل في بروتوكول تقاسم الثروة جعل بعض المعلقين يقولون ما قاله يوهانس أجادين مدير منظمة العدل الأفريقية‏:‏ استخدام مياه النيل هو موضوع من الأرجح أن يسبب الاحتكاك مع الشمال مباشرة بعد التنموية‏.‏
الثاني‏:‏ هو السماح للاختلاف حول التوقيع علي الاتفاق الإطاري أن يصبح سبب استقطاب حاد بين دول حوض النيل لأن هذا الاستقطاب سوف يجر إلي طرفيه عوامل غير موضوعية تعمق الخلاف وتخلق التمترس المضاد‏.‏
ختاما‏:‏
القضية لن تحسم في إطار فني في إطار هندسة الري لأن دور الإطار الفني يأتي لتنفيذ ما يتفق عليه سياسيا‏.‏ ولن يحسم في إطار قانوني لأن المعطيات القانونية نفسها صارت محل اختلاف بين القبول والرفض‏.‏ الحل يكمن في إطار سياسي وهو وحتي الآن في حوض النيل قريب لسببين‏:‏
الأول‏:‏ هو أن دول المنابع تؤكد احترامها للحقوق المكتسبة وتؤمن بالملكية المشتركة لمياه النيل مخالفة في ذلك المنطق التركي الذي يعتبر مياه النهر ملكا لأهل المنبع‏.‏
الثاني‏:‏ هو أن دولتي المجري والمصب لدي إبرامها لاتفاقية مياه النيل في نوفمبر‏1959‏ والذي بموجبه قسمته المياه المتدفقة في مجري النيل بينهما ذكرتا لأول مرة في تاريخ علاقات النيل حقوقا لدول المنابع إذ جاء في الاتفاقية االثنائية النص الأتي‏:‏ نظرا إلي أن البلاد التي تقع علي النيل غير الجمهوريتين المتعاقدتين تطالب بنصيب في مياه النيل‏.‏ فقد اتفقت الجمهوريتان علي أن يبحثا معا مطالب هذه البلاد ويتفقا علي رأي موحد بشأنها‏.‏ وإذا أسفر البحث عن إمكان قبول أي كمية من إيراد النهر تخصص لبلد منها أو لآخر فإن هذا القدر‏,‏ محسوب عند أسوان يخصم مناصفة بينهما‏.‏
المطلوب من قيادات بلدي المجري والمصب الرسمية والشعبية التحرك بوعي وإحاطة للخروج من الحجر الذي انحشرت فيه قضية مياه النيل لتحقيق إمكان النيل الوفاء بحاجة أهل الحوض المائية والكهرومائية‏,‏ فالنيل في الحقيقة نعمة للبلدان المتشاطئة عليه‏.‏
نعمة يمكن للتصرفات البشرية القاصرة أن تحيلها إلي نقمة كما هو الحال في كثير من النعم‏.‏
السيناريو الحميد هو احتواء الخلاف الحالي وتفعيل الديناميات التي تحقق معادلة كسبية لجميع دول الحوض‏.‏ والعمل علي ترجيح الوحدة العادلة بين شمال السودان وجنوبه أو الجوار الأخوي المحكوم باتفاقية إخاء أو تكامل بين دولتي السودان‏,‏ ويصحبه في حالتي الوحدة والانفصال اتفاق عادل بشأن استخدام مياه الأبيض ويمهد لمشروعات تنمية موارده‏.‏
أماالسيناريو الخبيث فهو تكريس الاستقطاب الحالي بين دول حوض النيل وحدوث انفصال عدائي بين شمال السودان وجنوبه‏.‏
إذا توافرت القيادة السياسية المبصرة ذات الوعي الإستراتيجي والإرادة السياسية الفاعلة ذات التحرك المؤثر فالنجاة ممكنة والمعادلة الكسبية واردة وإلا فالوبال علينا‏.(‏ إن الله لا يغير الله ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم‏),(‏ إنما يستجيب الذين يسمعون‏).‏
والسلام عليكم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.