قضية اقتراض الدولة أمر أكبر من قضية اقتراض الأفراد, ولسنا بصدد الجدال حول قدرة الاقتصاد المصري علي الصمود حيث هناك العديد من الأبواب التي يجب أن تفتح للعمل وبالتالي للإنتاج ومن ثم للتنمية وتغنينا عن الاقتراض. حين أثير موضوع القرضين الأوروبي والسعودي وعلاقتهما بموضوع الربا أثير في طياته موضوع التعامل مع البنوك لوجود الفائدة في العديد مع تعاملاتها كمبرر لتمرير القرضين حيث نتعامل جميعا بدرجات متفاوتة مع المصارف( البنوك) ويمتلك أغلبنا حسابا أو أكثر فيها. والقضية بهذه الصورة ليست دعوة لمقاطعة المصارف لأنها تؤدي خدمة حفظ الأموال ونقلها من جهة لأخري وهي خدمة مطلوبة في مختلف الأزمة وخاصة مع انعدام الأمن الذي نشاهده باطراد. ويتبقي سؤال ماذا نفعل كأفراد لحل هذا الموقف؟ ليس أمامنا سوي التعامل مع المصارف ولكن علي ألا نقترض منها مطلقا وهذا هو بيت القصيد. ولقد وجد المجتمع آليات عديدة لمواجهة الاحتياج الشخصي للمال لمواجهة ظروف طارئة منها جمع المال من مجموعة لمساعدة شخص علي مواجهة طاريء أو لتقوية القدرة علي الادخار عند بعضنا وهو نمط يشبه القرض الحسن أو للمشاركة في مشروع صناعي أو زراعي أو تجاري بنظام المرابحة أو لإنشاء منظومة تشاركية للولوج لصناعات جديدة عالية المخاطر ربحيا كما في الغرب. أما قضية القرض الحسن التي قصر عنها أساتذة الاقتصاد, فتحتاج إلي دراسة متعمقة نظرا لتآكل القيمة الشرائية للعملة الناتج بالأساس عن ضعف الاقتصاد القومي حال قصر غطاء العملة سواء أكان ذهبا أم عملا حسب بعض النظريات, عن تغطيتها. وإضافة إلي ذلك فإن وظيفة المصارف في المجتمع يجب أن تحظي بدراسة لتخرج المصارف من ربقة الوظيفة الأساسية لعمل المصارف في النظم الرأسمالية وهي الادخار والإقراض إلي وظيفة أشمل مجتمعيا لتشارك في المشاريع الانتاجية كما حدث مع بعض المصارف المصرية ولكن دون رؤية قومية حيث شاركت تلك المصارف في تأسيس عدة شركات علي مدار عقود ولكن تبدو قضية الإقراض أيسر ولهذا تعكف عليها المصارف بدرجة كبيرة. قضية اقتراض الدولة أمر أكبر من قضية اقتراض الأفراد, ولسنا بصدد الجدال حول قدرة الاقتصاد المصري علي الصمود حيث هناك العديد من الأبواب التي يجب أن تفتح للعمل وبالتالي للإنتاج ومن ثم للتنمية وتغنينا عن الاقتراض. كنت ومازلت ضد قرض البنك الدولي وغيره من القروض وضد فتاوي فقهاء السلطان الذين أفتوا غيلة أن الفائدة البسيطة رسوم والرسوم من هذا الكلام براء. نحن نحتاج إلي تنمية تغنينا عن الاقتراض والتسول وطرد أبنائنا للعمل في الخارج حيث لا عمل لهم في الوطن. وأشير في عجالة إلي أن دعم الوقود المعلن الذي يشار إليه دائما أغلبه تدليس علي العامة لأنه لا يفترض معرفة المجتمع بالتكلفة الفعلية للغاز الطبيعي الذي ننتجه والذي نبيعه بسعر مربح ولكننا نتخيل أننا حال بيعه في الخارج سنربح مبالغ طائلة هي الدعم الوهمي, كما أن الاقتصاد المصري يعاني من بضاعة راكدة في مخازن الحكومة تقدر بنحو اثنين وتسعين مليار جنيه تشكل حوالي نصف عجز الموازنة المعلنة. القضية في نظري هي غياب الرؤية القومية ومنها غياب المشروع القومي وآليات تنفيذه فهذا بيت الداء. في ظل هذا الموقف سيكون من السهل علي أي حكومة أن تقترض وتحمل الأجيال الحالية والقادمة عبء غباء نظرتها لتنمية الوطن. فنحن لم نصل لحد الإفلاس بعد ولا نتمني أن نصل له. الأمر كله أننا لا نجيد القيادة وعلينا أن نضع آليات حكيمة للقيادة وهو أمر صعب ليس بمستحيل وبات أمرا ضروريا ولابد من عمله. فما أسهل أن يتسول المرء ولكن الصعب أن يعمل فما بالك بعمل من خلال خطة غير موجودة. بإمكان الجميع أن يتسولوا فهي مهنة سهلة لكن قيمنا تمنعنا علي مستوي الفرد وعلي مستوي الجماعة وبالتالي لابد من وضع خطة قومية معلنة شفافة للتنمية. استمعت مؤخرا كغيري إلي حوار مع رئيس الحكومة عن الوضع الحالي وتطرق الحوار إلي خطة الحكومة التي يقال أنها معلنة وأنها أخذت ثلاثة أشهر لإعدادها بواسطة مجموعة من الخبراء والمتخصصين والمسئولين. ولفت نظري أنها مغايرة لمشروع النهضة الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن خطة الحكم! لقد بحثت عن خطة الحكومة في موقع رئاسة الحكومة فلم أجدها ولكنني وجدت عرضا لها علي أحد مواقع التواصل الاجتماعي, وبتصفح تلك الخطة يمكننا أن نستنتج أنها متواضعة في توقعاتها حيث تعمل علي دفع معدل النمو الاقتصادي من2.2% في العام المالي السابق إلي3.5% للعام الحالي, لنصل إلي7% عام2022 م, كما أن آلية عملها لا تختلف عن المنظومة السابقة, وهو ما لا يمكن معه توقع تنمية حقيقية. فقضية التنمية تحتاج إلي نظرة شاملة ونموذج تطبيقي سريع يشعر به الجميع وهو عكس ما نشاهده اليوم من ارتفاع أسعار الكهرباء والماء والغاز الطبيعي وارتفاع معدل البطالة وارتفاع معدل الفقر وانتشار البلطجة بصورة كبيرة, مما يجعلنا نشير إلي أن الخطة التي لم تنل حظا من المناقشة العلمية في مراكز الفكر في جامعاتنا لا ترقي إلي طموح شعبنا. لقد شملت الخطة طويلة المدي حتي عام2022 م مثلا الانتقال إلي اقتصاد المعرفة, وتحويل البنية الانتاجية من الأنشطة الأولية وهي الزراعة والتعدين, والأنشطة الثانوية وهي الصناعة, إلي القطاع الثالث وهو الخدمات عالية التقنية, وهذه المقولة غريبة من منظور التنمية فالخدمات في الغرب والشرق علي حد سواء لا تقوم إلا عند استكمال بنية تلك الأنشطة التي أشارت إليها خطة الحكومة علي أنها أولية وثانوية وهي أساسية وتشكل عصب الاقتصاد الغربي, الأمر الذي يضع علامة استفهام علي قضية الخدمات في منظومة التنمية!