قلت في عصبية: أكفر بالراحل وبالقادم... وباللافتات المعلنة والبراويز المنصوبة... وانطلقت صوب قرص الشمس المتدحرج من أقاصي الجنوب!!. قال أبي: ولد عاق. وقالت أمي: قد جن. غيبتني الشوارع في صهدها وطنينها, ودوامات الكر والفر وأحلامي التي لا تتحقق.. حتي وجدتني في شوارع وسط البلد, وقفت أمامه, رنوت اليه, واقفا في شموخ.. يرتدي طربوشه فوق قاعدته الرخاميه, وسط الميدان الذي يحمل اسمه.............. يا جدي الخبير, كنت رمزا للاقتصادي الوطني. نعم يا ولدي. لانجد قوت يومنا.. لولا الهبات والمعونات وغطرسة الصناديق المانحة!. الحل بأيديكم..... المواعظ مرة أخري.. لقد سئمت. تأدب. تركته وأنا أنوء بحيرتي... تبرق في عيني أشعة الشمس الحارقة, سرت بغير هدي, حتي تعثرت في حجر, ألفيته واقفا وسط دائرة العشب الأصفر, النابتة حواليه, عند سور الأزبكية القديم.. حملقت نحوه في بلاهة, وهتفت: يحيا الشعب, يسقط الاستعمار.. أتظن يا جد بأن الجلاء قد تحقق؟. حدق في تعجب: لقد أدينا ما علينا. مازلنا يا جد لا نملك زمام أمرنا من لا يعمل لا يملك. المواعظ مرة أخري. تأدب يا ولد. تلقفتني الشوارع مرة أخري.. أجوب وأغوص في عبابها الذي لا ينتهي... وقرأت اللافتة طريق المطار, حاولت أن استرح, وأجفف عرقي, حتي وجدتني أمام أقدامه الغليظة, بقامته العالية وذقنه الطويلة, يقف في زهو. أنت كبيرهم.. فلتخبرني عن الحقيقة. لقد نقبت في كل الكتب, وقرأت السير وأخبار الغزوات, ولم أعثر علي شيء. لم ينبس. كيف طردتم الهكسوس. لم ينبس. وحت أبحث حولي عن فأس, التفت نحوي, وقال في نبرة وعيد: لقد تجرأت......... عدوت مسرعا.. وشعرت بدبيب خطاه الثقيلة تتتبعني, تملكني الرعب, وبالتفاته خلفي.. وجدت جموع التماثيل تثب من أماكنها, كلما مررت بها وتتعقبني.. تتوعدني بالثبور وعظائم الأمور............ حتي انتهي بي المطاف عند كورنيش النيل, جلست علي أريكة حجرية........ ألتقط أنفاسي, ثقل رأسي في مهب الهواء الجاف, وكنت لم أنم منذ ليلة أمس, غفوت.......... ولما أفقت, وجدت جموع التماثيل واقفة أمامي, تحدجني بنظرة صارمة, قلت: لم أفعل شيئا. قالوا في نبرة جماعية: صفعت المدير وأغضبت والديك وتحرشت بالشرطي. قلت: معذور. قالوا في اشفاق: مازلتم تتصنمون في أماكنكم, لاتبرحوها. نظرت حولي, وجدت الظلام يعم المكان, ولا أثر لأحد........ سوي أضواء خافتة تنبض من بعيد, وأنا أردد في حيرة: التماثيل لا تتكلم.... التماثيل لا تتكلم.