بعد مرور أكثر من عامين علي الثورة وحتي يومنا هذا لم تستطع الأجهزة الأمنية وضع حد لفوضي الشوارع المتمثلة في غياب الأمن والذي تصاعدت وتيرته إلي حد إفراز شتي أنواع الجرائم والسماح للخارجين علي القانون بالتفنن في ارتكابها بأساليب مستحدثة دون المبالاة بعواقبها طالما غابت سبل التحكم في تلك الأزمة منذ بداية ظهورها عقب الثورة مباشرة. اللواء ممدوح عطية خبير عسكري يقول إن حادث اختطاف الجنود المصريين كان بمثابة جرس إنذار للتنبيه بخطورة ماآلت اليه الأوضاع الأمنية في البلاد وما بات يكمن في نفوس الخارجين علي القانون من لامبالاة وعدم خوف من العقاب بسبب عدم وجود رادع للممارسات الإجرامية, وفي الوقت ذاته فإن قدرة الأجهزة الأمنية علي استعادة هؤلاء الجنود تعد مثالا جيدا لإدارة الأزمة والقضاء عليها بأقل خسائر كما أنه يؤكد قدرة الأجهزة الأمنية المصرية بشرط تضافر الجهود وتوافر النية الخالصة لتحقيق هدف محدد. وعلي صعيد الانفلات الأمني الذي لايزال يعيشه المجتمع المصري منذ اندلاع الثورة وحتي الآن, يوضح أنه مثل سييء لإدارة الأزمة, إلا أنه يمكن التماس العذر لوزارة الداخلية وضباط الشرطة, نظرا لما وقع عليها من هجوم شرس عقب اندلاع الثورة بسبب ماطالها من فساد طوال سنوات العصر البائد,مما أدي إلي تعرضها للهزيمة المادية والمعنوية, وبالتالي كان من الطبيعي أن تفقد السيطرة علي الأوضاع وبخلاف ما حدث في معظم ثورات الربيع العربي والتي لاتزال الأجهزة الأمنية بها تتمتع بكامل قوتها. فيما يلفت العقيد محمد محفوظ المنسق والمساعد لائتلاف ضباط لكن شرفاء إلي ان سقوط جهاز الشرطة يعد من أخطر الأزمات التي يمكن أن تصيب الأمن الداخلي لأي مجتمع في مقتل, وبالتالي كان يتعين الالتفات إليها والقضاء عليها في أسرع وقت, من خلال العمل علي إعادة هيكلة جهاز الشرطة عقب انتخاب الرئيس مرسي, وانتهاز فرصة تصاعد الزخم الثوري وقابلية مؤسسات الدولة للتغيير, إلا أن التراخي في عملية إعادة الهيكلة حتي الآن خلق نوعا من المقاومة الداخلية لجهاز الشرطة ضد الإصلاح,إلي جانب تراجع الإرادة المجتمعية والتي طالما حلمت بالتغيير بعد الثورة حتي ملئت بالإحباط واليأس, وأصبحت تتمني عودة الشرطة ببطشها طالما كان ذلك السبيل الأوحد لحفظ الأمن ويضيف أنه في ظل هذه الحالة من اليأس ومقاومة الإصلاح, من الطبيعي أن تزداد معدلات الجريمة وتأخذ أشكالا جديدة سواء علي مستوي جرائم السرقة أو القتل أو التعدي علي المؤسسات والأفراد إلي جانب استفحال ظاهرة تجارة المخدرات والأسلحة, مؤكدا أن الوضع الأمني يتطلب وقفة حاسمة وأخذ خطوات فعلية نحو إعادة هيكلة جهاز الأمن في مصر. في السياق ذاته يوضح العميد محمود قطري خبير أمني أن افتقاد القدرة علي إدارة الأزمة يرجع بالأساس إلي تجاهل بوادر ومقدمات تلك الأزمة, ثم التعامل معها فيما بعد بسياسة رد الفعل مشيرا إلي أن بوادر سقوط النظام الشرطي بدأت منذ عهد حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق عام2004 دون أن يلتفت إليها أحد, وذلك بعد أن أصيب في عموده الأساسي المتمثل في الأمن العام أي الأقسام والمراكز بعد أن انصب التركيز علي حفظ أمن النظام علي حساب الأمن العام, بالإضافة إلي إدخال نظام الوساطة والمحسوبية في المنظومة الشرطية ومن ثم عدم مراعاة حقوق الضباط من حيث الرواتب ونظم الترقية القائمة علي الكفاءة إلي أن اندلعت الثورة لتكون بمثابة الإعلان الرسمي لسقوطها. ويشير إلي أن انهيار المنظومة الأمنية في مصر يتجاوز مفهوم الأزمة ولايجب التعامل معها بالأساليب التقليدية لأن الوضع خطير للغاية واستمراره ينذر بسقوط الدولة برمتها, وبالتالي يجب أن يوضع علي قمة الأولويات مع أخذ خطوات فعلية لإعادة بناء جهاز الشرطة بداية من الفكر اللأمني والعقيدة الأمنية لدي الضباط مرورا بالتشريعات وصولا بالمنظومة الأمنية المكتملة علي أرض الواقع. رابط دائم :