يستشعر الانسان ضربا من الراحة النفسية يصحبها ذلك الشعور الجميل الذي يحسه عندما تقوم حياته العضوية بوظيفتها السوية, هذه الراحة تأتي من سلامة التعامل مع الجزيئات ودقة التفاعل من مكونات الجسم, وصفاء النفس التي تحرك سائر الأعضاء في هدوء وراحة ووئام. والحب يمثل قمة الانفعالات البشرية الذي يمر بها الانسان لما يحتويه من شحنات وجدانية تنطوي علي خبرات ومواقف وأحاسيس تواكبها انفعالات هي مزيج من الغبطة والسرور والسعادة, ولكن هذه التجربة الشاقة المجهدة تستلزم بالضرورة هذا السياج المتين الذي نتطلع إليه عندما نتكلم عن الحب وما يصاحبه من انفعالات.. وأعني بهذا السياج المتين( الوفاء) فمشكلة الحب أن المحب يضع كل ثقته في المحبوب وينتظر حصاد هذه الثقة من خلال الوفاء الذي يعني الاستمرار ويعبر عن الالتزام والثبات علي المبدأ. وما أقسي من الناحية النفسية أن يستشعر الانسان في لحظة أنه كان مخدوعا, أو أنه قد وقع ضحية لضرب من الخيانة أو عدم الوفاء وليس أقسي علي النفس البشرية من أن تتحقق يوما من أن كل الآمال التي نسجتها وزرعتها في أرض الحب قد ذهبت ولم تؤت بثمارها المتوقعة وأن كل ما عايشته من أحاسيس لا يعدو أن يكون مجرد أوهام قد كشفت الحقيقة المرة عن زيفها وأظهرت خداعها!! هكذا لابد للحب كتجربة بشرية نفسية تعبر عن رقي الانسان من أن تقترن( بالايثار) بوصفه يحول الأنانية إلي عطاء... ويبدل الجفاء إلي تعاون ووصال, لأن الحب الحقيقي يفسح دائما للآخر مكانا كبيرا في أعماق نفسه بل يضع الآخر بوعي وفهم تحت تصرفه ويتفاني في تقديم الخدمات ويقدم له مخلصا كل ما من شأنه أن يسعد المحبوب بتلقائية تعبر عن التفاني والثقة والوفاء والايمان والاخلاص والتفاعل والعشق والمودة. وإذا كانت هذه التجربة الفريدة التي لابد وأن يستشعر بهجتها الانسان الفرد تحتاج منا إلي أن نعبر عن انسانيتنا من خلال معاني التضحية والوئام والمودة والرحمة, فإنها في حاجة إلي أن نبرز عناصرها لكي نوضح ضرورتها وأهميتها بالنسبة للانسان في زحمة هذه الحياة المادية التي ضغطت علينا بقسوتها وضراوتها فأبعدتنا إلي حين عن هذا الشعور المبهج الذي يدفع إلي الأمل ويؤدي إلي السعادة. والحب لابد أن يكون عادلا, لأن اللقاء الحميم بين الحب والعدالة لابد وأن يكون دائما فالحب لا يعرف الظلم, ولا يعرف القسوة, ولا يعرف إضاعة الحقوق تماما كما لا تعرف العدالة إلا كل ما من شأنه أن يحقق للانسان سعادته وفق المشروعية والالتزام بالقيم والأعراف والقوانين فالحب لا يطلب سوي التفاهم الواعي والتفاعل الرشيد حتي لا تصطدم الحقوق ولا تختفي الواجبات, فإذا عرف كل حبيب ما له وما عليه تجاه حبيبه ساد الحب وسادت المودة وشعر كل حبيب بقيمة الحياة وسعادتها. الحب لا يعرف إلا العدل... لأن هناك من يدعون الحب من يعيشون مع من يحبون ولهم أهدافهم التي يحبون تحقيقها, وإذا تحقق