نحن في حاجة ماسة إلي الحب حتي ونحن نختلف مع بعضنا البعض وهذه الرؤية تجعل كل فرد مطمئنا إلي الثقة المتبادلة بين الانسان الفرد وزميله في دائرة الحياة المعاشة والتي تربطه بها بشبكة من العلاقات الاجتماعية تحتاج إلي الادراك الواعي والوصال الحميم،فنحن ندرك الحقيقة ولا نملك إلا أن ندركها فكما أن لنا حواسا هيئت لنري بها ونسمع ونشم ونلمس، وهيأ لنا عقل لندرك به الواقع ونمحص به الأمور ونبصر الحقيقة فان حاجتي إلي الآخر تضاف إلي هذه العوامل الإدراكية من خلال مجموعة العلاقات الاجتماعية التي تربطني بالآخر وتدعم أواصر الوفاق والوئام بيني وبينه. وقد يقال أن الثقة لا يمكن أن تطرح بسهولة في الآخر ذلك الذي يمكن أن يتغير أو تطرأ عليه ظروف غير مواتية فتهتز فيه الثقة وتهرب منه مجموعة من الأحاسيس البديلة التي كانت تمثل العروة الوثقي في شبكة العلاقات الاجتماعية! والخلاف الذي يمكن أن ينشأ بيني وبين الآخر إذا انعدمت الثقة بيني وبينه قد أدي هذا الخلاف إلي التنازع والصراع والقتال. وهذا ما نحذر منه وننادي إذا كان هذا الخلاف قد نشأ للتصادم بين الأفكار أو لطرح مبادئ جديدة قد تختلف مع مبادئنا فعلينا أن نقبل هذا الأمر بالحب والثقة، لأن المحب الواثق هو ذلك الذي يقوم بمهمات شاقة وهو مسرور من أجل من يحب حتي لو لم يكن وراء ذلك عائد مادي، فالمحب المخلص يسعي دائما إلي تحقيق سعادة الآخر يشعر المحب الودود بالاستجابات النشطة لحبيبه فيتجه إليه ملبيا مطالبه ويتعاطف معه في كل المواقف مهما كانت درجة سلبيته أو عدوانه، فهو لفرط ثقته يتقبل منه وينسي له كل الصعوبات التي قد يفرضها عليه. ان الثقة تحتاج إلي ان تطرح في شخصية واعية تثير الاهتمام وتوظف ارادتها ولديها القدرة علي الانجاز والابتكار. والحب يمثل قمة الانفعالات البشرية التي يمر بها الانسان لما يحتويه من شحنات وجدانية تنطوي علي خبرات ومواقف وأحاسيس تواكبها انفعالات هي مزيج من الغبطة والسرور والسعادة. الحب يمنح صاحب الرؤية الصادقة إذا كان عميقا ومخلصا كل إخلاص ومودة وهو الذي يحقق الوصال الراقي بين الانسان والآخر. والحب لا يعرف القسوة أو التملك ولا يطيق أن يعيش في قفص الغيرة الحمقاء التي قد تأتي إلي أحد المحبين فتفقده الرؤية الصحيحة التي لا يسطع نورها إلا في ظل مناخ من التفاهم والوئام والوصال الوجداني بعيدا عن القسوة والتقاتل والتملك وما قد يستدعيه من قسوة وضغط وتسلط وعنف فسباب المؤمن فسوق وقتاله كفر. - نحن نتطلع إلي كل من يختلف مع الاخر إلي أن تكون المودة والمبادلة الحانية هي أهم شروط التعامل ولا نتقاتل مع بعضنا البعض إلا علي أرضية من الحب والتفاهم، فالحب هو الذي يهذب سلوكنا إلي الأفضل ويمنعنا من ارتكاب الحماقات وما يتبعها من قسوة وأذي. وعندما تطرح الثقة المشبعة بالحب تتحقق الرؤية الصادقة التي تجعل الحب يهذب سلوكنا العنيف ويخفف من حدة تصرفاتنا المؤذية، وتتبلور رؤيتنا الصافية في: - الصدق في القول والعمل - اخلاص النية وتجنب الرياء - الموضوعية واحترام حقوق الآخرين - المحبة المخلصة والعطاء بلا حدود - الصبر وتحمل مشكلات الحياة - العفة وعزة النفس وكرامتها - التطلع إلي المعرفة الواعية والحرص علي الثقافة والحضارة الرشدة - المروءة والتعاون وحب الخير. - احترام حق الجوار والحرص علي تقدير إحساس الآخرين - التقوي والتحكم في الميول والأهواء - انشراح الصدر والاقبال علي الحياة باتزان وتحكم وعفه وتقوي. - التواضع وتجنب الغرور والصلف - البعد عن الحرام وتجنب الظلم - التسامح مع زملاء الانسانية واذا كانت هذه الخصائص قد حددت شخصية الانسان السوي، فهي التي تجعلنا نتأسي بها ونضع كل صفة من صفاتها نصب أعيننا فهي بلسم الحياة وهي الصورة المشرقة للانسان الراقي. حتي إذا اختلف مع الآخر فالانسان الراقي هو المحب لغيره من أفراد البشر وهو الذي لابد وأن يشعر بأنه قد تحالف مع زميله في الانسانية علي تنظيم العلاقة الطيبة بينه وبين سائر البشر في كل زمان ومكان وفق الهداية الربانية واعتمادا علي صراط مستقيم. والانسان المؤمن الراقي عليه وهو يتعامل مع الآخر حتي إذا كان هناك اختلاف في الرأي أو الفكر أو العقيدة أن يكون صاحب نفس صافية ويرفض التعامل مع الشر بكل صوره ويكره أن يضع لنفسه أو زملاء الانسانية عوائق تمنعهم من الاستمرار المنشود السليم في الحياة، ذلك الاستمرار الذي يتطلب من كل واحد في الانسانية أن يكون مؤمنا وعادلا، واعيا بمصالح الآخرين صادقا في قوله وفعله ومحبا للآخر وموضوعيا في أحكامه، لا يوظف هواه في تقويم الأمور، يرتفع بنفسه عن الأحقاد والحسد والغل والبغض. يصفي نفسه وقلبه من هواجس الشك وعوامل التردد، يحترم النظام والقوانين، يقدر أعمال الاخرين ويفتش في نفسه دائما عن جوانب الجمال والحق والخير، يعطي دائما يوجه بحق ونصح سديد ويتعامل مع الحياة كأنه يعيش أبدا ومع الآخرة كأنه سيموت غدا. وعندما يكون كفاح الانسان الراقي ومجاهدته متجها نحو تحقيق أكبر قدر ممكن من العطاء للإنسان الآخر فإننا بازاء "خبرة جديدة"هي خبرة ملؤها الحب والمودة تظهر في الانسان جوانب الخير والرحمة والتعاون والإيثار، خبرة تليق بالإنسان صاحب القلب المحب الصافي المؤمن بقيمة العطاء والمودة والصدق والبعد عن الخداع والتزييف فالحب لا يعرف الكذب لأن الحب أساسه الصدق والوضوح من هنا علينا ان نقاتل بالحب بعيدا عن العنف والقسوة والضغط وغياب الوجدان الرشيد الذي لا يعرف التصادم البغيض.