علاء عبدالوهاب ماذا عمن حباهم الله من فضله عقلاً، فإذا بهم يمنحونه إجازة مفتوحة؟.. أهو »الاستحماق«.. أم »الاستحمار«؟ السبت: في اللحظات الصعبة من أعمار الشعوب يشتاق الناس إلي الحكمة، الذكاء، الصدق، مجاديف تدفع سفينة الوطن، وتحفظها من غضب الانواء، وغدر العواصف، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. شخصياً، أواجه، وأعاني من غياب الحكمة، وانيميا الذكاء، وندرة الصدق، لا أملك إلا الصدمة! ربما يكون امتحانا أتشارك فيه مع كثيرين، وكل علي قدر استطاعته، هناك من يحتمل، ويتحمل، وأيضا من يصعب عليه أن يكون هدفاً للحمقي، وضحية للحماقة، ربما بقصد، أو بغير قصد، فالأحمق غالبا يتمتع بالغفلة، وربما يستمتع بغبائه، والأخطر أن تعجبه قلة عقله ومخاصمة الحكمة لتفكيره وأفعاله! .......... كان جاري في قاعة العزاء، يردد وغصة بادية في نبرات صوته: لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها ثم كرر الشطر الثاني ثلاث مرات، موجها سهام نظرات نارية لمن يجلس قبالته، ومالبث أن وزع نظراته الساخنة علي الجميع، بعد أن خص بها صاحبه في المرة الأولي، لكنه حرص في المرتين التاليتين علي توزيع نقمته - بالعدل- في كل اتجاه! لا أعرفه، ولا يعرفني، لكن شفقتي علي إلتياعه البادي، جعلني أشعر وكأني إلتقيته من قبل، ربما لأن ملامحه من النوع المألوف. عاد قارئ القرآن يرتل، وحاولت جاهدا أن أركز انتباهي معه، متأملا الآيات التي يتلوها، إلا أن نظرة تفلت تجاه جاري تشتت تركيزي، وتشدني نحو تأمل انفعاله الشديد، وضغطه علي حروف الشطر الثاني الذي كرره ثلاثاً. نهرت نفسي أكثر من مرة، لكني انتبهت إلي ان الآيات تتناول موقف فرعون موسي، الذي يجسد الحماقة في أكمل معاينها، ضبطت نفسي مبتسما، وكأني أصالحها علي فعل التأنيب لها منذ ثوانِ. ............ »صدق الله العظيم« حان إذن الوقت لتقديم واجب العزاء، والانصراف، صافحت أياديٍ عديدة دون ان أتبين ملامح أصحابها، اندفعت تجاه السيارة، جلست دون أن انطق حرفاً، انطلق السائق، ولا يشغلني إلا تلك الكلمات التي عنونت بها هذه السطور. في الطريق، أعدت تركيب مشاهد، بعضها قريب، والآخر استدعته الذاكرة من مخازنها السحيقة، أبطالها حمقي إلي حد المرض، بعضهم عذره الغباء أو الغفلة، لكن ماذا عن أولئك الذين حباهم الله من فضله عقلاً، فإذا بهم يمنحونه إجازة مفتوحة؟! أهو »الاستحماق« أم »الاستحمار«؟ تساءلت: هل يمكن أن تكون الحماقة اختياراً؟ الجزم باجابة يبدو صعبا، إلا أن نظرة في أي اتجاه، لاتملك معها إلا التسليم بأن حمقي كُثرا في هذا الزمان، كانت حماقتهم اختيارا حرا، تاريخهم يقول ذلك، استعراض مواقف سابقة لهم يؤكد أني لا أظلمهم، بل هم أنفسهم يظلمون! ............ لن أكف عن الدعاء لمن يدلني علي علاج ناجح، أضعه لمرضي أقع في نطاق حماقتهم غصبا وجبرا. حقا »إيد واحدة« الإثنين: »الجيش المصري وطني، عظيم، شريف، صلب وصلابته جاية من شرفه«. رغم النبرة الهادئة التي حرص الفريق أول السيسي أن ينطق بها عباراته، إلا انها جاءت وكأنها رصاصات تعرف هدفها تماماً. الزمان: الاثنين 92 أبريل. المكان: قاعة مسرح الجلاء للقوات المسلحة. المناسبة: أعياد تحرير سيناء. المتحدث: القائد العام للجيش المصري. في تلك الليلة، تجلي شعار »الجيش والشعب إيد واحدة« كحقيقة لا تقبل الشك أو التشكيك، من جديد، وللأبد بإذن الله. عفوية الفريق أول السيسي ، وكلماته من القلب، نبرته الواثقة كسرت كل الحواجز المصطنعة، واخترقت قلوب وعقول ملايين المصريين، لتمحو أي مرارات، ولتعود العلاقة بين المصري وجيشه رائعة، صافية، كما كانت دائما. احتفالية تحرير سيناء محت ما علق بالنفوس، لتصفو، والآذان تُصغي لكلمات كل حروفها صادقة: »إحنا ايدينا تنقطع قبل ماتمسكم«، إلتفت إلي بناتي: - ألم أقل لكن إنهم لن يخذلونا أبدا، وإذا كانت هناك أخطاء خلال المرحلة الانتقالية، فإنه لايمكن تحميلها إلا لمن ارتكبوها، أما مؤسستنا العسكرية فهي ملك الشعب، هي منه، وهو منها، فشلت كل محاولة مغرضة في تلطخيها. يبدو ان انفعالي دعا صُغري بناتي لابداء خوفها: - أبي، نعلم ما تقول، لا داعي لكل هذا الانفعال، أرجوك صحتك لا تسمح بذلك. هززت رأسي مؤمنا، وعدنا نتابع كلمات الفريق السيسي، وردود الأفعال التلقائية الرائعة، ربما كان الأكثر تأثيرا جملة محمد فؤاد: أخويا الشهيد إبراهيم فؤاد بيقولك »خلي بالك علي مصر«. استدعت جملة فؤاد لحظة أخري لاستشهاد شقيقه في فيلم »إسماعيلية رايح جاي«، وتماهت اللحظتان، فالانفعال كان صادقاً عند محمد الفنان وفؤاد الإنسان. ادهشني أن هدوء الفريق أول السيسي كان أكثر أثرا في النفوس من أي انفعال »أوڤر« ، رأيته ضخما، ثم توالت علي وجهه ملامح كل القادة العظام: عبدالمنعم رياض، فوزي، صادق، الشاذلي، إسماعيل، فؤاد عزيز غالي و... و... وكل جندي وضابط شهيد، كل ملمح يضيف إلي قامة الرجل ليبدو عملاقاً يمسح ذلك الشعار البغيض: »يسقط يسقط حكم العسكر«. في احتفالية أعياد تحرير سيناء تأكد لكل مصري، ان جيشاً لا ينسي شهداءه، وقائدا يجمع بين القوة والحكمة، ورجال لايفت في عزمهم عارض، فإن مصر لابد أن تكون بخير وأمان، ويقينا لا يمكن ليد عدو أن تمتد لذرة تراب أو حبة رمل إلا وقُطعت. كل سنة وسيناء بخير رغم أنف الأعادي.. كل عام وسيناء بانتظار المزيد من كل مصري: الجندي، العامل، الفلاح، الأفندي، ويقينا لن يخذلوها. لعنة الفيسبوك! الجمعة: أي تكنولوچيا ليست محايدة، الأمر يتوقف علي استخدام الإنسان للجهاز أو الآلة بين يديه، تلك بديهية، والبديهيات لا تحتاج بحكم تعريفها إلي إثبات، كل ذي عقل يعلمها، ويتعامل معها هكذا. مواقع التفاعل الاجتماعي، وبالذات »فيسبوك« كان لها دور لا يمكن انكاره، وفضل لا ينفيه إلا جاحد أو جاهل في موجة التغيير التي هبت علي الركود العربي، فقلبت أوضاعا، وغيرت نظما، ظنها البعد باقية إلي يوم القيامة. وعبر »فيسبوك« اندلعت معارك وسجالات حامية.. بالطبع يحدث ذلك في كل الدنيا، لدي من اخترعوا الكمبيوتر ومنتجاته التفاعلية، أو من استوردوها »علي الجاهز« كحالنا في الاستسهال، و»تقبيل