كان رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم علي خُلق عظيم. بتزكية الله تعالي له. وبالواقع الذي عاشه مع الناس كلهم. المسلمين منهم والكافرين. فالواجب هو الاقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم في كل أخلاقه ومعاملته. والناظر إلي حال أبناء الإسلام في هذا الزمان يري أنهم قد جهلوا قدر نبيهم صلي الله عليه وآله وسلم. وتركوا شرعه وراءهم. وجعلوا سيرته قصة يتغني بها في المحافل والذكريات. وجانبوا سنته بإقامة الموالد المشتملة علي البدع والشهوات. وادعوا محبته في الوقت الذي يقصرون فيه في جانب دينهم. ولا يغارون علي ما يجري للمسلمين والمسلمات في كثير من بقاع الدنيا. كان خلقه القرآن لو ظللت الدهر كله أتحدث عن أخلاق رسول الله ما استطعت. ولكن لخصت عائشة الصديقة الحصان الرزان هذا الخلق العظيم في كلمات محددة فقالت: "كان خلقه القرآن". فقد كان رسول الله قرآناً متحركاً بين الناس. لقد جمع الله في شخص الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم أشخاصاً متعددين كثيرين في آن واحد. انتبه معي أيها الحبيب: فهو رسول من عند الله يتلقي الوحي من السماء ليربط السماء بالأرض بأعظم رباط وأشرف صلة. وهو رجل سياسة من طراز فريد. يقيم أمة ودولة من فتات متناثر. فإذا هي بناء شامخ لا يطاوله بناء. تذل الأكاسرة وتهين القياصرة وتغير مجري التاريخ في فترة لا تساوي في حساب الزمن شيئاً. وهو رجل حرب من طراز أوحد. يقود الجيوش. ويخطط للمعارك. ويتخذ غرفة للعمليات عن بُعد من أرض المعركة. وهذا لم يعلمه التاريخ إلا في قرننا الحالي. وقد فعله رسول الله في غزوة بدر. اتخذ غرفة للعمليات ليخطط فيها للمعركة وللحرب. وقام ليختار القادة. وليختار قائد الميمنة وقائد الميسرة. بل ولما افتضت الجموع في حنين قام الحبيب المصطفي رافعاً سيفه في ساحة الوغي. وميدان البطولة والشرف. ذلكم الميدان الذي تصمت فيه الألسنة الطويلة. وتخطب فيه السيوف والرماح علي منابر الرقاب. وقف الحبيب المصطفي ليعلن بأعلي صوته قائلاً: "أنا النبي لا كذب. أنا ابن عبد المطلب". وهو أب وزوج. ورب أسرة كبيرة تحتاج إلي كثير من نفقات الفكر. نفقات الشعور. نفقات التربية. نفقات النصح. فضلاً عن نفقات المال. فيقوم الحبيب المصطفي بهذا الدور علي أعلي نسق شهدته الأرض وعرفه التاريخ. وهو إنساني من طراز فريد. كأنه ما خلق إلا ليزيل الدموع. كأنه ما خلق إلا ليمسح الآلام عن القلوب. يمنح الناس وقته وفكره وعقله وماله ونصحه وروحه وشعوره. كأنه ما خلق إلا ليسعد الناس في الدنيا قبل الآخرة. وهو قبل كل ذلك وبعد كل ذلك فهو قائم علي أشرف وأعظم دعوة شهدتها الأرض. أخذت الدعوة عقله وفكره وروحه بل ودمه. فيقوم المصطفي بهذه الأدوار كلها كأنه ما خلق إلا لكل دور من هذه الأدوار ليقوم به علي أعلي نسق وأكمل صورة. القرآن يربي ويعلم إذا كانت مكانة رسول الله في قلوبنا أن نحتفل له في ليلة بقصيدة أو بندوة أوبمحاضرة. فما أرخصها من مكانة وما أرخصه من حب» لذا لا يعلم قدر رسول الله إلا الله. أنزل الله عليه القرآن ليربي ويعلم أصحابه. وليعلم المسلمين من بعدهم كيف يعاملون رسول الله. وكيف يوقرون رسول الله. وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر اللقاء: ¢القرآن يعلم¢. قال القرطبي : "لا تقدموا بين يدي الله ورسوله أي: لا تقدموا قولاً ولا فعلاً علي قول الله وعلي قول وفعل رسول الله» فإن من قدم قوله وفعله علي قول وفعل رسول الله فإنما قدمه علي الله» لأن رسول الله إنما يأمر بما أمر به الله عز وجل". قال الإمام الشنقيطي : "لا تقدموا بين يدي الله ورسوله". ويدخل في ذلك دخولاً أولياً تشريع ما لم يأذن به الله. وتحريم ما لم يحرمه. وتحليل ما لم يحلله» إذ لا حلال إلا ما أحله الله علي لسان رسوله. ولا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله. ولا دين إلا ما شرعه الله علي لسان رسوله صلي الله عليه وسلم. هذا هو الهدف الذي ينبغي أن تكون عليه الأمة مع رسول الله. أي: لا تقدم قولة ولا فعلة علي قول وفعل رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم. والسؤال الآن .. هل امتثلت الأمة أمر الله فتأدبت مع رسول الله؟ هل امتثلت الأمة أمر الله فلم تقدم قولها ولا حكمها ولا فعلها علي قول وفعل وحكم رسول الله؟ والجواب بملء الفم: لا. والواقع خير شاهد. وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء. أرجئ الحديث عنه إلي ما بعد جلسة الاستراحة. وأقول قولي هذا. وأستغفر الله لي ولكم. الحب الصادق للنبي هذا هو الحب أيها المحب ..قد لا أكون مبالغاً إن قلت: إنني لا أعلم شعباً -والله تعالي أعلم- يحب رسول الله كشعب مصر. لكنني أقول: ينبغي أن يضبط هذا الحب. ففرق كبير بين حب مبني علي الابتداع. وحب مبني علي الاتباع. فالحب الصادق هو الحب الذي يبني علي اتباع النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم. المحب للنبي عليه الصلاة والسلام لا يتكلم إلا بمثل كلام النبي. بمعني: لا تتكلم ولا تفعل إلا إذا علمت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد أمرك أن تقول هذا أو أن تفعل هذا. يعني: يرفع النبي رجله اليمين فتحط رجلك اليمين علي أثر رجله. يرفع النبي رجله الشمال فتضع رجلك الشمال مكانها. تمشي وراء خطاه. وإن شاء الله في نهاية الطريق ستجد الحبيب المصطفي ينتظرك علي الحوض» لتسقي بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة لن تظمأ بعدها أبداً» حتي تستمتع بالنظر إلي وجه الله في جنة الله مع رسول الله. الحفاظ علي الصلاة هل المحب الصادق يضيع الصلاة؟ أين هو من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" وقال النبي عليه الصلاة والسلام: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة".. سبحان الله! أين من يدعون الحب والمؤذن يقول: حي علي الصلاة. والناس قاعدون علي "المصاطب" أو علي "القهاوي" والمحلات والبقالات فاتحة. ألست أنت تحب النبي؟ نعم أنا قلبي ملآن بحب النبي. إذاً: لماذا لم تقم لتصلي؟ هذا النبي يقول لك: إذا سمعت المؤذن يؤذن فأجب. كان هناك رجل أعمي اسمه عبد الله ابن أم مكتوم . لكنه يستأذن النبي في صلاة واحدة. وهي صلاة الفجر التي ضيعها المسلمون في هذا الزمان حتي سقطت من الحسابات. ففي هذا الزمن لو سألت مسلماً: كم صلاة عليك؟ لقال أربع!! صلاة الفجر سقطت من زمان. فتش عن المساجد في صلاة الفجر. ابحث عن أي مسجد في صلاة الفجر. أين المسلمون المحبون؟ نائمون. قضي أول الليل مع المسلسل. وثني بالفلم. كيف سيقوم لصلاة الفجر؟ ألست تحب النبي؟ نعم يا أخي. أحب النبي صلي الله عليه وسلم. لكن ربك رب قلوب. صل علي الحبيب المحبوب. فأين المحب من الصلاة؟ المحب الصادق يقدم حب النبي علي نفسه يقول الحبيب: "والذي نفسي بيده! لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين". أي: لا يكتمل الإيمان في قلبك إلا إذا كان حبك للنبي يفوق حبك لولدك. ولوالدك. وللناس أجمعين. بل ولنفسك التي بين جنبيك. فسل نفسك الآن. وكل يجيب عن نفسه: هل أنا أحب رسول الله أكثر من حبي لولدي؟ وهل ألبي أمر رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم؟ أنت الذي تجيب. هل حب رسول الله في قلبك يفوق حبك لوالدك؟ هل حب رسول الله في قلبك يفوق حبك لنفسك التي بين جنبيك؟ عمر بن الخطاب يقول للنبي: أنا أحبك يا رسول الله. لكن ليس أكثر من نفسي. فقد كانوا لا يعرفون المنافقة والمداهنة والتملق. فقال: أنا أحبك لكن ليس أكثر من نفسي. فقال النبي صلي الله عليه وسلم: "لا يا عمر. حتي أكون أحب إليك من نفسك. فقال عمر : والذي نفسي بيده لأنت أحب إلي من نفسي يا رسول الله". انظروا الحب يا إخوة. انظروا عمر يقول: والله أنا أحبك الآن أكثر من نفسي. ويشكل هذا الحديث علي بعض الإخوة. ويقولون: عمر قال في الأول أنا أحبك لكن ليس أكثر من نفسي. وبعد ذلك فوراً قال: أنا أحبك أكثر من نفسي. لماذا؟ يقول الإمام الخطابي : حب الإنسان لنفسه طبع. وحب الإنسان لغيره اختيار بتوسط الأسباب -يعني: أنا أحبك وأنت تحبني لأسباب.