الهدف فإن الحبيب صاحب الهدف الذي تحقق لا يأبه بحبيبه وتفتر العلاقات ويضيع بينهما الحب... وهذا الفعل الغادر من بعض الذين لا يفكرون إلا في مصالحهم يجعلنا نقول لهم أن الحب لا يعرف إلا العدل ويكره هذا الظلم, لأن العدل يسود بين الانسان والآخر, وبين المحب وحبيبه في حضرة النفوس الصافية المحبة المخلصة التي تعبر عن سلوكيات سوية وتصرفات أخلاقية مشبعة بالقيم والوفاء بعيدا عن المصلحة وسياسة الخطف والجري وراء المصلحة ونكران الجميل. إن هذه الأنانية المفرطة علامة سوداء في جبين الحبيب المزيف الذي لبس قناع الحب ليخدع حبيبه حتي تنتهي المصلحة, ويذهب كل واحد لحاله وقد نسي هذا المخادع أن الحب لا يعرف الأنانية أو إضاعة الوقت أو إخضاع الغير, أو الرغبة في الامتلاك... فكل هذه المظاهر تعبر عن المرض النفسي الذي لا يرمز إلي المودة أو يؤدي إلي إيجابية العلاقات الانسانية وهذا الحب الذي اعتمد علي سياسة اخطف واجري حب مزيف وضلال مبين. والحب اعتمادا علي هذا السلوك الغادر من بعض الذين يدعون الحب يحتاج إلي موجهة هؤلاء بالارادة الخيرة التي لا تعرف الغدر أو الخطف فالحب الحقيقي لا يعرف الشر ولا يسعي إلا لتحقيق السعادة إذا كان مبنيا علي أصول ومودة واحترام وإخلاص وتضحية وإيثار. والغريب في أمر الحبيب الغادر أنه لا يشعر بآلام الحبيب الذي غدر به ولا يعيش لحظات الجفاء وما تسببه من آلام, لأنه لا يعرف أن هذه الآلام ومرارتها تعطي طعما مرا, ولكن الحبيب المخدوع يراها حلوة المذاق لأنه دائما يستحضر اللحظات الجميلة التي قضاها مع حبيبه علي الرغم من هذا الخداع وذلك الجفاء... لأن هذا الحبيب المخلص يشعر براحة نفسية عندما يذرف دموعه ويصطدم بهذا الجفاء وذلك الخداع. إن هذا الجفاء من الحبيب المخادع يجعل الحبيب الذي لدغته حبيبته من خلال خداعها وعدم اعترافها بالجميل فالحب المخلص لا يستسلم لهذا الخداع وتلك الخيانة لأنه يعتبر هذه الأمور بمثابة سحابة مشبعة بقطرات المياه الباردة في ليلة عاصفة!! إن الحبيب من خلال شعوره بآلامه وحسرته علي ما ضاع منه عليه أن يغلب حياة العقل والنظام علي حياة العاطفة التي قد تخرج علي السائد المألوف, أو تبتعد عن الاطار الذي يجعل من الحب دافعا للانتاج والانجاز والعمل الصالح المثمر... وعلي الحبيب المخدوع الذي وقع في فخ ضلال الحبيب الناكر للجميل أن يضع أمام الحكمة الشعبية الرائعة التي تقول:( اللي باعك بيعه) ولا تبكي علي اللبن المسكوب بل اجعل من عاطفتك الجياشة وقلبك الصافي طاقة إنتاج واتجاه إلي المستقبل, وعليك أن تكتب لافتة أمام الطريق الجديد بعيدا عن الخداع أو الأقنعة المزيفة ولتكون اللافتة الجديدة( لقد انتهي الموضوع يا حبيبي) وعليك أن تمضي في طريقك بعيدا عن الزيف والخداع ونكران الجميل. فالحب الحقيقي لا يعرف إلا الشفافية والتضحية والمودة والعشق الجميل المخلص والوفي. رابط دائم :