تتحدد العلاقة البشرية في صورتها الراقية من خلال الحب الصادق الذي يؤلف بين القلوب, فالانسان يستشعر ضربا من الراحة النفسية يصاحبها ذلك الشعور الجميل الذي يحسه الانسان الفرد عندما يشعر بأنه يحب وأن هناك من يحبه ويتواصل به. والحب يمثل قمة الانفعالات البشرية التي يمر بها الانسان لما يحتويه من شحنات وجدانية تنطوي علي خبرات ومواقف وأحاسيس تواكبها انفعالات هي مزيج من الغبطة والسرور والسعادة. الحب يمنح صاحبه الرؤية الصادقة إذا كان عميقا ومخلصا, وهو الذي يجعل الوصال الراقي يعم بين الانسان وحبيبه. وما أقسي من الناحية النفسية ان يستشعر الانسان في لحظة انه كان مخدوعا أو أنه وقع ضحية خيانة أو عدم وفاء, وليس أقسي علي النفس البشرية من أن تتحقق يوما من أن كل الآمال التي نسجتها وزرعتها في أرض الحب قد ذهبت ولم تؤت بثمارها المتوقعة... وأن كل ما قد عايشته من أحاسيس لا يعدو أن يكون مجرد أوهام قد كشفت الحقيقة المرة عن زيفها وأظهرت خداعها. الحب تجربة رائعة يتفاعل من خلالها المحب ليحقق ضربا من الوصال الوجداني يجعل كل محب يري لحبيبه كل ما يحقق له السعادة والتوفيق وهو بثقته يستطيع أن يقدم للآخر وبسخاء كل ما من شأنه أن يدفعه إلي الأمام ويحقق له الإنجاز المستمر ولاشك في أن كل محب يعجب بحبيبه وبذوقه وبأفكاره وبشخصيته كلها, ولكن هذا الاعجاب المتنوع يجافي الرغبة في الامتلاك تماما كما يكون الشخص المحبوب ممتعا وجذابا بكل المعني, ولكن دون أن توجد لدينا تلك الرغبة الجامحة في اقتطافه للاستمتاع به!! الحب يسعي إلي الوصال الحميم ولا يعرف التملك ولا يطيق أن يعيش في قفص الغيرة الحمقاء التي قد تأتي إلي أحد المحبين فتفقده الرؤية الصحيحة التي لا يسطع نورها إلا في ظل مناخ من التفاهم والوئام والوصال الوجداني... بعيدا عن( التملك) وماقد يستدعيه من قسوة وضغط وتسلط. الرؤية الصادقة تحتاج إلي المبادلة الحانية بين المحب وحبيبه وحتي في أدق مراحل الحب والعاطفة التي تشاهدها بين الأم وأولادها نجد أن تبادل الرؤية من الأمور الضرورية بين الأب والأم في أمر تربية الأولاد... وقد قام العالم( روبرت بلاي) بدراسة عن ضرورة تبادل الرؤية بين الأب والأم في تربية الأولاد لأن تربية الأم برؤيتها الخاصة للأبناء بعيدا عن رؤية الأب قد يحرم الأبناء من بعض خصائص الرجولة لذلك يري( بلاي) ان العودة إلي الآباء وتبادل الرؤية معهم في أمر تربية الأولاد ضرورة حرمتهم منها حضارتنا المعاصرة... تلك التي جعلت الأب ضيفا لا يراه الأبناء إلا ساعة متأخرة من الليل أو في المساء وقد يغيب أياما طويلة دون أن يشاركهم حتي تلك الساعات المسائية الخاطفة. هذه هي طبيعة بعض الآباء في عصرنا الراهن, أسير العمل أو المكتب أو المتجر وهو الذي تعبث بوقته المشروعات وتسحق البقية الباقية من وقته الأسفار والرحلات. الأب هكذا يكون غائبا أبدا والأم حاضرة دوما!! ان الاقتصار علي رؤية الأم فقط رغم علاقتها الحانية وعاطفتها الجياشة قد جعلت تربيتها تتميز بالنعومة والرقة والمسايرة والأحاسيس الناعمة, بعيدا عن عوامل التحدي والرفض والقدرة علي المواجهة والشجاعة الأدبية. وبطبيعة الحال فإن هذا الملمس الناعم قد أصبح جزءا من تكوين الأبناء, فقد أفرزت هذه الرؤية القاصرة احساسا عجيبا قد جعل بعض الذكور يفقدون احترامهم لأنفسهم ويظهر ذلك في تقاعسهم وابتعادهم عن مواقف التحدي والمناقشة نحن في حاجة إلي ضرورة الوصال الوجداني بين الأب والأم في تربية أبنائهم, ويحرصون في تفاعلهم ومودتهم علي أن يقدموا للأبناء كل ما يشبع فيهم روح المنافسة والعمل والانجاز. والشيء الذي لا يمكن نكرانه أن هناك من الزوجات من تحملن عبء تربية الأولاد لظروف حرمتهم من الاسترشاد برؤية الأب ولكن علي الرغم من ذلك كانت تربيتهم علي أعلي درجة من الاسترشاد القويم والتربية الناجحة, ولقد تم لهن ذلك من خلال رؤية الآخر أيضا متمثلة في أخ حميم وقريب مخلص واطار أسري وعائلي متماسك يقدم المعونة والمشاركة والرؤية الصادقة. ان الحب إذا كان يمثل تلك الضرورة التي تحقق الوصال الاجتماعي السليم بين الانسان والآخر, فإن هذا الحب لابد وأن ندعمه بالإخلاص والمودة, وعلي كل انسان أن يفتش في نفسه عن معطيات الحياة المحسوسة ويرعي وهو يفتش عن هذه المعطيات التي تهتم بالسلوك الواقعي للحياة ولكن كل انسان عليه أن يعود ليرعي خاشعا أشياء السماء تلك التي تتبلور في الحب الخالص الذي يرقي بنا إلي عنان السماء.