لم أجد صعوبة في الكتابة مثل تسطير هذا المقال حتي أن الكلمات باتت مستعصية علي الطرح بذات قدر محاولة فهمنا لأبعاد ما حدث ومايزال يحدث, و كأنه قد كتبت علينا دوما مجابهة النتائج المنقوصة والصور الشائهة بما لا يمكننا معها إستجلاء الحقيقة. وفي ظل عمليات التقسيم والتخوين لم يعد كل إمريء بما كسب رهين وحسب بل أصبح هو وحده فقط المالك للحقيقة التي لا تحتمل معها أية حقائق أخري. هذا علي مستوي التعميم فما بالكم حين تأتي ملكية الحقائق وقد أحيطت بإطار العقيدة أو يإسار القداسة. إن ما يحدث في بر المحروسة قد أدخلنا والوطن في نفق حالك السواد بعدما أصبحت الشرعية حجة من لا حجة له, وأصبح الحشد الجماهيري هو السبيل الأوحد لضبط إيقاع الأمن القومي من منطلق التفويض الشعبي الذي رآه البعض مخالفا لشرعية الصندوق, رغم كون هذا الأخير ذاته قد اكتسب شرعيته من الشعب نفسه. وهكذا وجدنا أنفسنا في معادلة جدلية طرفاها المتقابلين هما معيار التناقض و من ثم التناحر بعدما كانا معيارا للتكامل والتوافق. وأمام هذه الدوامات التي زج فيها بالوطن وما تزال أطواق النجاة تقذف له في يم المتناقضات, لم يسأل الواحد منا نفسه ما الذي أوصلنا لما نحن فيه وكيف السبيل من تلمس الطريق السوي بدلا من العودة للوراء. إننا أحوج ما نكون الآن لإعمال العقل أكثر من أي وقت مضي لكونه ليس ترفا نجمل بأحاديثه مجالسنا الوثيرة في وقت يقف فيه الوطن علي شفا جرف هار, بل هو فرض عين علي كل ذي لب أو ألقي السمع وهو شهيد. بداية لابد أن نؤكد علي أن إنجرافنا العاطفي في أفراح11 فبراير يوم التنحي بالرادة الشعبية قد جعلنا نغض الطرف عن التالي من الأحداث الجسام, فكانت تجربة تجميد الثورة أو بالأحري تثبيتها ثم اختطافها بإجراءات لم نحترز لتوابعها في ضوء الآليات الموجهة للعملية الانتخابية التي أخذتنا من موقعه الصناديق إلي مشروعيتها. ويعلم الله أن تهيئة المناخ العام كان يستهدف طرحا لصيغ انتخابية جمعت علي المستوي السياسي بين كل مفرادتها من نسبة الخمسين بالمائة إلي التصويت الفردي مع القائمة إلي إعادة النظر في التمييز النوعي لحساب التمكين إلي الدفع بالمغالبة القمية التي انتهت لشرك المغالبة بدلا من مشاركة الغالب. وعندما استفاق الشعب علي تشييع برنامج المائة يوم وإحساسه أن ما يحدث سيحتاج لمائة دهر لا سيما في ضوء الحديث عن الانجازات اللامرئية إلا لصانعيها, بدأت جموع المصريين تبث أولي يذور الشقاق فيما بينها بعدما واجهت مفردات الواقغ مشاعر العاطفة الدينية. وهو انقسام لمن لا يدري قد بدأ لدي كل فرد في ذاته قبل أن يتحول إلي حالتين من الضمير الجمعي ومن ثم الحشد الثوري.. لتتحدد المواقف مسبقا وتتبلور مع التصعيد بعدما أدرك الجميع أن لا أمل ولو راجعوا التاريخ لأدركوا أن نعومة الحكم بالدين قد تنقلب إلي خشونة ضد الحاكمين باسمه, وكلما تمسك فصيا بطرف العصا تمسك الأخر بطرفها الثاني أملا في تغييب الحقيقة التي لا مناص منها والتي لم يقدرها البعض حق قدرها وهي المصلحة العامة. تلك المصلحة التي نراها الأقرب لمفهومRAISONDETAT و هو الذي يضطلع بتفعيلهالجيش حال تعرض البلاد لسيولة سياسية بذات القدر الذي تضطلع به الحكومات حال استقرار الوضع السياسي. إن تبني هذا المفهوم وبعقلانية شديدة ربما سكفينا مؤونة التناحر الدامي من جراء التضارب في الرأي الذي انتهي إلي صبغ الموقف بصبغة الجهاد وإعلاء راية الإسلام وغيرها من شعارات مستهلكة ومهلكة طالما أنه ليس من بيننا من له الوصاية بالحق الإلهي. ولو وعي هؤلاء ما يردون لأدركوا أنها سياسة لا دين وحكم لا شريعة, ولو أدركوا موقف بعض صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم وحفيده الأعز عندما اعتزلوا الفتنة الكبري تباعا لتمثلوهم لكون الأمر سياسة وسعيا للحكم لا انتصار لدين الله وقد كانوا أحق به وأهله. إن علينا أن تتسع صدورنا لاحتواء الموقف برمته وأن نضع حدودا واضحة للسيولة الثورية المتمثلة في كثرة الأحزاب والائتلافات والناشطين والمنظرين بل والأدعياء المتحولين فضلا عن تسفيه الرأي الآخر بالإقصاء والإتهام والتأويل و حتي التفكير. ولتكن مرحلة إزاحة الأقنعة من فوق الوجوه والحجب من ثنايا العقول بخطوات ثابتة وأيد غير مرتشعة تمثل مصلحة الوطن.. والوطن فحسب, وفق آيات محددة تعلي من قيمة العدالة الانتقالية كسبيل للعدالة الاجتماعية و إصلاح المؤسسات كوسيلة لإصلاح ذات البين والاستمساك بقيم المجتمع أمام حالة التهاوي القيمي التي كادت تأتي علي الأخضر واليابس وبتفعيل مبدأ الثراب والعقاب من خلال سيادة القانون حتي ولو بأثر رجعي وتعميق ما نحن مجتمعون عليه مقابل أن نطرح جانبا أية سبل للخلاف بالتسديد والمقاربة.. وعلينا أن ندرك جميعا أن شعارنا في المرحلة القادمة الذي فيه المخرج من ظلمة النفق وعتمة المصير والجامع بين ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وفيه المتسع لكل أبناء الوطن هو التوجيه النبوي الكريم( أنتم أعلم بأمور دنياكم), إنه المظلة السياسية المثبتة بعروة وثقي طرفاها.. الله.. الوطن. (إشراقات السعدي12): أكرم للمرء أن يعيش غائبا عن المشهد بإرادته علي أن يعايشه وهو في غيبوبة كاملة.