اليد« وشكر الرزاق العظيم أنه منحنا مالاً نستطيع به شراء ما انتجه »الآخر« غربا وشمالا، وفتح شهيتنا النهمة للاستهلاك بأقل كثيرا مما ننتج أو نبدع! تصورت واهما أن أي معركة ساحتها الفضاء التفاعلي مهما كانت حامية، فلن تتجاوز شاشات الكمبيوتر، وربما إذا تجاوزتها فإن الصدي سيكون بالانتقال إلي شاشة التلفاز، أو صفحات الجرائد، أو حتي ساحة القضاء، أي ان المسألة من أولها لآخرها ستكون كلاما في كلام. استيقظت من وهمي علي فاجعة، مسرحها إحدي قري محافظة الشرقية. شاب كان له رأي سياسي لا يخلو من عنف لفظي، شاب آخر لم يعجبه رأي الأول، فلم يجد وسيلة للرد إلا القتل!! في لحظة مجنونة تحول الفيسبوك إلي لعنة! مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت جسرا يقود لأبشع جريمة، وهل هناك أبشع من إزهاق النفس التي حرم الله قتلها؟ هكذا في دقائق معدودات، غلي الدم في العروق، رفض الشاب رأياً، قرر الرد، الدم هو الحل! ولأن الدم لا يجلب إلا دما، فكان الرد علي قتل صاحب الرأي بالرصاص، قتل الثاني ضربا ثم إحراق منزله، وفي الهوجة يدفع شابان آخران حياتهما فيما لاناقة لهما فيه ولا جمل! هل ندين الفيسبوك؟ هل نلعن التكنولوچيا ؟ هل نسب مواقع التواصل الاجتماعي و»سنينها السودا«؟! بقليل من التأمل للمشهد الذي يمتزج فيه لون الدماء بالدخان الاسود الناجم عن الحريق، نلتقط سريعا عمق المأساة: لم نعد نعرف كيف نختلف؟ هوة الانقسام، وحجم الشقاق في اتساع مستمر، ما يستخدمه المتحضرون للتواصل والتفاعل، نحوله - بوعي أو بدون وعي- إلي جسر للعبور نحو الجحيم، أو حفرة بلا قرار ينزلق إليها الجميع! التكنولوچيا باتت لعنة، آلة لتفريخ الأشرار، فمن نعيب، من باعها لنا أو من استخدمها في وطننا؟ كثيرون فقدوا عقولهم أو ظلهم، والأخطر أن هؤلاء وأولئك يفتقدون لمظلة الضمير المجتمعي، فكان منطقيا- للأسف- ان يعتري المشهد عنف غير مسبوق، وألوان من الانحرافات ذات قوة تدميرية مرعبة. وحتي لا يتهمني أحد بالمبالغة- تحت وطأة صدمة حادث بشع- يكفي ان أشير إلي ما ذكرته »فاينانشيال تايمز البريطانية منسوبا لمدير الاعلام بالداخلية من ارتفاع معدلات الجريمة لأقصي درجة في تاريخ مصر الحديث، لقد تضاعفت جرائم القتل ثلاث مرات في عامين منذ ثورة يناير وحتي الآن! الأمر أثار دهشة الخواجات، الفاينانشيال لم تخف استغرابها من التحولات النفسية الدراماتيكية التي طالت مصر، وقلبت حياة المصريين من أمة تخاصم الجرائم العنيفة إلي مضاعفة معدل الجريمة، فماذا يمكن أن تضيفه في تقرير جديد بعد مأساة القتل والحرق الناجمة عن خلاف اندلع في بدايته علي »الفيسبوك«! ويظل السؤال الكبير الذي يبحث عن اجابة شافية: ماذا حدث لنا بالضبط؟ ومضات الحرية والأمن.. يتواجهان أم يتكاملان؟ تلك هي المسألة. الرهان علي استمرار صمت المحروم أو المظلوم، ترجمة حرفية للغباء النقي! نسيج العنكبوت، وخيوط الحرير، من يدرك الفرق؟ مرآة مشروخة+ صور ممسوخة= رؤي مهزوزة! حرفته الهدم، هوايته البناء، متي يحترف الثاني ويهوي الأول؟